Site icon صحيفة الوطن

اجتهدت بتقديم المؤلفات لأن المكتبة العربية والأجنبية تفتقر إلى مقومات الفن العربي … د. بهنسي لـ«الوطن»: سعيد لأنني قدمت ما قدمته لسورية الوطن والمعرفة لا تخص الجغرافيا وإنما الإنسان

سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

الأصل دمشقي متجذر نحو ألف عام من التاريخ، سحر شآمه استحوذه، لهذا استوطن في روضتها، لأن الفيحاء في قلبه وفكره هي جنة على الأرض، عشقه للعلم جعله إنسانا مسرفا في العطاء. في البدء كان تلميذا للحضارة السورية المنتمية إلى حضارة طورت الإنسان وهي تنطق بحرف الضاد، ثم أصبح شاهدا عليها، ثم فاعلا في ركائزها التي طورت الحياة. إنه الدكتور عفيف بهنسي، رغم التطور الشاقولي المتسارع للحضارة العربية، كان هو أيضاً متسارعا في العلم والبحث، فشهادته محقة لأنه أبى أن يكتب حتى ولو كلمة واحدة من مصدر، بل بحث واكتشف ونبش في عمق العلوم بهمة عالية، وهدف كبير، وشعور بالمسؤولية.
الوطن التقت بالباحث والمؤرخ السوري الدكتور عفيف بهنسي الذي تحدث في حواره عن أهمية مؤلفاته التي ستبقى وتنير عقول كل من ينشد البحث والعلم، متوقفا عند نقاط متنوعة وكثيرة في حياته وفي مؤلفاته وفي علومه… وإليكم الحوار:

العطاء لا يمكن أن ينبض، ومهما تتالت عليه السنون فهو باق وهو صفة منسوبة إليك.. حدثنا عن طلبك للعلم والمعرفة وعن أبحاثك التي أنارت طريق أجيال عبر مسيرتك وهي مستمرة إلى ما بعد هذا الحين بكثير؟
في جميع المصادر التي نشرتها حتى الآن، أعرض للتجربة التي امتدت حتى اليوم تسعين عاماً منذ ولادتي في هذه المنطقة منطقة الروضة في دمشق إلى اللحظة التي سأغادر فيها ولكنني واثق من أنني لن أغادر، أنا قلت دائماً إن الإنسان الذي يعطي يبقى عطاؤه قائما، أما الإنسان فهو زائل بطبيعته، ومع ذلك أنا سعيد أن هذا العمر الذي قضيته لم يكن هباء، وقدمت فيه ما أستطيع أن أقدمه لسورية الوطن، وليس لهذا الوطن فقط لأن المعرفة لا تخص الجغرافيا وإنما تخص الإنسان. هذه المنطقة التي تربيت بها، تطورت بعد الحرب العالمية الثانية لتكون أحياء، وتطورت أيضاً من الناحية العمرانية ومن الناحية السكانية، وكنت أنا فردا من عائلة عاشت زمنا طويلا في دمشق، واستطعت أن أتقصى حياة أسرتي، التي كانت تعيش هنا من ألف عام على هذه الأرض بشكل خاص، لذلك أنا متمسك بهذه الأرض ومتمسك بهذا الحي، لا أريد أن يفهم القارئ أو الصديق أنني عزلت كل ما يحيط هذه المنطقة من جغرافيا أو تاريخ، فالوطن لا حدود، لأن الحدود السياسية متبدلة أما الوطن لا يتبدل.

مع تطور الحضارة المتسارع كيف كان تفاعلك؟
أنا وطني هو الأرض العربية كلها وحيثما كانت هناك لغة عربية كانت أمة عربية وكانت حضارة عربية، وكنت أنا تلميذا لهذه الحضارة، ثم شاهدا على تطورها، ثم فاعلا في الكثير من ركائزها، التي تطورت مع تقدم الحياة المتطورة بشكل شاقولي، بعكس السابق حيث كانت تتطور الحياة بشكل أفقي أما في الوقت الحالي فهي تتطور بشكل شاقولي بسبب التكنولوجيا وتزايد السكان وحاجاتهم وحتى الحاجات الثقافية، أنا كنت شاهدا على هذا التطور السريع ومن حسن حظي أنني كنت متسارعا مع هذا التطور ومتماشيا معه.

