Site icon صحيفة الوطن

أسعد فضة.. سيرة ذاتية.. وسيرة الفن في بلدٍ بآن واحد … أسعد فضة: أدون هذه المذكرات مستمراً في لعبة الحياة القاسية.. محكوماً بالعمل والعمل والعمل

| سارة سلامة

«الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكره، وكيف يتذكره ليرويه»، هذه المقولة لغابرييل غارسيا ماركيز التي استند إليها الفنان أسعد فضة في كتابه «إطلالة على الذاكرة» الذي يحمل تفاصيل حياته ويبحث في رحلته الطويلة من الطفولة إلى الدراسة والعمل وتقلده مناصب عديدة وتعرفه على رفيقة دربه وتكريمه وشهادات الآخرين به، في مسيرة وخبرة مستمدة لأكثر من نصف قرن، ونرى من خلال هذا الكتاب أنه أراد أن يؤرخ لتاريخ الفن في سورية وليس فقط لسيرته الشخصية، كما يسلط الضوء على أبرز محطات الحياة الفنية والاجتماعية والمسيرة العملية والسيرة الذاتية الكاملة.

تخرّج فضة في المعهد العالي للفنون المسرحية في جامعة القاهرة، وتعددت أعماله بين السينما والدراما وخشبة المسرح، وهو متزوج من الفنانة الراحلة مها الصالح ولديه منها ابنة، من مواليد عام1938 في اللاذقية، وأبرز أعماله كممثل «أبو البنات، الطبيبة، الجوارح، أبو كامل، الموت القادم إلى الشرق، العبابيد، الكواسر، نزار قباني، بيت جدي، أسعد الوراق، الدبور، حارة المشرقة، باب الحارة».
الكتاب الذي صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب، هو على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه يقدم من خلال سيرة حياة الفنان العربي السوري أسعد فضة والمحطات البارزة فيها، ما يشبه سيرة حياتية لفني المسرح والسينما في بلادنا، وتطورهما، ومعاناة العاملين فيهما وانعكاس التغيرات الاجتماعية والسياسية عليهما، يأتي ذلك كله بلغة جميلة، وبصورة شائقة وممتعة تشد القارئ.

محكوم بالعمل
واستهل فضة مقدمة الكتاب قائلاً: «عندما أردت بهذه الإطلالة أن أدون في هذا الكتاب بعض المحطات في مسيرتي الفنية خشية أن يلفها النسيان، وجدت صعوبة في الحوار مع الذات، لأن حواراً من هذا النوع، يتطلب حواراً مع الآخر، حرصاً مني على أن تبقى هذه الذكريات ضمن المجال الفني، ففي تفكيري أن أشرع بكتابة مذكرات أتحدث فيها عن قضايا أعم وأشمل.
وما جاء في هذا الكتاب يمكن أن نسميه «سيرة ذاتية» وهو رحلة في مسيرة حياة صاخبة عشتها بصدق وأمانة، متجاوزاً الوقوف عند أمر كان عليّ أن أفعله ولم أفعله، مركزاً على الأحداث المؤثرة في مسيرتي الفنية التي امتدت زهاء خمسين عاماً.
أدون هذه المذكرات مستمراً في لعبة الحياة القاسية، محكوماً بالعمل والعمل والعمل.

مرت الأيام حبلى بالأحلام
بأسلوب شائق يروي قصة طفولته القروية السعيدة وأيام الدراسة التي بدأ فيها خائفاً مرتبكاً إلى أن بدأ عنده الإصرار وحبه للحياة ويقول «اللاذقية الساحرة سكرى بأناشيد البرق والرعد والمطر، بحرها في كرّ وفرّ، وريفها يزيدها جمالاً وبهاءً، كبر الزمان وكبرنا في حضنها، ولكن ليس لدرجة أن يسمح لأسعد بالتقدم إلى امتحان الشهادة الابتدائية، حيث سنه أصغر من السن القانوني الذي يسمح له بالتقدم إلى الامتحان، ذلك لأنه دخل المدرسة في سن مبكرة عن سن القبول في المدرسة.
وهنا لا بدّ أن ينتظر الدورة القادمة ليحقّ له التقدم إلى امتحان الشهادة الابتدائية.
سلساً خالياً من أي تعقيد تم الأمر، وحصل أسعد على الشهادة الابتدائية، وبدأ التحضير للانتقال إلى ثانوية الكلية الأرثوذكسية الوطنية في اللاذقية، واستأجر بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية.
بفرحة كبيرة التحق أبو السعود بالمدرسة في اللاذقية، مبتهجاً بثيابه الجديدة الأنيقة، واستقلاله بمنزلٍ وقربه من دور السينما التي أدمن على ارتيادها، وكل هذا لم ينسه القرية وأجواءها الساحرة، بكرومها وجداولها وينابيعها ولاسيما «نبع الفوار» المحروس ليلاً من الجان، كما يشاع بين الأهالي.
تتميز منطقة الساحل بطقوس أعيادها، ولاسيما طقس عيد الزهور «عيد الرابع من نيسان»، تحييه العديد من القرى المطلة على البحر، بإقامة حفلات الرقص والغناء وحلقات الدبكة، تستعرض فيها الفتيات جمالهن بملابسهن ذات الألوان الزاهية التي تبدو كأنها باقة من الورود».

