Site icon صحيفة الوطن

«سوتشي» مقابل «جنيف»

| بيروت – محمد عبيد

كلما حققت سورية وحلفاؤها في محور المقاومة مع الشريك الروسي إنجازاً ميدانياً لإنهاء وجود داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى على الأراضي السورية، ازدحمت الاتصالات بين القوى الدولية والإقليمية المعنية لاستثمار هذا الإنجاز من جهة ولاستيعاب تداعياته من جهة أخرى.
فمحور المقاومة وشريكه الروسي اللذان نجحا في إلحاق الهزيمة بمشروع ما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية» التي استطاعت لفترة زمنية محدودة أن تحتل بعضاً من جانبي الحدود العراقية السورية لتُقيمَ عليها حكماً وفقاً لقوانين بدائية تُحِلُ الحرام وتُحَرِمُ الحلال، صادرة عن ولاة وأمراء جهلة عاثوا فساداً وشرذمة وتقتيلاً في المجتمعين العراقي والسوري، هذا المحور وشريكه يسعيان إلى استثمار هذا الانتصار المفصلي على الضفة السورية بناءً على رؤية سياسية جديدة تعيد تصويب نتائج لقاءات جنيف طبقاً للمتغيرات الميدانية، وتستفيد من إنجازات أستانا كآليات مرحلية لتهدئة موضعية، وتجعل من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 مرجعية أممية يمكن الارتكاز على بعض إيجابياته لتهيئة ظروف ملائمة لمشاركة موسعة لجميع شرائح المجتمع السوري في تعزيز عمل مؤسسات الدولة الدستورية.
هذه المشاركة التي باتت تحكمها الآن معطيات مغايرة لتلك التي حاولت الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض أتباعها فرضها على سورية في بدايات الحرب العدوانية منذ أكثر من سبع سنوات، فلا المنصات التي تتجمع الآن في الرياض وتنشق على نفسها، أثبتت أنها تحظى بتمثيل شعبي يسمح لها أن تكون شريكاً وازناً في صياغة مستقبل الشعب السوري، ولا المجموعات المسلحة المنضوية تحت سقف « مناطق خفض التصعيد» في أستانا أثبتت أن بإمكانها أن توفر الأمن التام والاستقرار للمواطن السوري، ولا ما يسمى المجتمع الدولي الذي تتحكم ببعض مفاصله قوى عدوانية، نجح في إثبات حرصه على مساعدة سورية عبر منع تهريب الإرهابيين إليها وتجفيف مصادر تمويلهم وتسليحهم ورعايتهم.
انطلاقاً من ذلك كله، يبدو المؤتمر الوطني السوري الذي يتم الإعداد لانعقاده في مدينة سوتشي الروسية، بداية نوعية في مسار تأسيس كيانٍ لحوارٍ سوري سوري يضم المكونات الشعبية الفاعلة والملتزمة بمشروع الدولة والمؤمنة بوحدة سورية أرضاً وشعباً، والراغبة بإخراج سورية من هذه الأزمة أكثر قوة وصلابة في مواجهة المشاريع التي تستهدفها.
كان من الطبيعي أن تسعى الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها إلى عرقلة انعقاد هذه المؤتمر، لأن نوعية المشاركين المفترضين فيه وتعدد انتماءاتهم وتوزع انتشارهم المناطقي إضافة إلى صحة تمثيلهم الشعبي، كل ذلك سيثبت عملياً مقولة أن وفود ما يسمى «المعارضة» التي تتنقل في أروقة جنيف، ليست سوى حالة خارجية فوقية لا جذور لها في الواقع الشعبي السوري، وأن صياغة وتوقيع أي اتفاق معها، لا يمكن ترجمته عملياً على الأرض السورية، إنما سيمنح أرباب هؤلاء الوفود من القوى الدولية والإقليمية منفذاً سياسياً مقونناً على الداخل السوري في مرحلة يتم فيها سد المنافذ العسكرية والأمنية الإرهابية كافة المفتوحة على هذا الداخل.
قد تكون لقاءات جنيف مساراً يحظى بحد أدنى من القبول الدولي والإقليمي الذي يهدف إلى الحفاظ على حراك سياسي بموازاة المتغيرات الميدانية الصادمة للمحور الأميركي، إلا أن الاتكال على هذا المسار وحده لإنضاج حل وطني سوري قائم على توفير الفرصة لأوسع مشاركة شعبية وسياسية وحزبية في صياغة هذا الحل، لم يعد منطقياً وواقعياً في الوقت ذاته، خصوصاً أن تحرير معظم الأراضي السورية من سيطرة المجموعات الإرهابية، سمح للمحررين من الشعب السوري ونخبهم ووجهائهم خاصة، بالإعلان عن خياراتهم الوطنية، كذلك أدى إلى فرز الاصطفافات التي رجحت كفة الأغلبية الراغبة باستعادة سيادة الدولة ومؤسساتها على الأراضي السورية جميعها.
إن تسهيل التقدم في صياغة مشتركات، ولو عبر الوسيط الأممي، بين وفد الحكومة السورية الشرعية وبين وفود ما يسمى «المعارضة» في لقاء جنيف المرتقب في الثامن والعشرين من الجاري، وفي اللقاءات المحتملة مستقبلاً، لابد أن يقابله موافقة من المعرقلين مقرونة بتسهيلٍ انعقاد النسخة السياسية الشعبية من الحوار الفعلي والجدي الذي يُعمل على تحقيقه في سوتشي، وإن غير ذلك يعني أن الجهات التي تتحدث عن رغبتها وسعيها ومطالبتها الدائمة بتقديم الحل السياسي على الخيار العسكري إنما تسعى فقط إلى تعقيد الموقف بهدف ابتزاز سورية وإيران وحزب اللـه وروسيا في ملفات أخرى، على الرغم من يقين هذه الجهات أن ساعة إعلان الانتصار الناجز على المشروع الإرهابي ورعاته في سورية بعد العراق تقترب أكثر فأكثر.

Exit mobile version