Site icon صحيفة الوطن

هل الأمن الغذائي في خطر؟ .. «مداد»: 15,6 بالمئة فقط من السوريين آمنون غذائياً والجهود الوطنية مشتتة … أبو حلاوة لـ«الوطن»: تحسين الدخل مطلب ملحّ.. وياغي: ممكن بتخفيض سعر الصرف أو زيادة الرواتب أو تحسين الدعم

| الوطن

بيّن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» أن 15,6% فقـط مـن السـكان في سـورية يتمتعــون بالأمن الغذائي، وذلك في تقرير حول الأمن الغذائي في سورية ضمن سلسلة قضايا التنمية البشرية عن شهر حزيران 2017، مستشهداً ببيانــات مســح الأمن الغذائي الأسري للعام 2015، الذي كشف أن زهــاء ثلــث الســكان في ســورية (33,4%) هــم فاقــدون لأمنهــم الغذائي، يضــاف إليهــم أكثر مــن النصــف بقليــل (51,6%) معــرضون لفقــدان الأمن الغـذائي.

بحسب نتائج التقرير التي تظهر مخاطر الخلل بالأمن الغذائي، ينعكـس القصـور في توافـر مقومـات الأمن الغذائي بشــكل مباشر على مؤشرات النتائــج، فضعــف الإمــداد وخلــل المقدرة المالية والمادية، يؤديــان إلى عــدم الاســتقرار في حصــول الأفراد على الكميــة المناســبة مــن الغــذاء التــي تكفيهــم للحصــول على الحــد الأدنى مــن الحريــرات المطلوبــة يوميــاً (2200 حريــرة وفقــاً لمنظمــة الصحــة العالمية)، وتشيـر بيانـات مسـوح دخـل ونفقـات الأسرة ونتائـج المســوح الصحيــة الأسريــة إلى ارتفــاع كبيـر في نســبة السـكان الذيـن لا يسـتطيعون الإنفـاق على مقابلـة الحــدّ الأدنى للاحتيــاج مــن الغــذاء، قبــل الأزمة وأثناءهـا، ورغـم اتجـاه المـؤشر للانخفـاض طـوال مـدة السـنوات الخمـس التي سـبقت الأزمـة (2005-2010) من 1,7 إلى 1,1% مـن السـكان، ارتفعـت بشـكل كبـير في ظــل الأزمــة، وهــذا الارتفــاع منطقــي إذا مــا تــم ربطــه بمـؤشرات المســببات مــن نقــص في إمــداد الغــذاء بأنواعــه المختلفــة وخلــل في مؤشرات الوصـول المـادي والمـالي، حتـى وصـل معـدل الفقــر الغذائي إلى نحــو 23,2% في عــام 2015.
وبحسب التقرير، انعكـس الخلـل الـذي أصـاب مقومـات الأمن الغذائي على شـكل ارتفـاع في أعـداد الأسر المعرضـة لانعـدام الأمن الغذائي، والتـي دخـل قسـم منهـا في دائـرة الفقـر المدقـع، ورغـم تكثيف جهـود الحكومـة ومنظمات المجتمـع الأهلي والمنظمـات الدوليـة في إطار الاسـتجابة للاحتياجـات الإنسانية، إلا أن هـذه الجهـود-وإن كان دورها إيجابياً في تخفيف تأثيــرات الأزمة- تعد مســتهلكة، وغـير قابلــة للاســتدامة لازديــاد الحاجــة المقـرونة بمحدوديـة الموارد.
وتتسـم الجهـود الوطنيـة في مجـال الأمن الغذائي بالتشـتت، فعلى سـبيل المثـال: لا توجـد جهـة وطنيـة معنيـة بتنسـيق مكونـات الأمن الغذائي مـن منظـور كلي تكاملي. ويتبـدى هـذا الأمر جليـاً عنـد معرفـة أن حجـم الطلـب على المنتجات الغذائيـة غـر معـروف، وبالتالي سـينعكس ذلـك على إمكانية التخطيـط لجوانـب العـرض مـن الإنتاج الغذائي (الزراعـي والصناعـي)، وردم الفجـوة أو تصريف الفائـض (التصديـر والاستيراد)، واسـتقرار الإمـداد بين المحافظـات (لنقـل والتجـارة الداخليـة).
وبحسب نتائج التقرير، فقد تبيّن على مســتوى جغرافيــا الأمن الغذائي أن هنـاك أربع محافظـات تزيـد فيهـا نسـبة الأسر الآمنـة غذائيـاً عـن المسـتوى الإجمالي للقطـر البالـغ 15.6%، تأتي في مقدمتهـا دمشـق واللاذقيـة، تليهــا الســويداء، وبدرجــة أقــل حمــص، وبالمقابل هنــاك خمــس محافظــات ترتفــع فيهــا نســبة الأسر غيـر الآمنة غذائيـاً بالمقارنة مـع المستوى الإجمالي للقطــر البالــغ 33,4% تأتي في مقدمتهــا محافظــة الحســكة التــي تزيــد فيهــا نســبة الأسر غــير الآمنة غذائيـاً عـن النصـف، تليهـا محافظتـا حلـب وحماة حيــث تقــرب فيهــا نســبة الأسر غير الآمنة مــن النصـف، ثـم القنيطـرة ودرعـا بنسـبة أسر غيـر آمنـة غذائيـاً مـا بين 44,8- 46,4% مـن مجمـوع الأسر في كل محافظـة.
إلا أن النسـبة الأكثر انتشـاراً في مختلـف المحافظــات الســورية هــي للأسر المعرضــة لفقــدان أمنهـا الغذائي، فهـي لا تقـل عـن 40,2% كما هـو الحــال في درعــا وتصــل إلى 64,5% في محافظــة اللاذقية لكنهــا تقــترب في العديــد مــن المحافظــات مــن نســبة نصــف الأسر لتقــرب مــن المستوى الإجمالي للقطــر البالــغ 51,1%.

