Site icon صحيفة الوطن

أعيدوا للعثمانيين جدهم!

| حسن م.يوسف

دائماً يأتينا الغريب راكباً على واحد منا! في مصر اشترى الأيوبيون المماليك كي يخدموهم فانقلب الخدم على أسيادهم وتداولوا الحكم بينهم منذ عام 1250 وحتى عام 1517م أي أكثر من قرنين ونصف القرن!
بعد خلع المماليك للسلطان العادل اتفق زعماؤهم على وضع زميلهم قانصوه الغوري سلطاناً محله، وقد وقع اختيارهم عليه لكبر سنه وانعدام طموحه، «فحملوه وأجلسوه رغماً عنه على العرش وهو يبكي ولا يريد المُلك واشترط عليهم ألا يقتلوه وأن يبقوه حياً إذا أرادوا خلعه فوافقوا على ذلك وبايعوه جميعاً».
لفترة طويلة كانت العلاقات بين المماليك والأتراك طيبة إذ تحالفوا ضد محاولة البرتغاليين للسيطرة على البحر الأحمر كما تحالفوا ضد المغولي تيمورلنك وضد بقايا الصليبيين. لكن التوتر بدأ ينشأ بين الطرفين نتيجة نزعة العثمانيين التوسعية.
لم يكن قانصوه الغوري عديم الطموح، كما تصوره زملاؤه، لذا أراد أن يقلم أظافر سليم الأول، وبما أن الخليفة العباسي المتوكل على اللـه كان آخر رمز متبق للخلافة العربية، فقد أخذه قانصوه معه كي يثبت أنه الوريث الشرعي للخلافة، لكن قانصوه لم يشتر ذمم بعض أمرائه فباعوه لسليم الأول! وعندما التقى الطرفان في مثل هذه الأيام قبل أربعمئة عام في مرج دابق قرب حلب في 24 آب 1516 كان من الحتمي أن يقتل قانصوه، وهكذا تمكن سليم الأول بفضل الأمراء الخونة من الاستيلاء على مدن بلاد الشام من دون حرب «فخُطب له في مساجدها ولُقِّب بخادم الحرمين الشريفين، وكان برفقته – طبعاً – الخليفة العباسي المتوكل على الله» – الرمز الأخير. هكذا بدأ احتلال الأتراك لبلادنا، ليدوم أربعة قرون أعلنت نهايتها عندما انسحب مصطفى كمال من حلب يوم الجمعة 26 تشرين الأول 1918.
صحيح أن الفرنسيين قد احتلونا بعد الأتراك، لكن الأتراك تركوا خلفهم مسمار جحا تعبيراً عن مطامعهم المتجددة في أرضنا.
يقول المؤرخون إن سليمان بن قتلمش، والد «أرضغل» والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية عام 1299م قد مات غرقاً فدفن قرب قلعة جعبر على نهر الفرات، وعندما سيطر العثمانيون على بلادنا أقاموا لجدهم مزاراً عُرف بـ«الضريح التركي». وفي عام 1921 وقع الأتراك وسلطة الاحتلال الفرنسي اتفاقية حسن جوار(!) نصّت في المادة التاسعة منها على أن يبقى «القبر مع ملحقاته بملكية تركيا التي بإمكانها أن تعيّن له حرّاساً وأن ترفع العلم التركي فيه».
وعندما قررت الحكومة السورية بناء سد الفرات عام 1968 تبين أن المياه ستغمر الضريح فضغط الأتراك من خلال ورقة المياه لإبقاء رفات جدهم في سورية(!) فتم نقل الرفات بكامل امتيازاته إلى تلة مرتفعة في منطقة «قره قوزاق»، إلى الشرق من مدينة منبج، وعندما احتلت داعش المنطقة بدأ الأتراك يجدون صعوبة في تبديل حامية المزار، فقاموا، في أواخر شهر شباط عام 2015، بنقل ضريح جدهم إلى قرية آشمة السورية الواقعة في ريف عين العرب شرق حلب؛ فرفعوا علمهم عليها وأعلنوا وضعها تحت سيطرة الجيش التركي وتم نقل رفات «سليمان شاه» إليها، بعملية عسكرية شارك فيها 600 عسكري، و60 مدرعة، ونحو 40 دبابة، وطائرات من دون طيار، وطائرات استطلاع.
أظن أنه قد آن الأوان لأن نعيد للمحتلين العثمانيين رفات جدهم، وأن نحتفل بعيد الجلاء لا في السابع عشر من نيسان وحسب، بل في اليوم الذي انسحب فيه آخر جندي تركي من الأراضي السورية. فالاحتلال الفرنسي دام 26 عاماً فقط على حين الاستعمار التركي استمر أربعة قرون.

Exit mobile version