Site icon صحيفة الوطن

أبرز محطات رعاة الإرهاب في العراق واستدارتهم المشبوهة الأخيرة

| أحمد ضيف اللـه

كان من اللافت أن تعتبر السعودية قيام تنظيم داعش باجتياح مساحات واسعة من الأراضي العراقية في حزيران 2014، بأنها «ثورة شعبية»، جاءت نتيجة «السياسات الإقصائية» لرئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي. وهو ما دعا وزير الخارجية العراقية آنذاك هوشيار زيباري للقول في ختام اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية العرب في جدة في الـ18 من حزيران 2014: «التقيت الأمير مقرن بن عبد العزيز (ولي العهد السعودي) والأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية السعودي) ورسالتنا أن المطلوب حالياً من الجميع الوقوف مع العراق ضد الإرهاب وأن تكون الرسالة ايجابية وليست سلبية ومحصورة في مسألة السلبيات مثل الطائفية والإقصاء والتهميش»، مضيفاً «بحثنا هذا الموضوع مع القيادة السعودية بوضوح وبصراحة طالبنا مساعدتنا والكف عن هذا الإعلام التحريضي… هناك بعض الفتاوى التي تكفّر وتدعم ما يحصل قائلة إنه ثورة أو انتفاضة»، مشيراً إلى أنه «إذاً القاعدة أو (داعش) تعمل ثورة، فمبروك على من يعتبرها كذلك».
وعلى حين قال وزير الخارجية القطري خالد العطية أمام مؤتمر (قمة مجموعة الـ77 + الصين) في بوليفيا في الـ15 من حزيران 2014: إن الهجمات على مدينة الموصل تأتي «نتيجة عوامل سلبية تراكمت على مدى سنوات»، داعياً السلطات العراقية إلى «ضرورة الالتفات إلى مطالب قطاعات كبيرة من الشعب لا تنشد سوى المساواة والمشاركة، بعيداً عن كل أشكال التمييز الطائفي أو المذهبي».
أعربت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان لها بتاريخ الـ18 من حزيران 2014 عن «بالغ قلقها من استمرار السياسات الإقصائية والطائفية والمهمشة لمكونات أساسية من الشعب العراقي الكريم»، مضيفاً: إن «الوزارة ترى أن هذا النهج يساهم في تأجيج الأوضاع ويكرس مساراً سياسياً يعزز من الاحتقان السياسي والنزيف الأمني على الساحة العراقية».
وبتاريخ الـ16 من تموز 2014، احتضنت المملكة الأردنية الهاشمية برعاية ملكية، ودعم سعودي وقطري، مؤتمراً في (فندق الإنتركونتننتال) بعمان تحت شعار (مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق)، كان من بين الحاضرين قيادات بارزة من تنظيم داعش في العراق.
على حين نشرت دولة الإمارات العربية في الـ15 من تشرين الثاني 2014 قائمة تضم (83 مجموعة) صنفتها على أنها إرهابية، كان معظمها من القوى المنضوية في الحشد الشعبي الذي قاتل تنظيم داعش..
وفي أسوأ مواقف عدائي تجاه العراق، وتدخل سافر بشؤونه الداخلية. وفي مسعى لتقسيم العراق وشق صفه الوطني. نظمت قطر مؤتمراً لمعارضي العملية السياسية في الدوحة يومي الثاني والثالث من شهر أيلول 2015، حضره قادة فصائل إرهابية مسلحة، إضافة إلى مشاركة وزير خارجية قطر وسفراء السعودية والإمارات والكويت والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ومساعده، بالمؤتمر.
ولم تمض عشرة أيام على تسليم السفير السعودي ثامر السبهان أوراق اعتماده الديبلوماسية في الـ14 من كانون الثاني 2016، حتى اتهم قوات الحشد الشعبي بأنها «ميليشيا طائفية»، وبأنها مسؤولة عن «مجازر ارتكبتها في مناطق، وبالذات في الأنبار وغيرها»، مكرراً هذه الاتهامات مرات عدة. ما أجبر وزارة الخارجية العراقية على استدعائه أكثر من مرة، قبل أن تطلب استبداله بشكل رسمي بتاريخ الـ28 من آب 2016.
كذلك رعت ذات الدول الداعمة للإرهاب مؤتمراً في جنيف السويسرية خلال الفترة 15-16 من شهر شباط 2017، تحت عنوان (إغاثة المناطق والمدن المتضررة من الإرهاب)، كان في حقيقته مؤتمراً لإنضاج مشروع إقامة إقليم سُنّي، بدعمٍ أميركي.
تلا ذلك رعايتهم لمؤتمر آخر في أنقرة بتاريخ الـ7 من آذار 2017، كان من أبرز الحاضرين فيه الملحق العسكري للسفارة القطرية في تركيا. ثم مؤتمر آخر في أنقرة أيضاً بتاريخ الـ13من حزيران2017 بمباركة الإدارة الأميركية، بهدف «توحيد الرؤى السنيّة»، لتحجيم الدور الإيراني في العراق والمنطقة.