في محطات حياتك الوظيفية… لم تتعامل مع عملك على أنه مهنة، بل كانت الوظيفة لك محطة عبور نحو الحضارة وما تكتنزه من أسرار.. حدثنا عما أضافته إليك في مسيرتك المعرفية العلمية؟.
لا أريد أن أتحدث عن يومياتي بقدر ما أريد أن أتحدث عن اللحظات التي كنت فيها أسجل إنجازات تمت في نطاق عملي الذي أحببته دائما، قلت دائماً الإنسان يستطيع أن ينجح، عندما يختار العمل الذي يحبه وعندما يختار المهنة التي يحبها والتي يستطيع أن يبدع فيها، عملي الوظيفي، أنا لم يكن عملي الوظيفي مهنة، بل كان مسؤولية وكان رسالة وكان مشروعا. وضعت في البداية لنفسي مشروعاً، هذا المشروع يتضمن أولا التعريف بهذه الأمة وبدورها الحضاري، لأن هذه الأمة هي ابتدأت التاريخ، قلت قبل لحظات إنني سعيد في عملي، فعملي في مديرية الآثار والمتاحف عرفني تماما أن هذه الأرض كانت موجودة منذ بداية التاريخ، وأن هذه اللغة كانت موجودة منذ بداية التاريخ، وما زال الناس حتى الآن يعتقدون أن الكلام عن العروبة يعني الكلام عن العصبية، وأنا لا أريد أن أتكلم عن العصبية بل أريد التكلم عن أن هذه العروبة، هي لغة، وشاهدي في ذلك المصنفات والكتابات والنقائش، فكل ما يمكن أن يسمى كتابة كان هو بداية اللغة العربية، المعاجم المقارنة بينت أن اللغات القديمة لم تكن لغات بقدر ما كانت لهجات وأن اللغة العربية هي كمال هذه اللهجات، إذاً عندما أتحدث عن العروبة لا أتحدث عن عصبية بل أتحدث عن لغة، والأرض العربية هي الأرض التي يتكلم فيها الناس اللغة العربية، وخارج هذه الأرض يوجد إسلام ويوجد عصبيات أخرى وقوميات أخرى ولكن أيضاً يوجد وطن. يحز في قلبي أننا حتى الآن لم نستطع أن نحقق ما تتطلبه هذه اللغة من وحدة، ليست اللغة العربية وحدها كافية ولكنها الدافع وهي الأساس الذي يدفعنا كي نحقق وحدة حقيقية، وحدة اقتصادية، وحدة ثقافية، وحدة سياسية، لأن عناصر الوحدة موجودة، هناك من يرون أننا نتحدث عن عصبية ويقولون: نحن لسنا عرباً نحن فينيقيون، هذا كلام غير علمي، نعم لقد كانت الفينيقية مرحلة من مراحل تطور التاريخ، واللغة الفينينقية هي لهجة من لهجات اللغة العربية القديمة، أنا أناشد مجمع اللغة العربية دائماً أن يهتم دائماً بهذا الموضوع، ذلك لأننا نريد أن نؤكد للعالم أن العروبة ليست عبارة عن موقف بل العروبة هي أصالة.

