Site icon صحيفة الوطن

قمة سنغافورة

| عبد المنعم علي عيسى

تحصل أم لا تحصل، ذلك هو السؤال الذي طغى على مناخات السياسة الدولية وكذا الإعلامية والدبلوماسية، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري عن إلغاء قمته مع نظيره الكوري الديمقراطي المزمع عقدها يوم الثاني عشر من حزيران المقبل، وإن كان، أي ترامب، قد ترك الباب مفتوحاً تحسباً لإمكان هبوب رياح اللقاء ثانية، وربما كان لديه يقين، مبني على معلومات، يؤكد له أن تلك الرياح سوف تهب حتماً من جديد، لكن اللافت هو أن الأسباب المعلنة التي دفعت بترامب إلى إلغاء القمة لا تبدو مقنعة أو أنها على الأقل ليست كافية للذهاب نحو ذلك المآل، وخصوصاً أن بيونغ يانغ كانت قد سارعت إلى إظهار حسن نياتها وآخر خطواتها في هذا السياق كان الإعلان عن تدمير موقع «بونغي ري» النووي في اليوم نفسه لقرار ترامب بإلغاء القمة، وما جرى تسويقه لتبرير الإلغاء هو «الخطاب العدائي» الذي تعتمده كوريا تجاه الولايات المتحدة، وتحديداً منه تصريحات نائبة وزير الخارجية الكورية تشوي سون هون التي قالت في يوم تفجير موقع «بونغي ري» النووي نفسه: «إذا تمسكت الولايات المتحدة بالإساءة إلى نياتها الحسنة وتمسكت بتصرفات غير قانونية ومشينة سأتقدم باقتراح إلى قيادتي العليا لإعادة النظر بالقمة»، ومن الواضح أن ما هدف إليه التصريح السابق هو الداخل الكوري بدرجة أكبر بكثير مما هو موجه إلى الأميركيين على الرغم من أن مفرداته تبرز التركيز عليهم، وهو يرمي إلى شد عصب الشارع الكوري أو لترسيخ قاعدة مهمة لديه بأن بيونغ يانغ لم تذهب مكرهة إلى ما ذهبت إليه ولا تزال الخيارات المتاحة عديدة أمامها.
إذا ما اتفقنا على أن أسباب الإلغاء غير مقنعة لابد من أن نجيب عن سؤال مهم هو: إذاً لماذا ألغى ترامب القمة مع نظيره الكوري؟
في محاولة الإجابة يمكن القول إن حالة من فقدان الثقة عارمة هي التي تحكم العلاقة الأميركية الكورية، وهذا أمر طبيعي قياساً إلى حالة العداء الطويلة والممتدة إلى ما يقرب من سبعة عقود، وهذه الحالة تجعل من درجة الحساسية المتولدة عنها تجاه أي فعل أو رد فعل يصدر عن أحد الطرفين عالية جداً والردود عليها تأتي في الغالب غير مسوغة أو من النوع الذي لا تحتمله المعطيات، فكيف الأمر إذا ما صدقت تقارير غربية؟، و«الغارديان» نقلته عن مصدر لكنها لم تتبنه، فيما ذكرته بعد إلغاء ترامب للقمة حين قالت: إن هذا الأخير كان قد لمس توجهاً لدى نظيره الكوري بإلغاء القمة معه بعدما وضعت بيونغ يانغ يدها على محاولة فاشلة لتسميم الزعيم الكوري في الأسبوع السابق للإلغاء والمتهم فيها هو CIA بالتأكيد. أما لماذا استعادت الأمور مجراها السابق بما فيها إمكان حدوث القمة في مكانها وزمانها المحددين مسبقاً؟ وهو ما يمكن رصده في العديد من الخطوات التي كان آخرها وصول فريق دبلوماسي أميركي إلى بيونغ يانغ يوم الإثنين السابق لمتابعة أعمال القمة.
من الممكن القول إنه ونظراً للحاجة الملحة لكلا الطرفين لذلك اللقاء فقد كان القرار لدى كليهما أن من الأفضل تجاوز ما جرى وخصوصاً أن التقرير الغربي سابق الذكر يقول إن بيونغ يانغ قد حملت في النهاية الاستخبارات الأميركية مسؤولية تلك المحاولة التي قد لا يكون ترامب على علم بها إطلاقاً، فالكوريون يريدون كسر الحصار بأي ثمن كما يبدو، أما ترامب فهو ينظر إلى لقائه المرتقب مع كيم جونغ أون على أنه قاربه الوحيد الذي يمكن أن يوصله إلى جائزة نوبل للسلام أسوة بسلفه السابق باراك أوباما الذي يسعى إلى نسف تراثه وسياساته من جذورها وهو لن يكون على الدرجة نفسها من الندية ما لم يحصل هو الآخر على تلك الجائزة، والجدير ذكره هو أن الأكاديمية السويدية المانحة كانت قد أعلنت مؤخراً عن تأجيل منح الجائزة لهذا العام بذريعة وجود خلافات بين أفرادها بعد خروج مسلسل الفضائح الجنسية إلى العلن، في مؤشر ارتأى فيه العديدون أن ما قامت به الأكاديمية لم يكن يهدف إلا إلى إعطاء ترامب فرصة إضافية يمكن له من خلالها إعادة ترتيب أوراقه والذهاب معاً مع الزعيم الكوري إلى سنغافورة.

Exit mobile version