بلغة الحلول: سياسات بديلة
قدم تقرير المركز سياسات بديلة لاستعادة الأمن الغذائي، بهدف خفض معدل الفقر الغذائي، وخفض معدلات سوء التغذية عامة، وخاصة للفئات الهشة من السكان كالأطفال، إضافة إلى خفض أعداد الأسر المعرضة لفقدان الأمن الغذائي. إلا أن سياسات التقرير المقترحة جاءت على المديين المتوسط والطويل، متجاهلةً الإجراءات الإسعافية وقصيرة الأجل، وهنا أوضح الباحث الدكتور كنان ياغي (من المشرفين على التقرير) في تصريح لـ«الوطن» ضرورة وجود مثل هذه السياسات لكونها تساعد في تحسين مستوى الأمن الغذائي للأفراد وذلك من خلال تحسين مستويات الدخل.
بدوره أكد الباحث الدكتور كريم أبو حلاوة (من المشرفين على التقرير) في تصريح لـ«الوطن» أهمية تحسين الدخل للحدّ من مستوى الفقر الغذائي في سورية، وبأن تحسين الدخل هو مطلب ملحّ لتعزيز الأمن الغذائي.
وتحدث ياغي عن ثلاثة مقترحات لتحسين الدخل يمكنها تعزيز مستوى الأمن الغذائي للأفراد، يتمثل الأول بتحسين قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وهو خيار بيد المصرف المركزي والقائمين على السياسة النقدية، التي تعمل باتجاه تثبيت سعر الصرف، منوهاً بأن توجه السياسة النقدية نحو تخفيض سعر صرف (تحسين قيمة الليرة) من شأنه تحسين مستوى المعيشي عبر زيادة الدخل الحقيقي، بمعنى زيادة كمية السلع والخدمات الممكن شراؤها بالأجور النقدية، لانخفاض الأسعار.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل بتحسين الدخول الاسمية، عبر زيادة الأجور والرواتب، بهدف تعزيز الأمن الغذائي للأفراد، عبر زيادة طلبهم لاستهلاك المواد الغذائية، موضحاً أن الآراء تختلف هنا، مع وجود مخاوف من حدوث ضغوط تضخمية جديدة. أما السيناريو الثالث، فيتمثل بزيادة مستوى الدعم الاجتماعي، نقدياً، أو عينياً، المقدم للأسر.
وبالعودة إلى التقرير، فقد اقترح في مجال توفير الغذاء، إعادة ترتيب أولويات الإنتاج الزراعي بما يتناسب ويتلاءم مع أولويات كل مرحلة من مراحل التنمية المستقبلية والتركيز في المراحل الأولى على تعديل الخريطة الزراعية للتركيز على إنتاج السلع الغذائية. بالإضافة إلى تصحيح جغرافيا التنمية الزراعية، إذ يتم إحداث نوع من الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية الغذائية ضمن المحافظة الواحدة أو الإقليم الواحد. وإعادة النظر في سياسات الإصلاح الزراعي والتحول من التوسع الأفقي إلى التكثيف العمودي.