علم جمال الفن العربي وفلسفته، الفن الإسلامي المتجذر في الحضارة العربية الذي نشّط الحركة الفنية العربية، إضافة إلى التراث الإنساني، كلّها فنون احتوتها الحضارة بمراحلها واستهوتك خلال مشاريع بحوثك؟
صحيح، والمشروع الآخر الذي أريد أن أتحدث عنه فيما يتعلق بالفن الذي استهواني، كفن وجدت الفن العربي والإسلامي، وجدته فنا قائما بحد ذاته ويعتمد على جمالية معينة، وقلت إنه يوجد ما يسمى علم الجمال، ووجدت أنه لابد عندما كنت في السوربون أن أبحث في هذا الموضوع بعلم فلسفة الجمال العربي، ووصلت إلى مدى ذي أهمية بالغة في هذا الموضوع، وبينت أن هذا الفن لم يكن زخرفة ولم يكن عمارة، ولم يكن لعباً ولم يكن تعبيراً عن الجمال، بل كان إبداعاً، إبداعاً لصيغ ليس بالضرورة أن تكون مشخصة بل يمكن أن تكون مطلقة، لأننا نحن نؤمن بالأفكار المطلقة أكثر مما نؤمن بالأفكار النسبية، فالنسبي قابل بأن يصل إلى حد يصل فيه جامدا، على حين المطلق يبقى مستمرا، تحدثت في ذلك وأعتقد أنني وصلت إلى حدود يستطيع غيري أن يتابعها، كي نصل معاً إلى ما يمكن أن نسميه فلسفة الجمال العربي، لذلك اجتهدت بأن أقدم عدداً من المؤلفات لأن المكتبة العربية وحتى الأجنبية ما زالت تفتقر إلى مقومات الفن العربي، قلت إنني قدمت ما قدمته لهذا الإنسان العربي لكي يعرف إلى أي مدى هو راسخ في التاريخ، وهو ضالع في تقديم كل أوراق ووسائل الحضارة، ولكن اليوم أنا أردت أن أبين للعالم أن هناك جماليات، هناك جماليات غربية وجماليات هندية وأخرى إفريقية وغيرها من الجماليات، وعندما نتحدث عن الفن الإسلامي، نقول إنه مرحلة من مراحل تطور الفن العربي، لأن الفن ما قبل الإسلام كان أيضاً عربيا، وبعد الإسلام كان أيضاً عربيا، ولكن أعترف بأنه في الفترة الإسلامية نشط وازدهر، وأصبح له مكانة مع العمارة والمخطوطات، والخط العربي هذا الأخير الذي هو عبقرية إبداعية تشكيلية، له أهمية لا نراها في الخطوط الأخرى، لذلك اجتهدت أن أقدم ما يسمى علم جمال الخط العربي، علم جمال العمارة العربية، علم جمال الصورة العربية، كان ذلك من خلال الكتب، وليس من خلال مقالات، وهذا الكتاب تطور ونما وأصبح مجموعة كتب. ليس بين كتبي إلا ما هو تأسيسي في الفكر القومي من جهة، والفكر الجمالي من جهة ثانية، أنا أعتز ببلدي أولا أبدأ بعائلتي قلت إنني أنا إنسان أعيش قبل ألف عام، وإنني من الإشراف وإلى ما هنالك، ثم ابتدأت ببلدي دمشق، وكتبت عن دمشق، وهو كتاب مازلت أعتز به، هذه الفيحاء، هي الجنة التي نعيش عليها الآن، عمرانيا، والكتاب طُبع عدة مرات عن دار الفكر وأنا أعتز بهذا الكتاب، وسابقا كلفتني اليونسكو أن أؤلف كتابا عن دمشق وصدر في تونس، وتُرجم إلى الفرنسية والإنكليزية. انتقلت أكثر من ذلك إلى اللجوء إلى الموسوعات، أنا أعتز بموسوعة سورية تاريخ الحضارة، عندما أردت وأنا مسؤول بالآثار والمتاحف، كنت أعرف أن هناك أكثر من خمسة آلاف موقع أثري، وهناك مدن وعمارات ومنشآت وهناك دراسات كنت اطلعت عليها، فقلت لابد أن أكتب عن تاريخ سورية، وطلبت من علماء الآثار الذين يعملون في سورية ومن علماء أجانب المساعدة، واستطاعوا أن يعرفوا جيدا تاريخ هذه المنطقة وحضارتها وبالوقت نفسه طلبت من أساتذة التاريخ واجتمعنا عدة اجتماعات، وطلبت من الأساتذة أن يكتبوا تاريخ سورية بدءا من العصر الإسلامي، وطلبت من علماء الآثار الأجانب، أن يتحدثوا عن تاريخ سورية من بداية التاريخ إلى العصر الإسلامي، والأجانب لبوا النداء لأن كل واحد منهم شارك لفترات طويلة في عمليات الكشف والتنقيب واستطاع أن يعرف جيداً هذه المراحل السابقة، أما بالنسبة إلى جامعة دمشق فإنها مازالت حتى اليوم تبحث في هذا الموضوع، ولحسن الحظ إن الدولة أرادت فجأة أن تسد هذا النقص برعاية الوزير قاسم مقداد الذي استلم وزارة السياحة، وقال إن في سورية في وزارة السياحة ليس هناك من مرجع أساسي، وطلب مني أن أتابع أنا هذا الموضوع، طبعا رحبت بهذه الفكرة، وقلت له بالفعل إن هذا المشروع هو مشروعي، وبدأنا بهذا المشروع وأنا سعيد بأنني أكملته على أكمل وجه، وروعي فيه الطباعة الجيدة، وكان قسّم إلى ثمانية مجلدات، كل مجلد مخصص لمنطقة من مناطق سورية. إذاً أنا سعيد لأنني غطيت في صفحات لا حدّ لها وبكلمات أنا فيها شاهد ومسؤول عما قلته فيها، سواء كان في مجال الجغرافيا أم التاريخ أو الآثار أو الفن، ومن خلال عدد ضخم من الصور، طبعا صدر هذا الكتاب الذي أصبح سندا لكل إنسان يريد أن يعرف أو يعرّف عن سورية حضارة وتاريخا. أيضاً كلفتني المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم أن أقوم بتأليف كتاب جامع بالتراث الأثري، ووجدت أن هذا التراث موجود على الأرض الإسلامية كلها وخارج هذه الأرض الإسلامية، وأن هذا التراث يتمتع بشيء أساسي، هو الوحدة والتنوع، فهو واحد من حيث الهوية والجمالية، وهو متنوع من حيث الوظيفة ومن حيث الشكل، وقدمت هذه الموسوعة في مجلدين ضخمين، تحت عنوان موسوعة التراث المعماري.

