Site icon صحيفة الوطن

الدراما السورية تعاني استسهال واستباحة كل شيء … نور شيشكلي لـ«الوطن»: لا يمكننا النهوض ما لم نُعِد حساباتنا بدل المرة ألفاً

| وائل العدس

منذ أن كتبت إحدى خماسيات مسلسل «تحت سماء الوطن» عام 2013، ابتعدت الكاتبة السورية نور شيشكلي عن الدراما المحلية، وذهبت بعيداً لتنعش سوق الأعمال العربية المشتركة بمسلسلات ضخمة مثل «مذكرات عشيقة سابقة» و«جريمة شغف» و«مدرسة الحب» وغيرها.
من «السراب» و«وجه العدالة» مروراً بـ«بقعة ضوء»، و«سي بي إم» وانتهاءً بـ«صبايا» و«علاقات خاصة»، تحاول الكاتبة الشابة إثارة العديد من القضايا ولفت النظر إلى مشاعر إنسانية قد يعكس بعضها شيئاً من الذات، وربما تذهب في بعضها الآخر بعيداً نحو عالم الخيال.
الجديد هذا العام اقتحامها أجواء الدراما المصرية للمرة الأول، فكيف ستخوض هذه التجربة؟ وهل تعود إلى درامانا؟ كل هذه الأسئلة نجد إجابتها عبر الحوار التالي:
ما جديدك لعام 2018؟
أحضّر لعملين، الأول «المشهد الأخير»، مؤلف من ثلاثين حلقة، ويحكي كواليس الوسط الفني السوري واللبناني، وحياة المشاهير خلف الكاميرا والأضواء، وأسرار النجوم وخباياهم.
ويرصد العمل أيضاً الانقسام الناتج عن الحرب، وحكايات النجوم الذين غادروا سورية وانضموا إلى الأعمال العربية المشتركة، إضافة إلى الصعوبات التي تواجه الدراما السورية، والانعكاسات الإنسانية لكل ما نعيشه.
كما يعالج العمل حياة المشاهير بعيداً عن الفن ويحكي قصصهم الإنسانية ومعاناتهم وانقساماتهم، ويروي صعوبات أن تكون نجماً وأن تؤسس عائلة وتعيش بخصوصية، إضافة إلى حوادث الانفصال التي تكثر في الوسط الفني وطرح أسبابها.
أما المسلسل الثاني فهو مصري ويحمل اسم «الرحلة 608» وسيتم الإعلان عن تفاصيله عبر مؤتمر صحفي خاص في القاهرة، ويتحدث عن مجموعة من الأشخاص الذين يبدون في الحقيقة طبيعيين تماماً.. هادئين.. متزنين.. ناجحين، وفي داخل كل منهم عقدة نفسية واضحة جداً لكنها لا تظهر إلا في سرهم. يلتقي الجميع على متن تلك الطائرة العائدة بهم إلى القاهرة، وتبدأ الأحداث منذ لحظة إغلاق باب الطائرة وصولاً إلى هبوطها ومن ثم نبدأ معهم رحلتهم في مصر.
وشخصيات العمل مصابة بهستيريا من أنواع مختلفة، ويعتمد العمل على الضغوطات النفسية التي قد نمر بها في لحظة ما تفجر كل مكنوناتنا الداخلية، فجميعنا لدينا الكثير من العقد النفسية منها ما هو ظاهر ومنها ما هو مستتر، والمخيف من ينكر عقده فقط.

إذاً، تعودين مجدداً إلى الدراما السورية بعد غياب؟
لم أبتعد، بل فُرض علينا خيار الأعمال العربية المشتركة سواء اتفقنا معه أم لا، وهذه الأعمال لديها قاعدتها الشعبية، وهي تلبي رغبة المنتج والمحطة، وفي النهاية رأس المال يحكم العالم بأكمله.
بكل الأحوال لا أعتبر «المشهد الأخير» عودة للدراما السورية، فهو عمل سوري لبناني مشترك يحكي حكاية واقع الفنانين وسط الحرب في سورية.

