Site icon صحيفة الوطن

ذوو القبعات البيضاء.. فصل آخر من الخداع والتضليل والإجرام

| أ. د. محمد أشرف البيومي

لا تتورع قوى الهيمنة الآن وسابقاً عن استخدام كافة الوسائل الملتوية والإجرامية لتحقيق مآربها للتحكم في الشعوب ونهب ثرواتها، كما أن هذا الخداع يمتد ويشمل شعوبها. ومن هذه الوسائل خلق منظمات تحت رداء إنساني وهي في الواقع منظمات مخربة وتابعة لأجهزة المخابرات الغربية وتتبني مواقف عدوانية مثل «أطباء من دون حدود» التي أسسها برنارد كوشنر الذي تبنى فكرة التدخل «الإنساني» المسلح ودافع عن ضرب ليبيا. بالطبع هناك منظمات إنسانية فعالة ولكن المنظمات الخبيثة التي تخفي عدوانيتها تحت رداء الإنسانية تضر بالعمل الإنساني عموماً بالإضافة لتخريبها المباشر.

الفصل الجديد عنوانه «القبعات البيضاء» والمنتج المخابرات الأميركية وأدواتها والمخرج عناصر أجنبية وعربية متواطئة والتوزيع والدعاية الماكينة الدولية الإعلامية والمشاهدين ينقسمون إلي فئة جاهزة لتصديق الفيلم، وتقع فريسة للدعاية المغرضة، وفئة أخري لدغت مراراً من قبل وتعلمت من دروس الماضي فتولد لديها مناعة تحميها من الأكاذيب والالتواء.

سمعنا من قبل عن الجنود العراقيين الذين خطفوا أطفالاً من الحاضنات في الكويت فتبين أن شاهدة العيان هي ابنة السفير الكويتي في واشنطن ولم تكن في الكويت أصلاً وأن شركة دعاية أميركية اسمها هيل ونولتون Hill & Knowlton هي التي قامت بفبركة الخبر نظير عائد مالي. سمعنا عن المسحوق الأبيض الذي عرضه كولن باول في الأمم المتحدة والذي سيقتل مئات الألوف، وعن أسلحة دمار شامل يملكه العراق وجب التخلص منها ومن ثم «اضطرت» الولايات المتحدة الأميركية «حامية الحرية والديمقراطية» أن تحتل العراق وتدمره وتنهبه. ومن قبل قيل إن فيتنام الشمالية شر مطبق علي الإنسانية وأن الشعب الفيتنامي لا يحق له أن يحرر أرضه من المحتلين ويوحد بلاده التي قسمت قصراً. وكان العدوان الأميركي بأبشع صوره من استخدام النابالم لقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال، والسلاح الكيميائي لتدمير الغابات وحرقها. انفضحت هذه الأكاذيب والعشرات مثلها ولكن بعد أن حققت أهدافها في التوقيت المطلوب.

الفصل الذي نحن بصدده يتحلي برداء الإنسانية وعناصره يرتدون اللون الأبيض وينتشرون كالملائكة ينقذون البشر والأطفال من وسط الدمار الذي يلحقه النظام السوري «قاتل شعبه». وتنطلق الآلة الإعلامية الغربية فتبرز الصور للطفل عمران وكيف أن القبعات البيضاء قد أنقذت سبعين ألفاً من المواطنين السوريين عبر ثلاث سنوات، حسب تغريدات المنظمة، بمعدل 65 يومياً. وتنشر فيلماً حصل على الأوسكار كما علت أصواتاً تدعو لدعم هؤلاء «الأبطال» الذين يستحقون جائزة نوبل، ويصدق المغفلون.

في المقابل هناك الكثير من الحقائق الدامغة والمتاحة التي تكشف ذوي القبعات البيضاء كأداة للعدوان وتفضح دورهم الإجرامي. أقدم نبذة عن هذه المعلومات المستقاة من دراسة Jan Oberg منشورة Punch، 4 Nov 2016 Counter والتي تحتوي علي مراجع عديدة وأيضاً موقع القبعات البيضاء نفسه والتي تدعوا في صفحتها الأولي للتوقيع من أجل إقامة مناطق حظر جوي، بما يتنافي تماماً مع قاعدة حياد المنظمات الإنسانية. ومن المصادر الهامة مقال لماكس بلومنثال المعروف بمؤلفاته منها كتاب: Goliath، Republican Gomorrah،.