كما اقترح تركيز سياسات الدعم الزراعي على محاصيل الغذاء وترتيبها وفقاً لأولويات الحاجة ووفقاً للنمط الاستهلاكي للأسر السورية، وزيادة إنتاجية وحدة المساحة بوساطة توفير مستلزمات الإنتاج المحسنة، وإيلاء الثروة الحيوانية اهتماماً أكبر وخاصة في ظل النقص المستمر لأعدادها، بوساطة تحسين الإمداد بمستلزمات تربيتها وتنظيم التجارة بها عامة وخاصة التجارة الخارجية، وتحسين الإنتاج الذاتي للأسرة وتوسيع الزراعات المنزلية والحضرية للغذاء، والمساعدة في إعادة أصول إنتاج الغذاء (أغنام، أبقار، مستلزمات زراعية).
واقترح إعطاء الإنتاج الصناعي الغذائي الأولوية بوساطة توجيه الاستثمارات نحو الصناعات الغذائية (تمويل المشاريع، الميزات الاستثمارية..) وإعادة توازن خريطة التوزع الصناعي من أجل تحسين جغرافية التنمية الصناعية، بما يحقق اكتفاء ذاتياً على مستوى الإقليم، وإعطاء الأولوية لمشاريع الصناعات الغذائية الصغيرة والمتوسطة بوساطة تسهيل وصولها إلى الخدمات المالية.
كما اقترح التقرير تحديد للسلة الاستهلاكية الرئيسية للمواطنين وتقدير الفجوة المطلوب تغطيتها بوساطة استيراد مواد هذه السلة، وتحديد الفائض من المنتجات الغذائية وإيجاد أسواق لتصديرها.
وفيما يخص تحسين المقدرة المادية للوصول (مؤشرات نقل الغذاء) اقترح التقرير إعادة دراسة تموضع أسواق الجملة، والاعتماد على وسائل النقل ذات الحمولات الكبيرة بين المحافظات (السكك الحديدية، الشاحنات الكبيرة)، ودخول مؤسسات القطاع العام المعنية بدور تاجر جملة بين محافظات الفائض الغذائي ومحافظات العجز، وتفعيل دور مؤسسات القطاع العام المعنية بتسويق المحاصيل الغذائية وقيامها بدور تاجر كبير.
وفي مجال تحسين الوصول الاقتصادي (مؤشرات أسعار الأغذية) اقترح التقرير تفعيل دور مؤسسات توزيع المواد الغذائية في القطاع العام وتوجيه دورها باتجاه تأمين الحد الأدنى من السلع الغذائية لتوجيه الأسواق ومنع الاحتكارية. إضافة إلى تشديد الرقابة على أسعار السلع الغذائية، وإعادة هيكلة الدعم من منظور شامل واضح الأهداف والأدوات، وتوجيهه نحو الفئات الأكثر حاجة (دعم المواد التموينية).
ولتخفيف المخاطر والصدمات اقترح التقرير تفعيل دور المؤسسات الحكومية في قيادة الأسواق وتوجيه الأسعار، لمنع الاحتكار، وقيام هذه المؤسسات بدور تاجر كبير، من أجل استقرار إمداد الأسواق بالمنتجات والنقل من محافظات الفائض إلى محافظات العجز الغذائي، وتبني مقاربات أكثر عدالة في مجال توزيع الإعانات الغذائية، ذلك باعتماد منهجيات أوضح لاستهداف المناطق الجغرافية والفئات السكانية المتضررة ضمنها

Exit mobile version