Site icon صحيفة الوطن

أنا اليوم أمدّ يدي لمن شرّدني وأخذ بيتي وقتل أخي .. شريفي لـ«الوطن»: لم أكن أعرف أن قلبي ما زال ينبض

| سارة سلامة

بجرأة وواقعية دخل عالم الأدب والكلمة ليختزل سنوات مضت أضناه فيها العمل بمهنة يبدو أنها لم تعد تستهويه فترك عمله كمحامٍ، والتجأ إلى شاطئ يسكنه يروي فيه كل ما تختلج إليه نفسه، فكانت الكتابة التي أعطته تلك المساحة من الانطلاق والحرية، ليطوف بنا في خياله الواسع نتلمس عمق إحساسه وروحه العطشى التواقة للكتابة!
عادل أحمد شريفي كاتب وشاعر وروائي، له عدة روايات قيمة ومجموعات قصصية ودواوين منها «الحب في زمن الثورة»، و«هكذا تكلمت ناهد».
فما السرّ الذي يدفع بمحامٍ ليغير مسار قضاياه، ويجعل قضيته الأولى هي الكتابة!، ربما هي قدرة الكاتب على خلق عالمه الخاص والتضحية في سبيل نهمه على الشروع بروايته باحثاً في أهوائها وغائصاً في عوالمها عشقاً وحباً واكتشافاً، مستحضراً للواقع بصورة جميلة ومحسوسة، ليكون قريباً من كل شخص فينا.

من محام سابق ومستشار قانوني إلى العمل في مجال التأمين، نراك اليوم تدخل عالم الكتابة هل تتحدث لنا عن تجربتك؟
تاريخياً فإن عدداً لا بأس به من العاملين في الشأن القانوني كانوا كتاباً، وذلك بسبب اضطلاعهم بأصول الصياغة القانونية التي تفتح لديهم آفاقاً في فهم النص وترجمة ما يجول في خواطرهم على الورق، إضافة إلى ولهي الشديد بالمطالعة منذ أن كنت طفلاً، وربما كان للمكتبة الفنية والموسيقية التي اشتهر بها المرحوم والدي وتشجيعه لي للنهل منها فضل كبير، حيث كان يجمع أنفس الموسوعات الموسيقية في المنطقة العربية، هذا إضافة إلى الصالون الأدبي الذي كان يعقد في منزلنا، كل ذلك حفزني وأثار في نفسي الشغف للكتابة منذ زمنٍ بعيدٍ، ومن بعدها تحولت محاولاتي الفتية الخجولة إلى تجربة قائمة بحد ذاتها، وامتلكت بموجبها حتّى الآن العديد من المؤلفات والروايات المشهورة في الوطن العربي كرواية «حب في زمن الثورة»، ورواية «هكذا تكلمت ناهد».

هل يعود الفضل للأزمة في دغدغة مشاعرك وإيقاظ روح الكاتب فيك؟
لا شك أن الأزمة كانت بمنزلة حافز شعوري إضافي يدفعني للكتابة، وذلك لأنني ابن هذا المجتمع المأزوم، وليس من المفترض أن أنفصل عنه، والجدير بالكاتب أن يكون لديه حساسية عالية بالمحيط الذي يعيش فيه، وأن يترجم هذه الحساسية إلى أعمال إبداعية.

نرى في روايتك «حب في زمن الثورة» ربطاً كبيراً مع الأحداث التي نعيشها، إلى أي مدى تحاول توثيق الواقع من خلال روايتك؟
حاولت أن أبين من خلال الرواية وأقارن مقارنة مقصودة بين ثورة الثامن من آذار التي بنت دولة وبين حركة رعاع!، هدّمت كلّ شيء، ودمرت كل ما أمامها من الأخضر واليابس، في بلد كان ينعم بالأمن والسلام لأكثر من ستين عاماً، لذلك أقول: إن التوثيق الأدبي هو مسؤولية تقع على عاتق الكتّاب، فإن لم يكن الكاتب بقلمه شاهداً على العصر فما حاجة المجتمع به؟ فمن غير المعقول أن يكون أدب الرّخاء مشابهاً لأدب الأزمة.

كيف تنظر إلى مستوى القصة القصيرة في سورية؟ وهل كتّابها يأخذون حقهم كما يجب؟
لا خوف على القصة القصيرة في سورية فهي متميزة دوماً بفضل كتّابها المتميزين، وسورية بلد ولادة للأدب والفكر والثقافة، إنما أوجه اللوم للهيئات المشرفة على الشأن الثقافي في سورية بعدم اضطلاعها لدورها كما يجب، من خلال دعم وتشجيع الكتاب والروائيين الصاعدين، وأيضاً المسألة المعيبة هي تفشي الشللية! المقيتة، ولجان التقييم القديمة التي فات عليها الزمن ولم تتطور أبداً وهي بالأساس تنظر بعين العداوة للأجيال الصّاعدة.

