Site icon صحيفة الوطن

«راند»: إستراتيجية واشنطن لهزيمة داعش تحتاج لمراجعة وتنقيح

| عن «مؤسسة راند» الأميركية – ترجمة إبراهيم خلف

انتقد خبراء سياسيون أميركيون إستراتيجية بلادهم في تعاطيها مع تنظيم داعش الإرهابي، معتبرين أنها بحاجة إلى مراجعة وتنقيح بشكل كامل، ومطالبين بمعالجة الأسباب الجذرية للحرب الحاصلة في سورية، وإزالة الظروف التي سمحت لداعش بالظهور ومن ثم الازدهار.
وفي تقرير نشرته «مؤسسة راند» الأميركية، اعتبر الباحثون السياسيون بن كونابل وناتاشا لاندر وكيمبرلي جاكسون أن الإدارة الأميركية تمتلك حالياً أربعة خيارات عامة لهزيمة تنظيم داعش، ويتمثل الخيار الأول في تقديم المساعدة إلى «المعارضة المعتدلة»، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشكيل «حكومة معتدلة شرعية» تلحق الهزيمة بتنظيم داعش، لكن «المعارضة المعتدلة» تبدو ضعيفة للغاية للقيام بذلك، كما أن التدخل الروسي جعل ذلك الأمر مستبعداً أكثر من أي وقت مضى.
ويتمثل الخيار الثاني في «إدخال الحرب في مرحلة جمود عبر تقديم الدعم لـ»المعارضة» على أمل أن يعطيها ذلك الوقت والمجال لبناء قوة قادرة على مواجهة» قوات الجيش العربي السوري، ولكن هذا الخيار يبدو «ضعيفاً لعدم قدرته على إنهاء الحرب، فضلاً عن أن نتائجه بعيدة وغير مضمونة»، في حين أن الخيار الثالث يكمن في «توقف الولايات المتحدة عن معارضتها لنظام (الرئيس) الأسد والتخلي عن «المعارضة المعتدلة» والوقوف إلى جانب روسيا وإيران، لكن هذا الأسلوب لن يؤدي إلا إلى «تدمير مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم وتقوية خصميها (روسيا وإيران) وتفاقم الظروف التي تمهّد الطريق أمام ظهور تنظيم داعش 2».
والخيار الرابع يتمثل في قيام الولايات المتحدة بتجاهل الحرب الدائرة والتركيز على الهزيمة التكتيكية لتنظيم داعش وتقديم الدعم للأكراد وللعرب، وعند الضرورة القيام بإشراك قوات عسكرية أميركية وقوات من التحالف لطرد التنظيم من الرقة وإنهاء قدراته على تنفيذ هجمات إرهابية حول العالم، ولكن هذا الخيار قد يترك فراغاً في الحكم في شرق سورية ويفتح الباب أمام تنظيم جبهة النصرة لاعتلاء قمة هرم الجهادية السلفية، كما أنه لن يؤدي إلى إستراتيجية حقيقية لمواجهة داعش، وستصبح سورية ملاذاً للمجموعات المتطرفة المناهضة للولايات المتحدة.
ويشير الخبراء من خلال مداخلاتهم إلى أن الإستراتيجية الحالية تسعى إلى تحقيق انتصار دائم على تنظيم داعش عبر تشكيل حكومة شرعية وخلق البيئة المعادية للتنظيم وقادته، ولهذا لابد من استمرار العمل العسكري ومواجهة التنظيم بشكل مباشر وزيادة الدعم المقدم إلى «المجموعات المسلحة البديلة»، ولا بد من العمل على تخفيف اللغة العرقية الطائفية وتغيير البيئة الحالية للحيلولة دون استمرار أو عودة ظهور المجموعات المسلحة المتطرفة.
وفيما يتعلق بالرغبة الكردية في إنشاء دولة مستقلة لها في شمال سورية، فهي تتعارض مع فكرة التسوية وبالتالي الاستقرار، الأمر الذي سيخلق توترات بين تركيا والولايات المتحدة، وستضطر الإدارة الأميركية إلى سحب دعمها للأكراد، ولهذا يجب بذل كافة الجهود للإبقاء على الأكراد داخل دولة سورية شرعية على الأقل حتى تستقر سورية بشكل كامل، وفق الخبراء.