إذاً، لا عودة قريبة للدراما السورية؟
جربت أن أعود، فكلنا نعيش شوقاً للكتابة بلغتنا وهويتنا.. أن نكتب عن شوارعنا والوجوه التي ألفناها، وقد قدمت عملاً سورياً خالصاً يحكي حكاية حرب بين أفراد العائلة الواحدة، تلك الحرب الأخطر حيث يصبح فيها الأخوة أعداء، فجرب منتج المشروع أن يخفض ميزانيته كثيراً، وكان لديه تخوف، خاصة في ظل عدم بيع الأعمال السورية للمحطات العربية وهو أمر أعالجه في مسلسل «المشهد الأخير»، لكن العمل حقيقة لا يمكن أن ينجز بذلك المستوى الفني الذي تم اقتراحه، لذلك آثرت الانسحاب.

هل تلبي الأعمال المشتركة المستوى الفني الذي تطمحين إليه؟
أحاول دوماً ترك بصمة سورية واضحة في الأعمال العربية المشتركة أو على الأقل أسعى إلى الإنصاف، ربما إنصاف جميع الخطوط وجميع الحكايات، وبالعموم أنا سعيدة بتجارب الأعمال العربية المشتركة التي قدمتها.. تلك تجارب مفيدة على صعيد تبادل الخبرات واكتشاف بيئة جديدة وتبادل ثقافات.
فالعمل العربي المشترك ليس مجموعة قصص يحكي كل بطل فيها بلهجته الخاصة إطلاقاً، بل أرى التحدي فيها أكبر لأننا نتطرق إلى بيئات مختلفة وإلى عادات وتقاليد مختلفة، إلى طرق تفكير مختلفة وهذا هو الأهم.
أما الصراع بين الشخصيات فيرتكز على مفاهيم مختلفة لدى كل طرف، فلا يفكر اللبناني كما يفكر المصري مثلاً، كذلك أسلوب ونمطية الحياة.
وفي النهاية أرى تلك الأعمال منتشرة وهي نوع قائم بحد ذاته ومطلوب وافقنا أم اختلفنا، وكل ما علينا فعله هو نسيج حكاية يدخل كل الشخصيات في تجربة واحدة، فلا يكون كل خط منفصلاً وحده.
كل نجم في هذه الأعمال يحاول أن يقدم أفضل ما عنده ضمن تجربة البطولة الجماعية تلك، والعمل المشترك يخلق جواً من المنافسة الواضحة التي لا أراها في الأعمال المحلية التي ترتكز على بطل وبطلة ويبقى باقي الخطوط والشخصيات ثانوياً.
وبالنسبة لما قدمته من أعمال مشتركة مثل «علاقات خاصة» و«مدرسة الحب» وآخرها «مذكرات عشيقة سابقة» فأنا راضية عن المستوى الفني الذي قدمت به.

لكن من واجبك الوقوف مع الدراما السورية في أزمتها.
كيف تساعد شخصاً كلما مددت له يدك قرر أن يتجه نحو الهاوية أكثر؟
عن أي دراما نتحدث ونحن نعرف تماماً مشاكلها، نعرف أن الأجور لم تتم معادلتها بعد، نعلم أن معظم نجوم درامانا هجروها، وأن ما يقدم مخجل ومخزِ؟ عن أي دراما نتحدث ونحن مصرون على إنتاج أجزاء جديدة من «باب الحارة» حتى لو كلفنا الأمر أن ننقل الحرب نحو القضاء؟.
السرطان مرض خطير لا يمكن أن تشفى منه وأنت مستسلم، لا يمكن الشفاء منه من دون عملية استئصال لذلك الورم، ولا يمكن الشفاء منه إلا بجرعات كيميائية تغير خصائص جسدك بالكامل.. لا يمكن النهوض بدرامانا ما لم نعد حساباتنا بدل المرة ألفاً.