كذلك وجدت السعودية والإمارات في إصرار إقليم كردستان على إجراء الاستفتاء والانفصال عن العراق، مدخلاً للعب دورٍ أكبر في الملف العراقي، لتحقيق حضورٍ أقوى في المشهد المتداخل والمعقّد، حيث كان من اللافت أن الإعلام في كلا البلدين، وخاصة السعودي، كان يبدي بشكل ملتوٍ تأييده ورضاه لخطوة الاستفتاء، ويروج لها، من خلال تغطيتهم للحدث، إذ أفردت الصحف، صفحات من أعدادها لنشر تقارير ومقالات تعريفية بالإقليم ومدنه وتاريخه ومساجده وقياداته. ونشروا مقابلات خاصة ومطولة مع رئيس الإقليم مسعود البرزاني، الذي تناول «المآسي التي تعرض لها الأكراد»، وحقهم في الاستقلال.
وما إن لاحت بوادر هزيمة تنظيم داعش، وانتقال العراق بحكم ذلك إلى مرحلة إعادة الإعمار. حتى بدأت السعودية وفريقها الخليجي بانتهاج سياسة مغايرة لسلوكها الداعم والممول للإرهاب في العراق بعد فشله. مبدلة سياسة تفريخ الإرهاب وتصدير الانتحاريين والتحريض الطائفي. مستبدلة شعار (الدفاع عن أهل السنّة بوجه المد الصفوي)، بشعار (حفظ عروبة العراق من التدخل الفارسي) بأدوات ناعمة، مدخلها الانفتاح على الدولة العراقية وساسته من الشيعة خصوصاً، لتثبيت موقعها كلاعب محوري في مواجهة إيران، محولة خطابها من ديني تحريضي إلى قومي عربي. معتقدة أنها بذلك تغسل يدها من أوزار عقد كامل من الدماء والفتن، شكّل التحريض وتدفق الانتحاريين معلمَيه الرئيسين.
فبعد زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بغداد في 25 شباط 2017، وهي الأولى من نوعها منذ 14 عاماً. قام رئيس الوزراء حيدر العبادي بزيارة الرياض في 19 حزيران 2017 هي الأولى منذ تسلمه منصبه نهاية عام 2014. وبعد زيارة رئيس الأركان السعودي العراق في 20 تموز2017، لبى مقتدى الصدر بتاريخ الـ30 من تموز2017، دعوة رسمية لزيارة الرياض ومن ثم الإمارات بتاريخ الـ13 من آب 2017 في سياق حراك للتقارب بين البلدين.
وفيما عملت السعودية على صعيد التقارب الاقتصادي والاستثمارات، بإعادة افتتاح المنفذين الحدودين (عرعر وجميمة)، والتشغيل التجريبي لخطوط الطيران بين العاصمتين، وقيام الشركة السعودية للصناعات الأساسية البتروكيماوية وشركة التصنيع وخدمات الطاقة السعودية، وشركات أخرى بإعادة افتتاح مكاتبها في العراق.
عمدت أيضاً على الصعيد الثقافي بدفع شعراء سعوديون للمشاركة في (مهرجان المربد الشعري) في الـ7 من شباط الماضي، تلاه زيارة وفد إعلامي سعودي ضم رؤساء تحرير صحف رسمية للعراق. ومن ثم إقامة مباراة ودية بكرة القدم بين المنتخبين السعودي والعراقي في ملعب (جذع النخلة) في محافظة البصرة في الـ28 من شباط الماضي. تلاها إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز، إهداء العراق ملعباً لكرة القدم.
ووسط الهجمة السعودية الجديدة المشبوهة على بلاد الرافدين، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال زيارته لمصر في 4 آذار 2018، إن بلاده «تمكنت من محاصرة النظام الإيراني في كل مكان»، و«باتت تمتلك التأثير في بعض الدول العربية، ومنها العراق».
إذاً، بهذا النحو، تتبلور الإستراتيجية السعودية – الخليجية الجديدة البديلة في العراق، بعد سنوات من الإخفاقات المتتالية. إستراتيجية تعتمد على اختراق البيت العراقي، وتخريبه من الداخل، كمدخل لتهشيم كل عناصر القوة التي تمكن العراق من مراكمتها خلال السنوات الأخيرة الماضية، وفي مقدمها منظومة الحشد الشعبي، بالتحول من خطابٍ مذهبيٍّ طائفي، إلى خطابٍ عروبي، ما يتيح لرعاة الإرهاب الاستمرار في محاربة قوى المقاومة، ومحورها، على أرض بلاد الرافدين.
كلام ابن سلمان هو تلخيص لما يدور في العقل السعودي وفريقه الخليجي – الأردني تجاه استمرار النهج في التآمر على العراق والتدخل بشؤونه، ولكن بأدوات ناعمة هذه المرة. متناسياً أن لدى العراقيين ذاكرة قوية وحية تجاههم يصعب محوها بسرعة وسهولة. منذ أن ورطوا صدام حسين في خوض حرب ضروس مع إيران الثورة دامت ثمانية سنوات، دمرت من خلالها مقدرات البلدين الاقتصادية والبشرية، حتى الآن. والعراقيون لن يغفروا لملوك الحركة الوهابية إكتواءهم بنار الإرهاب وبمشاهد الرؤوس المقطوعة، ومنظر سيل الدماء الغزيرة التي سالت بفضل «مملكة الخير» منذ عام 2003 وحتى الآن. إنها ذكرى حية ستظل ما دامت مملكة آل ـسعود قائمة.

Exit mobile version