لم تكتف بالبحث عن جمالية الفن العربي والخط العربي بل سعيت جادا إلى وضع مصطلحات عربية لمصطلحات أجنبية من خلال المعاجم التي قمت بوضعها وصدر منها واحد من مجمع اللغة العربية؟
قدمت عدداً من المعاجم التي كانت بداية تحركي، فمنذ عام 1970 كلّفني مجمع اللغة العربية بدمشق، بتقديم معجم مصطلحات الفن ثلاثي اللغات، وكان هذا المعجم هو فاتحة لمعاجم صدرت في مكتبة لبنان باللغة الفرنسية والإنكليزية، هذه المكتبة مهتمة جداً وكانت أصدرت أكثر من ألف معجم، الشيء الجديد الذي كلفت به، هو معجم فريد من نوعه هو معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين، إذ يتضمن معاني المصطلحات التي وردت على لسان الخطاطين أو التي تخص تقنيات الخط، إضافة إلى لمحات تعريفية بالخطاطين المسلمين الأكثر شهرة، والأكثر حضوراً في تاريخ الخط العربي، وهذا معجم لم يسبق أن فكر به أي عربي، فالخط يعبر عن عبقرية العربي الإبداعية التشكيلية، هذا النوع من المؤلفات يأخذ وقتا طويلا لتحضيره ويحمّل مسؤولية لواضعه، لأن كلمة مصطلح تتطلب منا البحث في المعاجم القديمة عن تعريف لهذا المصطلح بالأجنبي، واللغة العربية غنية جداً والكلمات والمصطلحات مدفونة في الكتب القديمة، حاولنا نبشها كي تأخذ مكانها الصحيح مقابل مكان المصطلح الجديد في مجال الفن خاصة وفي مجال علم الجمال حيث أصبح هناك مصطلحات، يستعيرها كاتب الموسيقا وكاتب الأدب والكاتب في علم البيان وإلى ما هنالك. إذاً استطعت فعلا أن أقدم مصطلحاً عربياً جيداً لمصطلح أجنبي كانت الأقطار العربية تختلف في تفسيره وحتى في تأويله، هذه الأمور تعنيني جداً وكانت بالنسبة لمؤلفاتي الأكثر أهمية.

