Site icon صحيفة الوطن

تفاؤل وتشاؤم

| إسماعيل مروة

حين قابلت جورج غالاوي قبل أكثر من عشر سنوات، وحاورته تملكني العجب من أمور عديدة، لعلّ أهمها صوابية رؤيته فيما يخص بلداننا العربية وسورية تحديداً، وامتلاكه لرؤى لا نملكها، وربما قابلها أحدنا بشيء من الاستهجان، وأذكر أن عدداً من الذين قرؤوا الحوار يومها رددوا، هل يقول غالاوي ما يقوله حباً بنا أم إنه شخص يشبه غيره، ويعمل وفق منهج محدد له علاقة بما يمكن أن يحققه ويكسبه!
لا يملك أحد جواباً على هذا السؤال المريب المملوء، بالاتهام، ولكن هبْ أنّ ما تحدث عنه كثيرون عن جورج غالاوي صحيح، فما الذي يعنينا إلا كلامه وقوله، وما يقدمه من رؤى لا نعرفها نحن بحكم مواطنته، وموقعه البرلماني؟
إن ملخص ما قاله غالاوي يومها يشير إلى أن الغرب لا يعرف العرب، وإلى أن سورية لدى الغرب لا تختلف عن سواها، فهي لم تسوّق ثقافياً وإعلامياً، وركز على أن الغرب لا يعنيه العرب جملة، وكل ما تعنيه مصالحه، لذلك لن يتوانى عن تدمير المنطقة العربية… هذا الكلام نردده ويردده كثيرون في إعلامنا سواء كان إخبارياً أو تحليلياً، ولكن عندما يقوله غالاوي وهو من ضمن الدائرة السياسية البريطانية، فهو كلام مختلف، سواء كان متعاقداً للحديث أو من دون عقد! وكم من متعاقد يهذر هذراً، ويتحدث بمنامات وأمنيات، ونصفق له ونهلل ونتبنى ما تجود به قريحته، وإن كانت غير قابلة للتحقيق والتحقق ولو بعد مليار سنة ضوئية… الفرق كبير بين ما يقوله رجل مثل غالاوي، ورجال متعاقدون آخرون، ولعلّ أهم ما يميز غالاوي أنه يتحدث بحقائق، ولا يتوقع، بل يتحرك على مسرح واقعي، ويمكن أن يكون عاصفاً وقاسياً..
وقد أحسنت «الميادين» عندما خصصت له لقاء حوارياً، يلتقي فيه بنخب وأناس عاديين، قد يوافقونه، وقد يخالفونه، وقد يخالفون القناة في طروحاتهم، وميزة غالاوي أنه لا ينتمي إلى أحد من المتحاورين، حتى من الناحية العقدية، لذلك نجده يقدم كلاماً قد لا يكون مقبولاً من سواه، أو من أحد منتمٍ، وفي أحد حواراته بلغ غالاوي منتهى الوضوح، وكل حديثه الذي كان ينثال متدفقاً على لسانه يتلخص في المثل العربي «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، وقول المتنبي «ولست بقانع من كل فضل بأن أعزى إلى جد همام» وفي ردّه كان منفعلاً كما لم أره في مرة أخرى حتى عندما كان متهماً في بريطانيا ذات يوم عراقي، فردّ على سائلته: يكفي الحديث عن أمريكا وروسيا وأوربا وإيران وتركيا، ما من أحد يريد للأمة العربية النهوض، الحل في الأمة ذاتها، هل تريد أن تنهض أم لا تريد؟ واليوم أكثر من أي يوم مضى نعوّل على الآخر أو نشتم الآخر، والمشكلة فينا، فهل نريد أن ننهض ونتوحد أم لا نريد؟ تحدث عن الأمة التي تعدّ مئات الملايين، تتحدث لغة واحدة، تعبد رباً واحداً، اتحاد مصالحها يجعلها عظمى، فهل تريد؟ سيخرج من يقول للسيد غالاوي إن بضعة ملايين لا يتحدثون اللغة، وبعض ملايين لا يعبدون الرب نفسه! يترك كل نقاط الالتقاء والاتفاق ليتناول نقاطاً خلافية، فيهمل الجوهر الذي نجتمع عليه، لصالح الهامشي الذي يفرّق، واستعماله لتعبير يعبدون رباً واحداً أكثر من ذكي، فقد خرج من إطار الشرائع المتعددة والمذاهب والطوائف… كلنا سنواجه السيد غالاوي بضيق معرفته، ويخرج أحدهم من زاروب ليقول له: إما نحن أو فلا! وعندها قد يدرك غالاوي أن الخلاف يتمحور في التفكير، فهو يطلب منا ما يفعله هو الحرّ، ولو بعقد، أما نحن فلسنا أحراراً، فنحن قوميون ومذهبيون وطائفيون ومناطقيون وعشائريون، وإن لم نعرف عن أي منها أي معلومة! نحن نحصل على أعلى الشهادات العلمية، وننحني لتقبيل يد لا تعرف شيئاً لنكتسب منها شرعية وجودنا وشهاداتنا، فنخسر كل العمر الذي أضعناه في تحصيل المعرفة..! لا تتعب نفسك سيد غالاوي فنحن نحتمي بكل انتماءاتنا الضيقة لنحصل على منافع لا لنكون، وعلى أقل تقدير نحن لا نملك مؤهلات أن يتعاقد معنا الآخر!!

Exit mobile version