وعلى أجنحة الريح ننام
يتحدث عن رفيقة دربه وابنته رامه ويعرج على دخوله المسرح حيث يقول «رامه: أعرّج على حياتي العائلية «أنا ومها»، فقد رزقنا بطفلة جميلة أسميناها «رامه» أدخلت البهجة والسرور إلى حياتنا والفرح والسعادة إلى نفوسنا، ورزقت رامه بولدين «أسعد وسارة» اكتملت بهما فرحتنا وسعادتنا، وتابعت رحلتي، رحلة المشتاق مع المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما.
ونحن نبحر في قارب المسرح، نقف في الميناء عند مسرحية «الملك العاري» لشفارتس، وأصل الحكاية من أدب الأطفال، ملك يستعرض أمام الجمهور والحاشية ثوبه الملكي الجديد، لكنه في الحقيقة عارٍ لا يرتدي شيئاً على جسده، ومع ذلك يصفه المتملقون والخائفون والمتسلقون والمنافقون بأنه ثوب ملكي فاخر، زاهي الألوان، تزينه النقوش والجواهر، إلى أن يصرخ طفل من بين الجميع، الملك عارٍ، إن الملك عارٍ يا أبتِ، ويحاول الأب أن يسكته من دون جدوى، ويظل يردد الملك عارٍ إلى أن ينسحب الملك مسربلاً بخزيه.
وتابعت التفاعل مع المسرح المحليّ ولاسيما مسرح سعد اللـه ونوس في مسرحية «سهرة مع أبي خليل القباني»، ومسرحية «المملوك جابر» لفرقة المسرح الوطني في «فايمار» في ألمانيا بعد أن ترجمها إلى الألمانية الدكتور عادل قره شولي، وسيأتي ذكر هذه المسرحية لاحقاً في الحديث عن الأعمال التي قمت بإخراجها خارج سورية».

التحليق في سماء لونها مختلف
في توثيق للمسرح في سورية يتابع فضة الحديث عن الجوانب التي مرّ بها ويقول: «في مسيرتي مع المسرح مررت بتجربتين مهمتين بالنسبة إلي كمخرج خارج سورية، الأولى مع فرقة المسرح الوطني في مدينة «فايمار»، في ألمانيا الديمقراطية، وطلب الجانب الألماني من وزارة الثقافة في سورية أن ترسل مخرجاً من جانبها ليقوم بإخراج المسرحية، ووقع اختيار وزارة الثقافة عليّ- أنا أسعد فضة- للقيام بهذه المهمة، رتبت أمري فكلفت مصمم الأزياء بتصميم أزياء شخصيات المسرحية وموسيقياً بوضع موسيقا شرقية مع بعض المؤثرات، كل ذلك للاستئناس ووضع الفنانين في فرقة المسرح الوطني في فايمر بجوّ المسرحية، لأنني على يقين بأنهم سيقومون بكل ذلك من خلال رؤيتهم الإبداعية، وتفسيرهم لمضمون المسرحية وهدفها، ومن ثم أناقش ذلك مع المخرج للتوصل إلى الصيغة النهائية وهكذا كان.
وكانت تجربتي في العمل مع هذه الفرقة «فرقة المسرح الوطني في فايمر» من التجارب الغنية في مسيرتي الفنية، ممثلون عمالقة على مستوى عالٍ من الإبداع والحرفية، فنيون مهرة، إدارة متميزة واعية ومتفهمة لأدق تفاصيل العمل المسرحي، ولا أنسى الدور الكبير الذي قامت به المترجمة «روزفيتا» هذه السيدة الجميلة الرقيقة الرائعة فقد كانت صلة الوصل بيني وبين الممثلين وباقي الكوادر الفنية، بارعة في ترجمة أفكاري وتصوراتي عن العمل لأنها تجيد اللغتين العربية والفرنسية وتؤديهما بطلاقة حواراً وكتابة، كانت تلازمني كظلي أثناء التدريبات وخارجها».

الأعمال الإدارية
الكثير من الأعمال والمناصب التي اعتلاها فضة لم تكن لتثنيه عن الفن حيث يقول: «حاولت جاهداً ألا تكون الأعمال الإدارية على حساب أعمالي الفنية، فقد استمرت الأعمال الإدارية منذ عام 1967 لغاية 2006، مديراً للمسرح القومي ثم مديراً لمديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، وخلال فترة إدارتي لهذه المديرية عملت على إنشاء فرقتين فنيتين إضافة إلى الفرق الموجودة وهما فرقة المسرح التجريبي وفرقة زنوبيا للفنون الشعبية إلى جانب فرقة أمية، بحيث تحافظ فرقة أمية على الأصالة في تراث الفنون الشعبية، وتعمل فرقة زنوبيا على تطوير التراث».
يذكر أن الفنان أسعد فضة فاز بعدة جوائز كأفضل ممثل، وجوائز تقديرية من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ومهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، كما تم تكريمه عام 2006 بتسمية صالة المسرح القومي في مدينة اللاذقية باسم «مسرح الفنان أسعد فضة».

Exit mobile version