Site icon صحيفة الوطن

اختبار «التشاركية» خطوات لا بد منها

| د. رشا سيروب

في ظل الظروف الراهنة لن يكون القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي مستعداً للاستثمار في البنية التحتية، لذا قد تلجأ الحكومة إلى تقديم دعم معين لتعزيز جذب الاستثمار الخاص في هذه المشروعات، فقد يكون في شكل ضمانات مالية أو قروض من القطاع العام، أو ضمانات سيادية، أو إعفاءات ضريبية وجمركية، أو حماية من المنافسة أو إعانات لاستكمال العائد على المشروع أو أشكال مختلفة من الدعم… إلا أن أي قرار دعم يجب أن يستند إلى القيمة الاقتصادية والاجتماعية للمشروع ويجب ألا يؤدي مستوى ونمط الدعم المقدم للمشروع إلى تحمل الدولة مسؤوليات غير محدودة فضلاً عن أن الإفراط في تقديم الدعم قد يحول دون قدرة الدولة على تقديم ضمانات لمشروعات أخرى قد تكون على جانب أكبر من الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
لذا ينبغي على الجهات العامة أن تجيد تنفيذ الإجراءات التي تتيح شراكات ناجحة، وقبل اتخاذ القرار بتنفيذ المشروع على أساس تشاركي يجب أن يكون هذا القرار قراراً واضحاً من قبل الحكومة، وهو ما يمكن تحقيقه على مرحلتين:
1- المرحلة الأولى «مرحلة الإعداد المبدئي للمشروع» يتعلق بمدى جدارة المشروع بناءً على التخطيط الاستثماري السليم وإجراءات تقييم المشروعات «على سبيل المثال استخدام تحليل التكلفة والعائد» ومن ثم ترتيب كل المشروعات حسب عائداتها «الاقتصادية أو الاجتماعية» وحسب أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2- المرحلة الثانية «مرحلة إقرار المشروع» تتعلق بنوعية التعاقد، بمعنى تحديد أي المشروعات التي يمكن أن تقوم بها الجهة العامة وأي المشروعات يمكن طرحها على أساس التشاركية، ولبلوغ هذه الغاية يمكن استخدام «مقارن القطاع العام» الذي يعتبر أحد أهم أدوات القياس الكمية التي يمكن أن تحدد ما هو أفضل عطاء مقدم من القطاع الخاص لإبرام عقد الشراكة وبالتالي أي المشروعات سيحقق أقل كلفة وأعلى مردودية ممكنة.
وقد تستغرق الموافقة على فكرة المشروع عدة أشهر من الإعداد الدقيقة والدراسة التفصيلية له من خلال مراجعة النقاط التالية: «الحاجة إلى الاستثمار المقترح وطبيعته، بدائل الاستثمار المتاحة وسبب اقتراح خيار الشراكة، المخاطر والآثار المتعلقة بالمشروع وانعكاسها على الأمن القومي، التكلفة السنوية مع الأخذ بالحسبان القدرة على تحمل العبء المالي، مدة المشروع». هذه النقاط يجب ألا تغيب عن ذهن الجهات العامة والحكومة عند طرح أي مشروع على أساس تشاركي.
رغم أن هناك العديد من المشروعات التي نُفذت على أساس تشاركي قبل صدور قانون التشاركية «إدارة محطة الحاويات في مرفأ طرطوس عام 2006، إدارة محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية عام 2009، شركات الاتصال الخلوية عام 2004»، وعلى الرغم من تسارع وتهافت الجهات والمؤسسات العامة لاقتراح مشروعات كي تنفذ على أساس تشاركي «عرض استثمار قطعة أرض مجهزة بالبنية التحتية ضمن معمل سجاد حلب الذي طرحته الشركة العامة لصناعة الصوف والسجاد»، إلا أن أي جهة لم تذكر مبررات اللجوء إلى التشاركية لتنفيذ المشروع، ولماذا تم اقتراح هذا المشروع من دون غيره؟ وما الدراسة التي قامت بها التي تؤكد جدوى هذا الاقتراح؟ وعلى أي أساس تم اختيار هذا الشريك من دون غيره؟ وما المزايا الإضافية التي يمكن أن يحصل عليها الاقتصاد الكلي إذا ما نُفذ المشروع على أساس تشاركي بدلاً من أن تقوم به الدولة؟
العديد من الأسئلة التي يجب طرحها والإجابة عليها قبل التفكير باقتراح مشروع ما على أساس تشاركي، على سبيل المثال: ما هو الهيكل التمويلي الأمثل للمشروع؟ هل سيمول القطاع الخاص المشروع من موارده الذاتية أم إن جزءاً منها سيكون عن طريق القروض؟ هل سيحصل المشروع على القروض من الأجهزة المصرفية المحلية أم الأجنبية؟ ما الضمانات التي تقبل بها الأجهزة المصرفية والمالية لتمويل المشروع؟ وفي حال كان أحد الشركاء أجنبياً كيف سيتم تحويل أرباحه إلى الخارج بالقطع الأجنبي علماً أن سعر الخدمة يسدد بالعمل المحلية؟ وما مدى انعكاس ذلك على ميزان المدفوعات على الأمد الطويل؟ وتعد هذه الاستفسارات من أبسط الاستفسارات لأنها ترتبط بالبعد المادي والمالي فقط لتقديم الخدمة، لكن عندما يتعلق الموضوع بالبعد الاجتماعي يصبح الأمر أكثر تعقيداً، كالعلاقة مع المستهلك وقدرة مختلف الشرائح الاجتماعية على تحمل العبء المالي للتعرفة الجديدة، وجودة الخدمة ونوعيتها وغيرها من القضايا السياسية التي تمس الحياة الاجتماعية.
لذلك يجب أن تكون القرارات مدروسة بعناية في إطار من الشفافية والوضوح، فالتشاركية عملية معقدة من العلاقات والتشابكات، إضافة إلى حاجتها لرؤوس أموال ضخمة ومستوى تكنولوجي عالٍ واستغراقها مدة زمنية طويلة نسبياً لتحضير العقود، فهي أيضاً تحتاج إلى خبراء من شتى الاختصاصات: خبرات من أجل تقييم المشروع على مستوى الاقتصاد الكلي وهل سيؤدي الغرض الاقتصادي والاجتماعي، ومحللين ماليين من أجل اختبار أثر التكاليف وتحديد التعريفات، ومحامين وقانونيين لتحليل الإطار التشريعي ووضع التعديلات في حال لزم الأمر إذ لا يمكن للتشاركية أن تخضع لنموذج تعاقدي وحيد نظراً لطبيعتها المعقدة بل ينبغي أن تتكيف مع كل حالة فلكل قطاع سماته الخاصة ولكل مشروع مقتضياته وطلباته الخاصة، ومهندسون وفنيون لتحديد التقنيات والتكنولوجيا الواجب استخدامها، وفريق من العلاقات العامة من أجل إعلام الرأي العام حول مبررات التشاركية، وغيرهم ممن يتمتعون بالخبرات والمؤهلات الإدارية والاجتماعية والسياسية المختلفة، لذلك فإن نجاح الشراكة غير محتم وهو منوط بدرجة التزام الشركاء وبجوهر ونوعية المشروع ومدى نجاعة المشروع الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية والتشغيلية.
عضو الجمعية السورية للعلوم الاقتصادية

Exit mobile version