Site icon صحيفة الوطن

إستراتيجية ترامب: قوة مهيمنة ترد على المتحدين

| أنس وهيب الكردي

انكبت معظم دوائر صنع القرار في العالم على دراسة إستراتيجية الأمن القومي التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام، وستحدد معالم سياسته الخارجية خلال ما تبقى من عمر رئاسته.
اللافت في الإستراتيجية ليس مفرداتها وتوجهاتها النهائية، بل الاعتقاد الكامن وراءها والذي صيغت رداً عليه، وهو أن اللحظة التي سيبدأ فيها المنافسون بتحدي الولايات المتحدة مرت منذ زمن بعيد، وأن واشنطن قد تأخرت كثيراً في صياغة إستراتيجية لكبحهم، وبالتالي، لا تخرج إستراتيجية ترامب للأمن القومي، عن كونها الرد الأكثر تقليدية لقوة مهيمنة في النظام الدولي تخشى من أن يراكمن منافساتها النفوذ والقوة اللازمين من أجل تحدي هيمنتها العالمية.
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، أدرك القادة الأميركيون أن مرحلة القطب الأوحد لا يمكن أن تستمر، وأن السنن العالمية في العلاقات الدولية، ستؤدي إلى ظهور منافسين لذلك القطب، لكنهم قدموا استجابات مختلفة لهذا الإدراك، وسعى الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، وبدرجة أعلى الرئيس بيل كلينتون، إلى بناء منظومة عالمية تروج للمفاهيم الأميركية حول السوق الحرة، والليبرالية، والديمقراطية والاعتمادية الاقتصادية المتبادلة من أجل ترسيخ الهيمنة الأميركية «الناعمة» على الشؤون الدولية وجلب المنافسين إلى الميدان الذي تسيطر عليه واشنطن بالكامل.
في المقابل، رعى الرئيس جورج بوش الابن نموذجاً عارياً من التدخلات العسكرية فارضاً على القوى العالمية القبول بهيمنة أميركية فظة على منظومة العلاقات الدولية، على حين صمم الرئيس باراك أوباما منهجاً مبتكراً استهدف تمكين واشنطن من تشكيل الإجماع الدولي، داعياً القوى الدولية إلى السير وراء القيادة الأميركية للسياسات العالمية، وتلاقت هذه المقاربات المختلفة على تحقيق غاية واحدة، هي: المحافظة على الولايات المتحدة قوة أولى في المنظومة الدولية، وبفرق كبير عن أقرب منافسيها.
لكن ترامب وإداراته عمدا إلى إعادة النظر في إستراتيجيات أسلافه، التي رعت مجموعة مؤسسات، وقوانين ومعايير، أسست لبناء منظومة عالمية تكون واشنطن في قلبها، وقطب الرحى فيها.
الإستراتيجية التي صاغها مستشارو الرئيس الأميركي تبتعد عن تلك المقاربات، وتكشف أن واشنطن ما عادت راغبة في انتهاج سياسات قد يستفيد منها أقرب منافسيها، وأنها ستشتق سياسات تصب في فائدتها وحدها، من دون باقي العالم، ويقف وراء اللهجة المتشددة لإستراتيجية ترامب للأمن القومي وصياغتها، مسؤولون ذوو خلفيات عسكرية وأمنية يحملون توجهات واقعية ومتشائمة على حد السواء.
هذه الإستراتيجية التي تعمل على منع الخصم من اكتساب المزيد من القوة، وتعظم قيم التنافس الدولي، لا بد أن تؤدي بواشنطن إلى إعادة النظر بالكثير من اتفاقات التجارة الدولية الحرة، وأن تقودها إلى ممارسة المزيد من الضغوط على حلفائها بهدف ثنيهم عن اتخاذ خطوات، أو منعهم من الاستمرار في إجراءات من شأنه أن تفيد منافسي الولايات المتحدة.
إدارة ترامب، وهي تتحضر لإستراتيجية حربية من هذا النوع، تفتتح مرحلة جديدة من التسابق بين القوى الكبرى على الموارد والأسلحة، وتزيد بالتالي من المخاطر التي تتهدد العالم، فمع احتداد مستوى التنافس الدولي الذي تذكي ناره واشنطن، ستجد كل القوى الكبرى نفسها أمام تحديات سباق جديد.
هذا التنافس الدولي الذي سيشهده العالم في السنوات الثلاث التالية لإدارة ترامب، سينعكس سلباً على الجهود الحالية لتسوية الأزمات الدولية مثل أزمات سورية، اليمن، أوكرانيا، كوريا الديمقراطية، بل ربما تنعكس التوترات على المستوى الدولي سلباً على التهدئات والحلول المؤقتة، التي تشهدها بعض الساحات مثل أوكرانيا وسورية.

Exit mobile version