حقائق حول «ذو القبعات البيضاء»

اسم المنظمة: الدفاع المدني السوريSCD وهو نفس اسم الدفاع المدني التابع للدولة السورية واسم الشهرة «ذو القبعات البيضاء» ومن البجاحة استخدامها آية قرآنية للتضليل «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» Motto: «To save a life is to save all humanity.
نشأة المنظمة: بدأت المنظمة جيمس لو ميزوريه James Le Mesurier وهو يتمتع بخبرة في مجال القوات الخاصة والمخابرات. عقد اجتماع في آذار 2013 باسطنبول تركيا إحدى الدول المتآمرة والمعتدية على سورية جمع ممثلين من الهلال الأحمر القطري والمجلس الوطني السوري الذي عين رعد صالح وفاروق حبيب لمساعدة ليمسريير في عمله. أنشئت المنظمة بالتعاون مع «مكتب المبادرات الانتقالية» في الوكالة الأميركية للتنمية USAID – الجناح الذي عزز تغيير النظام في جميع أنحاء العالم – وقد زودت بمبلغ 23 مليون في التمويل.

التمويل ومصادره: كقاعدة ذهبية «إذا أردت معرفة التبعية الحقيقية لأي منظمة، ابحث عن مصدر تمويلها». تقدر الميزانية السنوية بثلاثين مليون دولار وأن ما حصلت عليه حتى الآن هو مائة مليون دولار. ورد بصفحة التعريف نفسها «أنها تتلقى التمويل من ميزانيات المساعدات من اليابان، والدانمرك، وهولندا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. «هذه الدول نفسها تعلن أن هدفها إسقاط النظام السوري بل وتشارك في العدوان علي سورية».

يجيء التمويل الهائل أيضاً من قبل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي عبر شيمونكس Chemonics وهي شركة خاصة للتنمية الدولية بأميركا. التمويل يشمل الحكومة الكندية عمليات الاستقرار والسلام، الحكومة الدنماركية والألمانية ووكالة العلاقات الدولية اليابانية ووزارات الخارجية بهولندا ونيوزيلاندا ووكالة التنمية الدولية الأميركية USAID على الأقل 23 مليون دولار من 2013 حتى 2016 وصندوق الاستقرار الآمن بالمملكة المتحدة CSSF من 2012 حتى 2015 علما بأن التمويل ازداد بعد ذلك.

دعم المنظمة: قامت دول أوروبية غربية وأميركا واليابان بتدريب وتمويل وتأييد القبعات البيضاء كذلك العديد من المنظمات «غير الحكومية» مثل منظمة البحث والإنقاذ التركية «اكوت» AKUT ومؤسسة Mayday Rescue Foundation ومؤسسة ARK الدولية ومقرها اسطنبول لتسهيل انتقال المتطوعين إلى الداخل السوري. دعم من الدول المعادية لسورية عزز العلاقات مع دوائر مخابراتية بريطانية ومؤسسات عسكرية مرتزقة.
الدور المزدوج: تحت غطاء التطوع لإنقاذ الناس عملت المنظمة للدعوة بهيئة الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى من أجل فرض مناطق الحظر الجوي ولاتهام الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيمائي. تزعم القبعات البيضاء «بأن براميل المتفجرة والتي تحتوي أحياناً علي الكلور هي أكبر قاتل للمدنيين في سورية «ولذلك وجب على مجلس الأمن أن يمنع استخدام البراميل المتفجرة وفرض مناطق نزع سلاح عند الضرورة. أكد رعد صالح رئيس القبعات البيضاء، أنه يمتلك الأدلة على استخدام الحكومة السورية السلاح الكيميائي. وفي نفس الوقت يؤكد رعد صالح أن المنظمة محايدة ولا تتدخل في السياسة.