لماذا اتجهت للرواية التي تتطلب من الكاتب وقتاً طويلاً؟
لا شك أن الرواية هي من أصعب الفنون الأدبية، وأنا أرى لذة حقيقية في كتابتها، طبعاً الموضوع هو الذي يفرض اللون الأدبي على الكاتب، فإذا كانت القصة تحتمل العديد من الشخصيات المتفاعلة ضمن فضاء واسع من الأحداث، فالرواية هي القالب المناسب لتصوير أحداثها.

ماذا عن شخصيات روايتك.. هل هي مأخوذة من الواقع؟
كل ما أكتبه واقعي، وشخصياتي هي من النوع الشائع الذي يتعامل ويتفاعل معها الجميع، وهذا ما يجعلها قريبة جداً من القارئ، وهناك العديد من الآراء التي تسعدني بقولها: إن الشخصية «تتحدث عن قصتي!».

مَن مِن كتاب القصة القصيرة يثير إعجابك عربياً وعالمياً؟
عربياً فإنني أستمتع بروايات الكبير حيدر حيدر، والطيب صالح، وأدهم الشرقاوي، وحنا مينه، وزكريا تامر، وإحسان عبد القدوس، أما عالمياً فألبير كامو وكازنتراكيس وليو توليستوي وأرنست همينغواي وماركيز.

لديك رومانسية وغزل كبير يجعلانك تتقاطع مع الشاعر الكبير نزار قباني حسب الكثيرين ما تعليقك؟
بلا شك أنا متيم بأسلوب الراحل نزار قباني الشعري، وأحاول دائماً أن أصيغ أسلوباً يشابهه، وهذا أمر يسعدني جداً وأتمنى أن أنجح في ذلك، وهذه إضاءة بسيطة على أسلوبي الرومانسي في قصيدة بعنوان «نشيد الروح» من ديوان صرخة مجدلية، حيث كتبت:
لم أكُنْ أعرفُ أن قلبي مازالَ ينبضُ، إلا حينما كُنتِ، عندها سمعتُ إيقاعَ «التانغو!» يعزفُ في وريدْي..
رغمَ أَنّي نسيتُ الرَّقصَ منْذُ زمنٍ بعيدِ.
ما كُنتُ أَعرفُ أن قُبلةً سرقناها في عتمةِ العُمرِ يمكنُ أن تفتحَ لي باباً على الرِّيحْ! أغلقتُهُ من سنين، كي أستريحْ.

تطرقت في روايتك لقضايا كثيرة منها الفساد.. هل تعتقد أن ذلك يكفي لمحاربة هذه المعضلة؟
لا أظن أن الكاتب وحده قادر على تغيير المجتمع بأكمله، إذا لم يبادر المجتمع بحد ذاته إلى تغيير المفاهيم الخاطئة السائدة، لذلك يجب علينا جميعاً أن نضطلع بدورنا، كل واحد من مكانه لتعرية هذه الظاهرة ووضعها تحت مجهر التركيز.

تدعو دائماً إلى السلام والحب، محارباً التعصب والطائفية، هل تطمح بتأسيس مدينة أفلاطونية من خلال كتاباتك؟
كتاباتي تنضح بما في قلبي، ربما أطمح لذلك كما تقولين، ولكن السؤال هو هل سأنجح في ذلك؟ وأنا اليوم أبدأ بنفسي طارحاً كل تفكير بالانتقام ممن شردني أنا وأسرتي واستولى على بيتي وقتل أخي، مادّاً يدي بالسلام على الآخر الذي لطالما خالفني التوجه، عسى أن يكون هذا دافعاً للآخرين لمقابلة هذا السلوك بمثله.

تحدث لنا عن جديدك وخاصة أنك وقعت رواية جديدة بعنوان: «هكذا تكلمت ناهد»؟
هي رواية جريئة جداً صدرت في بيروت عن دار الغد العربي، تتحدث عن التجارب الجنسية لصبية استطاعت أن تبادل جسدها بالحكمة من خلال علاقاتها برجال مميزين على جميع الصعد، وكيف استطاعت ناهد تحقيق نجاحات عديدة في حياتها قد ترغب الكثيرات في تحقيقها، رواية تعري النفاق في المجتمع، وكيف أن الجميع يطمح لناهد في الفراش لكنهم ينكرونها في الواقع، إلى أن فرضت نفسها على الجميع من خلال ما حققته في المجتمع فتناسى الجميع ماضيها تماماً كالعادة.

ما الرسالة التي تحاول وتريد تقديمها من خلال كتاباتك؟
أحاول ما استطعت أن أقدم كل ما هو إنساني، وشاعري، مع الحفاظ على أن أكون أنا بكل ما أكتب.

إلى أي مستقبل ينظر عادل شريفي؟
أطمح دائماً كغيري من الذين يعملون في المجال نفسه لأحقق النجاح ساعياً له بشكل دؤوب، واليوم أرى أني أحرقت العديد من المراحل وأصبو للمزيد منها.

Exit mobile version