Site icon صحيفة الوطن

القبض على «غصن الزيتون»

| سامر علي ضاحي

إن العملية العسكرية التركية على عفرين ما هي إلا عدوان سافر على الأراضي السورية، أياً كانت الجهات الدولية التي تم التنسيق معها مسبقاً، وما إطلاق هيئة الأركان التركية على العملية اسم «غصن الزيتون» سوى محاولة للتغطية على معاني العدوان.
ولا يمكن التنصل من أن من تعتدي عليهم تركيا ما هم إلا مواطنون سوريون في أغلبيتهم، لكن ذنبهم الكبير أنهم تحالفوا يوماً مع الأميركي ضد مصلحة بلادهم العليا بعدما قدمت لهم بلاد العم سام كل وعود الربيع وزهوره، ثم ومع أول رصاصة تركية تخلت عنهم، وقد يعودون لاحقاً عن الذنب.
لم يرتدع الأكراد حين حذرتهم موسكو من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وطلبت منهم تسليم مناطقهم للجيش السوري، فركبوا رأسهم، وصولاً إلى ما وصلوا عليه، ولكن في المقابل، من غير المحتمل أن يستطيعوا مقارعة العدوان التركي وحدهم ما لم تنبر الإدارة الأميركية الحالية لدعمهم، وخاصة في ظل التوقع بأن «غصن الزيتون» لن تقتصر على عفرين، إنما سيعمد الجيش التركي إلى مناوشة «قوات سورية الديمقراطية – قسد» على كامل مناطق انتشارها شمالاً منعاً لإمكانية التحشد الكردي ضده في عفرين أولاً، ولإيصال رسالة شديدة اللهجة إلى أكراد تركيا ثانياً، تكبحهم عن التحرك لنصرة أكراد سورية، مع الأخذ بالحسبان أن أنقرة تجري مشاورات مع بغداد لعملية مشتركة في جبل سنجار شمالي العراق، وعدم توقع امتداد عملية عفرين إلى منبج لإرضاء المصلحة الأميركية حالياً.
في ضوء الإنهاك التركي للقوى الكردية شمالاً في سورية والعراق، وعدم توقع تحرك كردي في جنوب تركيا، والتفاتاً إلى ما أظهره المقاتلون الأكراد من بسالة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي واستطاعوا ردعه عن معقلهم الأساس في عين العرب كوباني أقصى شمال حلب، فإن «غصن الزيتون» لن تكون سريعة وخاطفة كما يأمل أردوغان، إنما قد تدخل جيشه بمستنقع الشمال السوري ولن يقدر على الانسحاب بسهولة كما فعل في عدوانه السابق «درع الفرات»، مما سيدفعها لاحقاً للبحث عن مخرج سياسي من المأزق.
بالنظر إلى مسارات الحل السياسي للأزمة، فإن مسار أستانا هو الميدان الأكثر ترجيحاً لنقل المأزق التركي إليه، إذا ما خمنا بأن مسار سوتشي سيستكمل في الداخل السوري ولن يكون لأنقرة فرصة طرح «عفرين» فيه، بالتالي سيسعى الأتراك في جولات أستانا المقبلة إلى فرض بحث ترتيبات عفرين مقابل قبولهم عرضاً روسياً محتملاً إزاء مشاركة أطراف كردية في مسار سوتشي، وإقرار بالمصالح الأميركية التي تمنع جيش تركيا من الاقتراب من منبج أو حتى محافظة الرقة.
ولن يجد الأتراك عرضاً لتقديمه سوى سيطرة للجيش السوري على المناطق الشمالية في حلب وضمنها عفرين، على أن تحتفظ أنقرة لميليشياتها بالجزء الغربي من الشمال الحلبي، مؤقتاً، وستسعى بشكل كبير لتسويق مقترح كهذا لدى الأميركيين وسيكون العرض السوري للأكراد حينها بإدارة محلية لا مركزية وهذا أبرز ما يمكن تقديمه لهم.
السيناريو السابق يبقى مرجحاً لأن تركيا حريصة أشد الحرص على كسر شوكة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، لكنها في المقابل ونزولاً عند مصالح واشنطن، قد تقبل بعدم بحث ملف الرقة لما بعد الانتهاء من ملف عفرين، من دون أن توقف عدوانها في تلك المناطق.
وأياً كانت التوقعات فليس خفياً أن الجيش السوري لم يخرج عن عادته في اقتناص التحولات الداخلية والدولية لمصلحته، فاستغل العدوان التركي ونقل أنقرة آلافاً من مقاتلي الفصائل المسلحة من إدلب إلى عفرين تاركين خلفهم فراغاً يستثمره الجيش أحسن استثمار، وفي حال انتشاره لاحقاً في عفرين يكون قد قبض على عملية «غصن الزيتون»، لأن أنقره لن تمانع انتشاره على حدودها لكونه جهة مسؤولة تستطيع ضبط الحدود وليس الأكراد فقط.

 

Exit mobile version