Site icon صحيفة الوطن

محنة الاعتدال

| عبد الفتاح العوض

خلال السنوات السابقة من عمر الحرب على سورية كان واضحاً تماماً أن الصوت المعتدل كان يعاني اتهامات كل الآخرين حوله.
صوت الاعتدال الإسلامي متهم بالكفر من داعش وأخواتها… ومتهم بأنه داعشي متخفٍّ من اللادينيين وغيرهم.
صوت الاعتدال السياسي متهم من كل طرف بأنه ينتظر نهاية المعركة ليقف فيها مع المنتصر.
صوت الاعتدال الاجتماعي متهم بالنفاق والتلون وإعطاء كل طرف ما يريده.
إذا كنا نريد أن نقترب من هذه القضية بموضوعية فعلينا أن ندرك أن ما جرى من معاناة لدى المعتدلين أمر طبيعي جداً، وأن البلد عاش صراع حياة أو موت… صراع بقاء أو فناء.
فإما أن تبقى سورية… وإما أن تتحول إلى شظايا وطن، كل يأخذ حصته منها ويبيعها في السوق الدولية.
ومن هنا فإن صوت الاعتدال أياً كان مصدره لن ينال رضا أحد، ففي تلك الأوقات ينظر إلى صوت الاعتدال على أنه صوت «متهدج» إما من الخيانة وإما من الخوف.
ومع الأسف ما زال البعض وإلى الآن يتعامل مع أصوات الاعتدال والوسط بهذه الصيغة الملتبسة، لكن أيضاً ونحن نسير الآن باتجاه حلول نهائية، فإن أكثر ما نحتاج إليه هو تنامي صوت الاعتدال. وهو الصوت الذي يقف في مكان يدعو فيه للمّ الشمل وعودة سورية وإعمار ما تهدم وبناء ما تخرب من دون أحقاد ومن دون غضب.
وهو أمر أجمعت عليه كل التجارب التي عاشت مثلما عشنا، ففي لحظة ما سيقف الجميع أمام «الخراب» ليتعلموا منه أنه أسوأ ما عملوه وأن عليهم جميعاً أن يزيلوه وألا يكرروه.
من حيث المبدأ…
السوريون بشكل عام ميالون للاعتدال ولديهم القدرة على إدارة الخلافات، وهذا ناتج تاريخي طويل، وما حدث في هذه الحرب أن دولاً كبرى وصغرى شاركت في تخريب سورية، وقد شاركت أيادٍ سورية في عملية التخريب بدوافع مختلفة، معظمها غير قابل للتبرير.
لكن في الوقت ذاته هناك نسبة كبيرة من السوريين يمتلكون حس الاعتدال ولعل ارتفاع صوت الاعتدال، لا أقول يساعد على حل الأزمة بقدر ما يساعد على إشاعة مناخات ثقة بالمجتمع السوري تعيد العواطف إلى سابق عهدها، وتضع بلسماً على الجراح الكثيرة.
السؤال الآن… كيف يمكن نشر ثقافة الاعتدال في المجتمع؟ وهل لدينا حزب سوري اسمه حزب الاعتدال قادر على القيام بدور فعال في المرحلة القادمة؟
قبلا يجب أن نزيل الشبهة بين المعتدل والمنافق وبين المعتدل والمتذبذب… فالاعتدال سلوك دائم وفكر عميق لا يتأثر بالرياح المتقلبة.
ومن هنا لدينا حزب شعبي كبير يؤمن بالاعتدال.. ولدى السوريين قناعات راسخة في جدوى الاعتدال.. فقد عرفت «الشام» بالقدرة على الوسطية والاعتدال ونجحت بذلك.
إن الحاجة لأصوات الاعتدال ملحة في هذه الفترة، والذين يهاجمون أصوات الاعتدال إنما يقدمون خدمة للتطرف، ويساندون الحقد ويغلقون أبواب الأمل.
الذين يهاجمون الاعتدال يحكمون على أنفسهم بالتطرف وبأنهم خارج المزاج الشعبي العام ويقدمون سلاحاً لإيذاء الوطن.

أقوال:
– أنا أطفو على الحياة ولا أعيش فيها.
– التيجان ليست لكل رأس.
– الإنسان معجزة المتناقضات.

Exit mobile version