لكن «باب الحارة» يحظى بنسب مشاهدة عالية كل عام.
كان من المفترض استثمار هذا النجاح إذاً، ولكن بطرق فكرية وثقافية وخبرات فنية إذا ما اعتبرنا أن هذا المسلسل أصبح منبراً لنا ووسيلة ندخل فيها جميع بيوت الوطن العربي، لكن ما فعلناه هو العكس تماماً.
عموماً ربما «باب الحارة» أصبح تقليداً رمضانياً أكثر من أن يكون عملاً فنياً يتم انتظار أجزائه، وبالعموم أي فيديو كليب إباحي يحظى بنسب مشاهدة عالية، فهل تلك النسب هي معايير لنجاح القيمة الفنية؟.

ما معايير نجاح القيمة الفنية إذاً؟
معايير نجاح القيمة الفنية بالنسبة لي واضحة جداً، وأظنها المعايير الموجودة لدينا جميعاً، فالبداية لدينا البذرة الأساسية لكل العمل الفني ألا وهي النص، يليها إيمان شركة الإنتاج بالعمل وحرصها على تقديم مستوى فني جيد، إضافة إلى التفكير بتسويق العمل والمنطق الربحي… إلخ، ونجوم آمنوا بالورق ومخرج أمين على النص.
إذاً، يتمحور كل شيء حول النص، فالنص البطل الأول للعمل الدرامي.

إذاً تقصدين أن الدراما السورية تعاني أزمة نص أساساً
الدراما السورية تعاني أزمة كل شيء، استسهال كل شيء واستباحة كل شيء.

ما الحلول الآنية والمتوافرة للنهوض؟
إنشاء محطات سورية خاصة تضمن للمنتج تسويق عمله المحلي ولا تجعل دخوله في عملية الإنتاج مقامرة.

بالانتقال إلى عملك المصري، الدراما المصرية تعج بالكتّاب المتميزين، فعلى ماذا تراهنين لتكوني منافساً لهؤلاء الكتّاب؟
لم أراهن على شيء، لدي حكاية قدمتها، فكان الجواب «نحن نتبنى هذا النص»، وهكذا تم الأمر.
لا أنكر صعوبة خصوصية النص وخصوصية الفكرة، ربما جنونها وجموحها، لكن الدراما المصرية تتيح الحرية لقلمنا، فلا ميزانية تحكم النص وتقيده، وأمامي مساحة حرة تماماً لأقول ما أريد.

ألم تجدي صعوبة في الكتابة باللهجة المصرية؟
ألفت تلك اللهجة منذ زمن طويل، وعشت في مصر فترة طويلة، وزرتها مراراً، وكتبت باللهجة المصرية في «علاقات خاصة» و«جريمة شغف» و«مدرسة الحب»، وهي لهجة مألوفة لنا منذ الصغر، وأظن أن أبطال العمل سيساعدونني في الأمر من خلال حواراتهم، فذلك يحصل عندما أكتب باللهجة اللبنانية فيقوم الممثل باستبدال كلمة مكتوبة بأخرى محلية أكثر وهكذا.

أخيراً، ما أثر زواجك مهنياً؟
مازن طه كان وما زال أستاذي، على يديه تتلمذت فنون السيناريو، وهو القارئ الأول لكل ما أكتب، وأي فكرة جديدة أشاركه بها وأستفيد من نصائحه، وأجمل ما في الأمر هو أننا مختلفان.. مازن الهادئ والحكيم والأقرب إلى العقلانية، وأنا المشاكسة.. مجنونة الخيال بحاجة إلى شخص يشدني أكثر نحو الأرض.
زواجي من كاتب هو عامل النجاح الأول في حياتي المهنية لأنه يقدّر تماماً معنى أن تكون كاتباً، خاصة أنني معروفة بمزاجيتي العالية جداً والصعبة جداً، وهو الشخص الوحيد الذي يتحمل هذه المزاجية والقادر على استيعابها.

Exit mobile version