Site icon صحيفة الوطن

ليتك ترضى!

| عبد الفتاح العوض 

فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
عرفنا هذه الأبيات لأبي فراس الحمداني.. وثمة كثيرون يقولون إنها لرابعة العدوية.. والفارق كبير.. رابعة العدوية تخاطب الله.. وأبو فراس يخاطب أميره وابن عمه سيف الدولة الحمداني.
إذا كان أبو فراس استعار الأبيات من رابعة العدوية فهو بشكل أو بآخر نقل في الوقت ذاته سيف الدولة من مرتبة بشرية إلى مرتبة أعلى من البشر.
لست في وارد الحديث عن أبيات الشعر بحد ذاتها ولا عن قصة القصة، بل عن محاولة إرضاء شخص واحد من الكثيرين الذين يكونون حولك، أو تبني فكرة واحدة من كل الأفكار التي تدور حولك.
هل إرضاء شخص واحد أو جهة واحدة أو مرجعية واحدة هي جزء من العقل العربي؟
دعونا نتحدث الآن عن الحالة الواقعية المتمثلة في سلوكنا في الوقت الحالي.
لا حظوا معي أن معظم الأشخاص لديهم توجه يكاد يكون فطرياً لإرضاء شخص واحد.
في كل المؤسسات بما فيها الأسرة يتم العمل على محورية «شخص» يتحول بشكل أو بآخر إلى «إله صغير» يتم التعامل معه بلسان «وليتك ترضى والأنام غضاب»!.
ولي النعمة الذي إن رضي عنك أزهرت الدنيا ربيعاً.. وإن غضب منك فحضر نفسك لأعاصير الغضب وبرد العراء.
في قراءة فكرية لهذا السلوك فإننا نتحدث عن الأسباب ونصل فيما بعد إلى النتائج.
في الأديان القديمة- دعنا نسمها حضارات قديمة- كانت هناك مجموعة من الآلهة.. وغالباً ما يقوم البشر بمحاولة إرضاء جميع الآلهة.. حسب قوة الإله وجبروته وقدرته على النفع أو قدرته على العقاب.
ثم جاءت أديان التوحيد فأصبح البشر أكثر اهتماماً بإرضاء إله واحد.
في بناء العقل العربي ثمة مشكلة لها علاقة بأننا عقل «إحلالي» وليس عقلاً «تراكمياً».
بمعنى آخر.. شخص يحل محل شخص آخر.. على حين يبنى العقل التراكمي على ما سبق وليس هدم السابق و«إحلال» بناء جديد مكانه… في هذه الحالة يتم إلغاء ما سبق أو من حول البناء الأكبر ليتم كل الاهتمام بما هو قائم حالياً.
لعلنا ندرك هذه المشكلة من خلال سلوك المسؤولين في بلادنا.. فكل منهم يعتقد أنه يجب أن يبدأ من الصفر أو من تحت الصفر على اعتبار ما جرى مع «سلفه» كان مجرد أخطاء ينبغي التخلص منها.
وهنا يبدأ العمل على شعار: «وليتك ترضى والأنام غضاب» يصبح من حوله أو من دونه بتعبير أدق مضطرين للعمل على «إرضاء» الإله الصغير!.
الآن ونحن في هذه الكارثة السورية الطويلة.. وجدنا كيف أن كل فئة تتخذ مرجعاً لها وتحاول إرضاءه.. بل تجتهد في إرضائه.. ولعل الشخصيات السورية التي اتخذت المعارضة مهنة لها فعلت كل شيء لإرضاء الدول التي تدعمها ولم تسع لإرضاء ضميرها ولا شعبها ولا وطنها.
اليوم في الخلاف الخليجي لاحظوا معي أن المعارضين السوريين اتخذوا مواقف من الأزمة الخليجية كل حسب البلد الذي يعيش فيه.. وهذه من أخطر الظواهر التي يمكن مناقشتها بعقل بارد… كيف يتبنى المستأجر بيتاً في قطر موقف قطر والمستأجر غرفة في السعودية موقف السعودية، على حين خانوا وهدموا البيت السوري وهم أهله ومالكوه.
إذا كان من أحد يستحق إرضاءه بلا تحفظ هو سورية.

أقوال:
تقبَّل الهزيمة كأنها شيء تحبه، والنصر كأنه شيء ألفته.
الناس يحبون الضعفاء لكنهم يتبعون الأقوياء.

Exit mobile version