Site icon صحيفة الوطن

بوتين في سورية وعد ووفى

| عامر نعيم الياس

«وعدتكم بالزيارة وها أنا هنا»، بهذه الكلمات استهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى الجمهورية العربية السورية، أسابيع قليلة على لقاء سوتشي، بين احتضانه للرئيس الأسد فيها وربته على كتفه في حميميم، لا يختلف اثنان على القول إن علاقة التحالف والصداقة بين سورية وروسيا وصلت إلى أعلى مستوياتها، حيث لا تقف الأمور على الاتفاقات الثنائية والبعد التاريخي للعلاقتين الروسية والسورية، بل تتجاوزه إلى صداقة بين رئيسي البلدين، ولهذا أثر لا يمكن إنكاره في العلاقات بين الدول، وخاصةً على مستوى رأسي الهرم.
وصل بوتين سورية ووطأ أرضها في أول زيارة لرئيس دولة غربية عظمى منذ إعلان الحرب على سورية، أعلن النصر من أرض سورية وبرفقة رئيسها، واستعرض على رأس وفد عسكري إنجازات القوات الروسية في سورية، وأمر بسحبها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة في البلاد، وكما كنا نقول دائماً فإن القوات الروسية كما أتت إلى سورية عام 2015، فإنها تعود بالطريقة ذاتها والسلاسة والسرعة بناءً على تقدير القياديتين السياسية والعسكرية في كلا البلدين الحليفين.
بوتين الذي ساهمت بلاده في الجهد العسكري لمقاومة أعداء الدولة السورية، يعود اليوم من بوابة السلام في سورية ومن أرض سورية، وهو ما يتوافق مع دعوة الدولة السورية ورؤيتها للحوار والمصالحة التي يجب أن تتم وتجري وتختتم وتتوّج في سورية بين السوريين أنفسهم.
في دلالات زيارة بوتين المهمة يمكن الإشارة إلى الآتي:
– الرئيس الروسي الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في بلاده أراد في مرحلة ما بعد إعلان النصر للجيش الروسي في أحد أكبر وأهم مهامه الخارجية منذ عقود، أن يقول إن لا التزاماً روسياً طويل الأمد على طريقة وحول أفغانستان، بل إن ما جرى هو مهمة ناجحة لقوات بلاده بأقل الخسائر الممكنة، أعادت الوجه المشرق لروسيا كقوة عظمى قادرة على الإيفاء بوعودها، وضمنت عودة الجنود الروس إلى ذويهم.
– وجّه الرئيس الروسي رسالةً إلى الولايات المتّحدة باتجاهين: الأول، أن القوات في سورية بطريقة غير شرعية، والتي تعتبرها الحكومة السورية بمنزلة الاحتلال ومنها القوات الأميركية، هذه القوات عليها أن تنسحب مع نهاية الحرب على تنظيم داعش الذي يشكل مركز عمل التحالف الأميركي في سورية والعراق، وهذا طبعاً يحمل في طياته رسالة موجهة للقوات الخاصة الغربية الأخرى كافة، وفي مقدّمها القوات البريطانية والفرنسية التي تعمل مع الأكراد في سورية وبعض الميليشيات المسلحة في جنوبي سورية. الثاني، أن الرئيس الروسي كان واضحاً بأن «الإرهابيين سيلقون ما لم يعهدوه من قبل» إن استغلوا أي فراغ قد يتركه انسحاب القوات الروسية الإضافية من سورية، وفي هذا رسالة موجهة إلى مشغل أذرع الإرهاب في سورية كافة وهو البيت الأبيض، فالحسم سيكون شاملاً إن تم الاستمرار في سياسة فرض المطالب التعجيزية وعرقلة الحل السياسي في سورية.
– المرحلة اليوم هي للسياسة في سورية، وبهذا المعنى فإننا أمام حلٍّ يجب أن يتم الإسراع في الاتفاق عليه، وهذا الحل لا يمكن أن يستند إلى فرضية قدرة القوات الروسية على ضبط مصالح حلفائها في سورية ميدانياً، بل إن الأمر يجب أن يتم في سياق اتفاق سلام سوري سوري ترعاه الأمم المتحدة وتوافق عليه القوى الإقليمية وتضمن تنفيذه والالتزام به كلّ من روسيا والولايات المتّحدة الأميركية.
– حتى الكيان الصهيوني يواجه استحقاقات ما بعد الانسحاب الروسي من سورية، فالاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية بحجة منع «إيران وحزب الله» من الوجود في سورية، لم تعد القوات الروسية قادرة على ضبط أي تطورٍ للأمور إن خرجت عن نطاق السيطرة، ومن ثم يجب التعقل وإعادة الحسابات ودعم العملية السياسية وفق معطيات الأمر الواقع الميداني.
– الجمهورية العربية السورية دولة ذات سيادة، ودولة مؤسسات على الجميع التعامل معها على هذا الأساس، ومن ثم فإن طريق دمشق التي تنفض عنها الإرهاب أصبح سالكاً وعنوانه قصر الشعب.

Exit mobile version