وينوّه الخبراء إلى أن شكل الدولة النهائية السورية يجب أن يكون من خلال دولة موحدة قادرة على الدفاع عن حدودها من الغزو الخارجي، فضلاً عن احتفاظها بقدرات استخدام القوة، والعمل على إدخال جميع أفراد المجموعات المسلحة ضمن القوات الأمنية أو التوصل لتسوية معهم أو اعتقالهم أو قتلهم أو تشتيتهم بحيث لا يشكلون تهديداً لشرعية الحكومة، والعمل على عدم وجود مجموعة إرهابية دولية داخل سورية، تشكل تهديداً للدول الأخرى، هذا ويمكن للمواطنين على مختلف انتماءاتهم المشاركة في عملية الحكم عبر الانتخابات وممارسة حرية الرأي إلى جانب حمايتهم من سياسات القمع والتمييز.
وبحسب الخبراء أن تلك الأمور ستتم عبر مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران، بالتزامن مع الضغط العسكري المتواصل ضد تنظيم داعش ليصبح في النهاية تنظيماً غير فعال، وستقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها عبر المفاوضات بوضع دستور جديد وإعادة بناء للوحدة الوطنية، وإقامة مناطق فيدرالية «عند الحاجة» وتوسيع الخدمات وإعادة بناء الثقة، ويؤكد الخبراء على ضرورة قيام الأمم المتحدة بالمساعدة في تشكيل حكومة مؤقتة بدعم من روسيا وإيران والولايات المتحدة، ومن ثم الانتقال إلى حكومة منتخبة، وصولاً إلى تحقيق سيادة سورية كاملة على الدولة الفيدرالية، وبالتوازي مع تلك المراحل، سيتم العمل على هزيمة تنظيم داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى من خلال تصعيد هجمات قوات التحالف الأميركي، وفي حال قيام كل من روسيا والحكومة السورية بخرق حدود المنطقة الآمنة، سيتم في البداية توجيه تحذير، وفي حال الفشل سيتم استخدام القوة، وإن احتمال انجرار الولايات المتحدة وروسيا إلى مواجهة مسلحة هو أمر ضعيف، على الرغم من أن روسيا غالباً ما تهدد بالحرب، إلا أنها لا تعتبر قوة لا تقهر ولا قوة منيعة في حال الضغط عليها سياسياً وعسكرياً.
كما وسيتم استقدام مرشحين من اللاجئين وإعطاؤهم وعوداً بمناصب حكومية وما إلى ذلك، الأمر الذي سيساهم في تخفيف عملية تجنيد ضعاف النفوس، وفي الشمال سيندمج الأكراد والميليشيات العربية الكردية إما داخل جيش وطني أو مع عناصر عسكرية إقليمية تخضع لسيطرة الحكومة المركزية وإشرافها، وفي حال عدم التزامهم، سيتم توقف المساعدات العسكرية، والتي قد يكون لها نتائج على المكاسب التي تم تحقيقها ضد تنظيم داعش أو جبهة النصرة، وستكون تركيا من الموقعين على الاتفاق وستقبل إدخال قوات حماية الشعب الكردية ضمن الأجهزة العسكرية السورية مقابل تخفيف الاستقلال الكردي في الشمال.
ويختتم الخبراء قولهم: إن تلك الإستراتيجية تسعى للوصول إلى أرضية مشتركة تنتهي بالاستقرار عند شعور السكان بالرضا تجاه حكومتهم وعدم رغبتهم في دعم أو تشجيع مجموعات مثل تنظيم «داعش» الإرهابي داخل بلدهم.

 

Exit mobile version