وأيضاً جمالية العمارة تعنيك كثيرا، فالعمارة أنت لا تراها مجرد وسيلة للسكن؟
طبعا.. كما استهواني تاريخ الفن، كذلك استهوتني العمارة، وقمت بتأليف ما يقرب من خمسة عشر كتابا. وبالفعل العمارة ليست وسيلة للسكن، هي فعلا الوعاء الذي يستوعب كل مجالات الإبداع، هذا عدا أن هناك فرصة لتحسين حياة الإنسان وتحقيق طموحاته بأن يعيش في بيئة هادئة وساكنة، وأيضاً أن يعيش في جنة، وقلت إن المسكن هو فردوس صاحبه، وهذه الجنة لا يمكن أن تكون إلا بالزخارف والكتابات وحتى بالأثاث، كل ذلك استطعت أن أقدمه، وتبين لي أن العمارة العربية الإسلامية أيضاً أصيلة ويمكن أن نتعرف عليها وأن نبين تطورها وارتباطها بالطبيعة التي نعيشها، فهناك الطبيعة العامة من مناخ وطقس، وهناك طبيعة الإنسان، والأخير بطبيعته روحاني، لذلك البيت مفتوح من فنائه نحو السماء، كي يعيش المرء في سكون وهدوء بعيداً عن الناس وحتى عن عوامل الطبيعة من تبدل الطقس. فلسفة العمارة قدمتها بشكل مستقل ولكنني قلت إن العمارة تتطور بشكل عام، فخلال القرنين الآخرين في العالم، تبدلت العمارة، لم تعد عمارة تقليدية مكررة مثل العمارة الكلاسيكية، بل أصبح هناك طرز مختلفة وبالتالي وظائف مختلفة، يعني لا يمكن أن يكون هناك عمارة للمستشفى مثل العمارة للمدرسة لذلك اختلفت العمارات، ووجدت فعلا أن شيئاً جديداً حصل الآن وهو عملية الاستشراق، ووجدت أن الغرب يبحث فعلا أكثر من المواطن الشرقي عن طابع يعبر عن بيئة تختلف عن بيئته، وهذا ما يمكن رؤيته من عمارات في دول الخليج أو في الدول العربية في محاولة جادة جداً لأبنية وعمارات تعبر عن سمات لها علاقة إما بالطبيعة وإما بالجغرافيا، وإما بطبيعة الإنسان، ولكن في الوقت نفسه أنا نقدت عملية الاستغراب، فهناك استشراق وهناك استغراب، فنحن لا نستطيع أن نقبل بأن أي مسكن يمكن فقط أن يحقق السكن، أو الإيواء، فكل عمارة لا بد أن تحوي أيضا، متطلبات الإنسان المعنوية والنفسية والصحية وأيضاً التاريخية فالأمر مرتبط بتقاليده.

