Site icon صحيفة الوطن

نصف الكأس الملآن في قصة مراكز الإيواء

| محمد راكان مصطفى

لطالما تمت الإضاءة على الواقع الصعب الذي يعيشه المهجرون السوريون في مخيمات دول الجوار، والمعاملة السيئة والاستغلال والمتاجرة بهم بكل الأشكال، وما يتعرض له قاطنو تلك المخيمات ممن فروا خوفاً من الحرب التي استهدفت الإنسان السوري في جميع مناحي الحياة، والتي عملت في شطر كبير منها على استهداف مدنيته ومستقبله.. إلا أن الجانب الآخر من الحقيقة بقي خارج دائرة الضوء!
تحت القسم الفارغ من الكأس هناك حيز ممتلئ يجب التمعّن فيه، بداعي الإنصاف، إذ فضّل الكثير من السوريين البقاء في بلدهم، رافضين فكرة الهجرة واللجوء من أساسها، وكان العامل الاقتصادي أساسياً في تحديد أماكن إقامتهم، فمنهم من اضطرته ظروفه إلى الإقامة في مراكز إيواء جهزتها الدولة السورية في بعض المدارس والدوائر الرسمية، لتأمين إقامة مؤقتة، وحماية المهجرين من الطمع والجشع وأنشطة العالم السري الذي أنعشته الحرب مادام هناك مجال للشذوذ عن القوانين والأعراف!
ببساطة، إن واقع مراكز الإيواء يمثل صورة مصغرة ومركّزة عن واقع المجتمع السوري، بكل تفاصيله، بحلوه ومره، إيجابيته وسلبياته، مبادراته الإيجابية الخلاقة ونزوعه نحو الشذوذ القانوني.. فإن ظهرت إشكاليات وسلوكيات غير سوية من بعض المقيمين في هذه المراكز، فهذا أمر طبيعي جداً، إلا أن ما يجعلها تبدو أكثر وضوحاً، هي الكثافة السكانية في تلك المراكز.
وللمقارنة، نأخذ مثالاً الأطفال، فأمام ازدياد المنعكسات السلبية للحرب والواقع الاقتصادي عليهم، في المجتمع، وما رافقه من خطر كبير يتهدد مستقبلهم، تجلى بتسرب نسبة منهم من المدارس للاتجاه نحو العمل نتيجة لصعوبة الوضع المعيشي، إضافة إلى امتهان بعضهم التسول أو ارتكاب الجنح بأنواعها، وفي بعض الحالات ارتكابهم سلوكاً غير مقبول مع أقرانهم في المدارس.. نلاحظ وجود انضباط أكثر في مراكز الإيواء بفضل الجهود المبذولة للالتزام بالدراسة، ومبادرات المجتمع الأهلي التي تحفز الطلاب وتوفر الرعاية الصحية لهم وتعالج آثار الحرب النفسية.. هذه كلها وغيرها الكثير من الإيجابيات التي تم إغفال النظر إليها، رغم أهميتها.
وأمام هذا يترتب على الجهات المعنية مسؤولية تكثيف الجهود والخبرات لمعالجة الأضرار النفسية للمقيمين بشكل عام والأطفال بشكل خاص، داخل المراكز، والأهم خارجها، والعمل على علاج مواضع الخلل وبناء جيل سوي يستطيع المساهمة في بناء مستقبل سورية القوي.

 

Exit mobile version