Site icon صحيفة الوطن

بين الشاهدين

| د. اسكندر لوقــا

في عام 1934، تلقت أكاديمية العلوم في باريس، من رئيس البعثة الأثرية أندريه بارو، تقريرا جاء فيه أنه عثر على موقع مدينة ماري في تل الحريري وهي، كما نعلم، المدينة التي دمرها حمورابي ملك بابل.
وكما أفادت التقارير اللاحقة للتقرير السابق أن عدداً من البدو كانوا يحفرون التل الواقع على بعد بضعة كيلومترات شمال مدينة البوكمال بحثا عن حجر لاستعماله كشاهد على قبر، عثروا على جذع تمثال غير كامل ومن دون رأس، فسمي فيما بعد باسم تمثال كابان نسبة إلى الضابط الذي وضع يده عليه وأعلم السلطات عنه.
قبع التمثال في إحدى زوايا المتحف الوطني في حلب، وتصدر من حيث الأهمية العديد من محتويات المتحف لأنه كان المفتاح لدخول تاريخ مدينة ماري ومعرفة حضارتها في القرن الثامن قبل الميلاد.
ومعروف أن رئيس البعثة الأثرية أندريه بارو منح في عام 1975 وسام الاستحقاق السوري تكريما له وتقديرا للجهود التي بذلها طوال أربعين عاماً في التنقيب عن آثار ماري وإبراز دور بلادنا الحضاري.
ترى، ونحن نقرأ هذه المعلومة ونمعن النظر في تداعياتها في الوقت الحاضر ماذا توحي إلينا؟
باختصار، تخيلوا إنسانا غريبا عن أرض وطننا يقضي نصف قرن تقريباً من حياته في خدمة بلدنا دفاعا عن حضارتنا، وتخيلوا أناسا آخرين، حتى من داخل بلدنا، يعتدون على آثارنا التي تروي حكاية وطن هو رمز لحضارة عريقة على مدى التاريخ، وأصدروا حكمهم عليها بالتدمير والتشويه.
أندريه بارو رجل سلام وحضارة، وآخر رجل حرب جاءنا بأدوات تدمير أوابدنا بدافع الاعتداء على أقدم مدن عرفها التاريخ بقيت آهلة بسكانها.
إن جريمة الاعتداء على آثارنا، لن يغفر التاريخ لمرتكبيها مهما طال الزمن، ومهما بذل المجرمون من جهد للقضاء على حضارة سورية، فإن صفحات التاريخ ستبقى تذكر أن سورية كانت، كما كانت مدينة ماري، مفتاح دخول إلى تاريخ وفر للبشرية ألقها في أزمنة كانت غارقة فيها في العتمة.
وكذلك ستبقى سورية رغم ما لحق ويلحق بها من أذى في سياق الحرب الظالمة التي شنّت عليها في الزمن الراهن بين شاهدين على حضارتها، أحدهما لجهة الإشادة بها بالكشف والدفاع عن أوابدها والآخر لجهة طمس معالمها الحضارية بارتكاب مختلف أنواع الجرائم بشاعة التي عرفتها البشرية على مدى سنوات التاريخ.

Exit mobile version