الدعاية: حملة دعائية ضخمة وعلاقات عامة وكأنها حزب سياسي أو منتج استهلاكي. فيلم وثائقي Netflix عام 2016 فاز بأوسكار. فيلم لصحفي دينماركي مع فيراس فايد ومركز حلب الإعلامي «آخر الرجال في حلب» فاز بجائزة Sundance Film Festival لعام 2017. عرض بقناة الجزيرة يزعم فيه إنقاذ 56 ألف مواطن سوري. محرر صحيفة الجارديان البريطانية: «أعطوا جائزة نوبل للقبعات البيضاء». كانت صوفي ماكنيل المتحمسة للقبعات البيضاء والمراسلة بهيئة الإذاعة الأسترالية والتي كانت من أوائل نشر الصورة الشهيرة للطفل عمران داقنيش 5 سنوات والذي يجري استخراجه من تحت أنقاض مبنى سكني بشرق حلب.
تصريحات لشخصيات بارزة معادية لسورية وتطالب بإسقاط النظام: لورا روزنبرج المستشارة لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة علي التويتر وفي صحيفة Wall Street Journal تمجد القبعات البيضاء بأنهم «الفرسان البيض».

وسرعان ما أرسلت هيلاري كلينتون علي التويتر تأييدها وفي 22 تشرين الأول 2017 أعلن جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق «شرفني مقابلة مسؤولي القبعات البيضاء نشطاء حلب» واصفاً إياهم «بالشجعان». قال فريدريك هوف المشرف علي حفل استقبال للمنظمة مستشار سابق لهيلاري كلينتون كمبعوث وزارة الخارجية الأميركية منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط، قال هوف «إن تركيزه بالنسبة لسورية ودافعه هو «هزيمة حزب الله» وسيدتها إيران» وفي نفس الوقت يقول» بالطبع نحن منظمة غير منحازة وغير سياسية». «لا نأخذ جانباً سياسياً ولكن موقفنا هو أن منطقة حظر الطيران ستوقف المعاناة، والتدمير». ياللتناقض الصارخ!

تزوير: فيلم إنقاذ مزور اعتذرت المنظمة عنه بعد فضحه عبر فيديو صورته جهات حكومية سورية كما أوقفت المنظمة عضواً ساهم مع مسلحين في دفن جثث لجنود الجيش العربي السوري بعد تشويهها. لم يتم ذلك إلا بعد فضح الحادث. يقتصر عمل المنظمة علي أماكن إرهابيين ومسلحين والتي تقيم علاقات مشبوهة معهم.
آراء منددة بالمنظمة: تحدث «كريس هيدجز»، الفائز بجائزة بوليتزر، عن «أيديولوجيا وهمية لنشر الخير والديمقراطية، والحرية والسلام، وأعطى ذوي الخوذات البيضاء كمثال عن الدور الجيد المزعوم وصنع الأوهام… وفي نفس الوقت تملأ جيوب القليلة في المجمع العسكري الصناعي الإعلامي الأكاديمي MIMAC.

وكان الصحفي الفرنسي بيير لو كورف أكد العام الماضي في رسالة وجهها إلى الرئيس الفرنسي أن هذه الجماعة المسماة «الخوذ البيضاء» تزعم بأنها تقوم بعمليات إغاثة في النهار لكن أعضاءها يعملون إرهابيين في الليل على حين كشفت منظمة أطباء سويديين من أجل حقوق الإنسان المستقلة في تقرير لها العام الماضي أن هذه الجماعة ارتكبت جرائم مروعة بحق السوريين وقتلت أطفالاً أبرياء عمداً من أجل تصويرهم في مشاهد مفبركة حول هجوم كيميائي مزعوم في المناطق السورية.

وأوضحت الصحفية البريطانية فانيسا بيلي أن «الخوذ البيضاء» فبركت ما وصفته «دليل باول» على وقوع هجمات بالأسلحة الكيميائية وغيرها من الفظائع المزعومة التي تدعي أن الجيش السوري نفذها ومن ثم تعمل هذه المجموعة على استخدامها كذريعة في قضية التدخل. وقالت بيلي: إنه «غالباً ما يثبت لاحقاً أن من نظم هذه الهجمات أو نفذها هم ما تسمى قوات المعارضة مشيرة إلى أنه «وعلاوة على ذلك تم إثبات أن مجموعة الخوذ البيضاء قامت مراراً وتكرارا بتقطيع صور ومقاطع فيديو لعمليات الإنقاذ وعرض لقطات فيديو تم تحريرها بشكل يحرف المحتوى الخاص بها كما أنها تعيد استخدام لقطات قديمة مراراً وتكراراً».
أظن أن القناع الإنساني قد سقط تماماً.

 

Exit mobile version