Site icon صحيفة الوطن

سياسة ترامب الاقتصادية: عداء في الداخل وعقوبات انتقامية في الخارج

| قحطان السيوفي 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتراجع شعبيته، ولا يلقى ترحيباً في الداخل وفي العالم، وهناك خوف من شعبوية ترامب وعنصريته وفجاجته السياسية، وأساس للقلق اقتصادي مع برنامج طرحه رئيس غريب الأطوار يخلخل بنية الاقتصاد الأميركي والعالمي، إضافة لعداء للمواطن العادي في الداخل وإجراءات عقابية انتقامية في الخارج.
يؤكد معظم المحللين أن ترامب لا يؤمن بالمبادئ الاقتصادية لمصلحة المواطن العادي مع كونه شخصاً شعبويا، وخطته لتخفيض المعدلات الضريبية على الشركات ليس من السهل تسويقها، فالتخفيضات الضريبية لم تحفز النمو المستدام على مدى 20 عاما، وكانت هنالك تخفيضات ضريبية ونمو خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان ونمو أعلى في الإنتاجية، وعبء ديون فيدرالية يعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
اليوم، تبلغ نسبة الدين 77 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والإنتاجية بقيت على حالها، وديون الشركات وصلت لمستويات قياسية، والمال موجود أما الوظائف فليست موجودة في اقتصاد يمثل فيه الإنفاق الاستهلاكي نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولم يحصل المواطن الأميركي العادي على أي زيادة في الأجر بالقيمة الحقيقية، وتقول ورقة بحثية نشرت من معهد الفكر الاقتصادي الأميركي الجديد: إن إطار العمل الأميركي يحكمه عدم التوازن المتزايد بين الذين يوجدون قيمة في الاقتصاد من التنفيذيين والمستثمرين والعمال ودافعي الضرائب، وبين المساهمين، ولدى الولايات المتحدة مشاكل سياسية، إضافة إلى قضايا تتعلق بتباطؤ النمو.
مع ذلك يدّعون خطأً إمكانية زيادة النمو من خلال خفض معدل الضرائب على الشركات، والواقع أن نظام السوق الأميركي يقوم على قطاع خاص لم يعد يخدم الاقتصاد الحقيقي، وأقوال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين وطاقمه الاستشاري، عن الخطة الضريبية لإدارة ترامب، هي مزيج من الادعاءات التي تدل على الجهل والخداع وانعدام الصدق كما ذكر وزير الخزانة الأميركي الأسبق والأستاذ في جامعة هارفارد لورانس سمرز في «الفاينانشال تايمز» بتاريخ 11 الجاري، وفي رأي الاقتصاديين فإن خطة الإصلاح الضريبي، لن تزيد من النمو، وستفجر عجز الميزانية، ولن تحفز الاستثمار، وستجعل أميركا مكانا أكثر تفاوتا من قبل.
أسرع نمو في الناتج المحلي الإجمالي شهدته الولايات المتحدة حدث بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كان أعلى معدلات الضرائب يقارب ضعف ما هو عليه الآن، وخفض الضرائب سيُضخم عجز الموازنة العامة مستقبلا، وبالتالي فإن ترامب يهدد الاقتصاد الأميركي والعالمي.
في خطة ترامب الاقتصادية فرض ضريبة على الواردات، ولأن مصافي النفط الأميركية تستورد نحو نصف كميات الخام الذي تستخدمه، يرى المحللون أن ذلك سيؤدي لارتفاع أسعار البنزين وهو ما يضعف النمو الاقتصادي، أي أن فكرة ترامب لوضع ضرائب كبيرة على واردات من الصين والمكسيك ستؤدي لضرر بالنمو، وارتفاع أسعار العديد من السلع.
قال مدير التصنيفات السيادية لدى وكالة «فيتش» إد باركر إن خطط ترامب لخفض الضرائب قد تهدد التصنيف الائتماني للولايات المتحدة البالغ AAA على المدى المتوسط، وتابع: إن «خطط ترامب لخفض الضرائب 6,2 تريليونات دولار على مدى السنوات العشر المقبلة قد تضيف نحو 33 بالمئة إلى الديون الأميركية الحكومية»، أي سيُنتج ركود طويل الأمد، ولكن بالمقابل أكدت وكالة «موديز» أنه إذا نفذت سياسة ترامب الاقتصادية لسنوات حكمه الأربع، فإن 3,5 ملايين نسمة سيخسرون وظائفهم، وإن نسبة معدل البطالة سيكون نحو 7 بالمئة، وبسبب «الشكوك المتزايدة» المحيطة بالسياسات الاقتصادية لترامب، خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2017 إلى 2,7 بالمئة. وحذر البنك من النتائج الوخيمة التي يمكن أن تنجم عن الإجراءات التجارية الانتقامية التي يلوح بها ترامب التي يمكن أن تكبح النمو العالمي، إضافة للنزعة «الحمائية» و«الشعبوية» كما أن الإجراءات الانتقامية بحق الصين والمكسيك، ستكلف الشركات الأميركية والأوروبية مبالغ كبيرة، كما حذر صندوق النقد الدولي الإدارة الأميركية من مخاطر عرقلة التجارة العالمية، لأنه سيؤثر في الإنتاجية وثقة المستثمرين.
الحرب الترامبية التجارية محصلتها صفر، والعقوبات الاقتصادية بحق إيران وروسيا غير فعالة وهي نوع من الهروب إلى الخارج، وسيؤدي انسحاب أميركا من الاتفاقيات التجارية، إضافة إلى فرض رسوم على الاستيراد، لرفع الكلف على القطاعات الاقتصادية العالمية ويؤثر في موازين الدول التجارية وهذه الإجراءات ستنتج إجراءات مشابهة في الدول المتضررة.
قالت مجلة «ديرشبيغل» الألمانية إن اللجنة الاقتصادية والمالية في الاتحاد الأوروبي انتقدت سياسة ترامب الاقتصادية وإن اللجنة قلقة من أن تشكل جهوده لتعزيز الحمائية تهديدا للاقتصاد العالمي.
إن هذه السياسة تتضمن مخاطر على المدى القصير للاقتصاد العالمي، والمقرضون تجنبوا الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وسيكون «تراجع الاستثمارات الدولية أحد المخاطر».
المؤكد أن أفراد فريق إدارة ترامب الاقتصادية لن يراجعوا ضمائرهم ولن يتوقفوا عن خداع أنفسهم لأن خطتهم لن تجلب المنافع للمواطن الأميركي العادي وستتعدى نتائجها السلبية حدود الولايات المتحدة الأميركية إلى الاقتصادات العالمية.
سياسة ترامب الاقتصادية في موقف عدائي مع المواطن الأميركي العادي، وهروب إلى الخارج مع إجراءات انتقامية وعقوبات اقتصادية بحق دول كإيران وروسيا بأبعاد سياسية حمقاء ومدفوعة بمصالح إقليمية ودولية.

Exit mobile version