Site icon صحيفة الوطن

كيسنجر والتوازنات الدولية وراء اتفاق موسكو واشنطن

| أنس وهيب الكردي

أثمرت دبلوماسية ما وراء الكواليس التي قادها هنري كيسنجر ما بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين عن إرساء مقاربة جديدة للعلاقات الروسية الأميركية.
وبعد اللقاء، أوضح ترامب مقاربة إدارته حيال موسكو، والتي تتمثل في التحرك نحو رفع العقوبات المفروضة على روسيا بعد حل أزمتي سورية وأوكرانيا، محققاً بذلك ربطاً ما بين الأزمات الثلاث. ولقد أظهرت تغريدات ترامب بعد قمة العشرين بأن هدنة جنوب غرب سورية تمثل «دفعة على الحساب» في الطريق إلى تحسين العلاقات ما بين واشنطن وموسكو، إذ اعتبر أن «الوقت قد حان للتحرك إلى الأمام في التعاون مع روسيا»، على خلفية التوصل إلى التهدئة. وبالرغم من أن اللقاء لم يسفر عن حلول للمشاكل الدولية «المعقدة»، التي ناقشها الجانبان إلا أنه «شكّل بداية» للحوار الروسي الأميركي استناداً إلى ما خلص إليه الاجتماع.
ويبدو أن تحسين العلاقات الروسية الأميركية جاء كحاجة أميركية في توازنات المثلث الدولي واشنطن بكين موسكو، وأيضاً نتيجة رغبة واشنطن في التعامل مع موسكو لتحجيم الدور الإيراني في سورية والمنطقة، بعد أن كان الطموح الأساسي لإدارة ترامب يتمثل في دحر نفوذ إيران بالشرق الأوسط.
الأسباب الدولية دفعت واشنطن إلى تقديم تنازلات فيما يتعلق بسورية، وهو ما أثار قلق «إسرائيل». وأشار الرئيس الروسي إلى هذه الحقيقة عندما ذكر أن «اتفاق لوقف التصعيد» في جنوب غرب سورية، جاء نتيجة تحول موقف واشنطن واتجاهها نحو «الواقعية» فيما يتعلق بأزمة هذه الدولة.
وقبيل أيام من اللقاء في ألمانيا، حط كيسنجر والذي سبق له منصب مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأميركي في إداراتي نيكسون وفورد إبان الحرب البادرة، في الكرملين حيث التقى الزعيم الروسي. وبعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى واشنطن ولقائه ترامب في البيت الأبيض، استقبل الأخير كيسنجر.
وكانت تكهنات قد أثيرت في ألمانيا والولايات المتحدة، سابقاً هذا العام حول دور سيلعبه كيسنجر المعروف بثعلب «الدبلوماسية العالمية»، لإعادة الحياة إلى العلاقات الروسية الأميركية، وفقاً لقاعدة المزاوجة ما بين أزمتي سورية وأوكرانيا. ولم يؤد وقف إطلاق النار إلى خروج المجموعات المتحالفة مع الجيش السوري والمدعومة من إيران من المنطقة الجنوبية كما طالبت واشنطن وعمان بشكل متكرر. وهذا ما دفع «إسرائيل» إلى التحذير من ملء القوات المتحالفة مع إيران فراغ وقف إطلاق النار هناك.
وفور الإعلان عن وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاتصال ببوتين ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون للإعراب عن مخاوف «إسرائيل». واستعجلت إسرائيل الضغط على المفاوضات القائمة بشأن جنوب سورية، من خلال الإعلان عن انتخابات لما تسمى «المجالس المحلية» عام 2018 بقرى القسم المحتل من الجولان العربي السوري.
وحتى تضمن الأخذ بمطالبها بعين الاعتبار، فقد سرب المسؤولون الإسرائيليون موقفاً رافضاً لانتشار القوات الروسية في جنوب سورية، وذلك كورقة تفاوضية مع موسكو.
وتخشى «إسرائيل» من أن تكتفي إدارة ترامب، بهزيمة تنظيم داعش، وتترك مصير سوريّة لكلٍّ من روسيا وإيران. من أجل ذلك ستكون الجولة المقبلة من مفاوضات عمان حول مصير المنطقة الجنوبية، محورية ومهمة إذ إنها ستشهد تنازع إرادات بين الدول الإقليمية، لكن من غير المحتمل، على ما يبدو، أن تؤثر كثيراً في حسابات الدول الكبرى، وخصوصاً أن كيسنجر يغزل في الظلام عرا توافق روسي أميركي يتناسب مع التحولات الراهنة للنظام الدولي.

Exit mobile version