قدمت أكثر من اثنين وثمانين مؤلفاً… منها ما أصبح مقررا في الجامعات ومنها ما تمت ترجمته إلى لغات أخرى؟.
هذا صحيح. قمت بتأليف كم كبير من الكتب بعض هذه الكتب ترجمت إلى اللغات الأجنبية وأصبحت فعلا مقررة في بعض الجامعات على أساس التعريف في تطور العمارة والمستقبل، العمارة والمعاصرة، العمارة والاستشراق، كل هذه الكتب التي صدرت تحمل هذه العناوين وكانت فعلا استجابة للباحث الذي يريد أن يعرف ماذا يريد أن يحدث، لأنه كان يحدث تشكل غير طبيعي وتنوع وإبداع، فمثلا وبخصوص العمارة، أنا أذكر جيداً في دمشق أو في سورية كلها، في الستينيات لم يكن هناك مهندس معمار واحد، في السبعينيات ظهر معمار واحد أو اثنان، إذ أُنشئت كلية العمارة في دمشق وفي حلب، وبعدها في غيرها من المدن، وأصبح هناك معماريون، فالمهندس المدني هو غير المعماري، الأخير هو مهندس مبدع ويتطلب فناً وإبداعاً، على حين المهندس المدني هو مهندس مؤسس ويريد أن يجعل البناء قوياً ومتيناً، وبالطبع يجب الإبداع شرط ألا يخرج عن حاجة وتطلعات وهوية ساكنيه فهذه النقطة الأهم، كانت مشاركاتنا بلجان التحكيم للعديد من المسابقات، إحداها المسابقة كانت حول إنشاء برلمان في سورية بالإضافة إلى البرلمان الحالي، لا يوجد اختصاصي للبرلمانات، ولكن يوجد برلمانات في كل دول العالم وهي تحمل هوية دولها، فمثلا البرلمان البريطاني هو رمز لبريطانيا كلها، لذلك أردت أن أقول ونحن نطلع على الأعمال في المسابقة، إننا نريد أن نعرف إلى أي مدى سيكون هذا المبنى شعارا لهوية معينة اسمها الهوية المعمارية والهوية المدنية. بشكل عام كل هذا حاولنا أن نغطيه في عدد من المؤلفات التي ترجم بعضها وما زالت سائدة حتى الآن.

الكلمة والفكر المخلوقان على ورقة من حبر هما هاجسك منذ زمن بعيد ومؤنسك في معظم أوقاتك.. أما زلت تتابع الكتابة؟
أنا الآن أتابع الكتابة وأردت أن أصل إلى نقطة أساسية وهي أن كل هذه الأشياء، العمارة، الفن، علم الجمال… ترتبط بهوية، وأنا أؤمن بأنه لابد أن نحافظ على هذه الهوية، والهوية ليست كلمة وهي فعلا حصيلة تطور وحاجات وتطلعات وأذواق وهذا يجب أن يكون كله حاضرا في ذهننا ونحن نكتب الإبداعات هذه.

في أثناء عملك في مديرية الآثار والمتاحف.. قمت بتأسيس العديد من المتاحف في المحافظات، هل المتاحف كافية لحماية الموروث التراثي لدينا؟
من خلال عملي في الآثار والمتاحف كنت أعتبر أن المتحف ليس مخزنا للآثار بل هو حاضن للتراث وحاضن للإبداعات وأن ما تم اكتشافه يجب أن يكون له محل لائق فأقمت في كل المحافظات متاحف، وهذا أمر أنا أعتقد أن له أهمية بالغة، لأن ما نملكه من تراث يجعلنا نفتخر، صحيح أنه لا يوجد على أرضنا أهرامات أو أبو الهول، ولكن يوجد تنوع رهيب جدا، ولذلك في كل متحف في كل محافظة نملك من التنوع ما يجعلنا عرضة لاهتمام العلماء في العالم.
أنا اليوم أشعر بالراحة لأن القائمين على الآثار والمتاحف أصبحوا يدركون أن مديرية الآثار ليست مديرية عادية وأنها فعلا مركز أبحاث وهي مركز تعريف بحضارة تاريخ هذا القطر، وهنا أريد أن أقول إننا جزء من الحضارة العربية ونحن نشارك بهرم الحضارة العربية ولا شك بأننا نصطدم اليوم بآفة السلفية والإرهاب الذي أراد أن ينتقم من العلم من المعرفة ومن التراث، فأنا لا أستطيع أن أحدد ماذا يريد هؤلاء عندما ينقضون روائع التراث التي تثبت عظمة التاريخ وعظمة الإنسان، فهي ليست عبادة الصنم إنما هي أعمال قام بها إنسان عبقري، فلوحة الجوكندا مثلا فرنسا كلها تبيع نفسها ولا تبيعها، وأنا أتألم كيف أرى في تدمر الأعمال التي قمنا بإعادتها وبإنشائها كيف أصبحت الآن أنقاضا، ولكنني أؤكد أن زملاءنا العاملين في الآثار هم قادرون على إعادة البناء وتقويم هذه العمليات التخريبية، وأننا نستطيع أن نحقق رسالتنا على الرغم من كل هذه الهجمات الهمجية.

Exit mobile version