Site icon صحيفة الوطن

المعركة بأشكال أخرى

| تحسين الحلبي

لم تتوقف الإدارات الأميركية منذ احتلالها لأفغانستان والعراق مع بداية الألفية الثالثة، عن الاحتفاظ بصلاتها السرية بجميع المجموعات الإرهابية التي تتخذ من الفكر الوهابي المتشدد راية وسلاحاً في كل نشاطاتها، فمنظمة «القاعدة» التي زعمت الإدارات الأميركية أنها هزمتها في أفغانستان، بقيت في جدول عمل الاهتمام الأميركي المخابراتي والسري، قابلة للانتقال من كابول إلى دول أخرى مثل العراق بعد عام 2003 ثم إلى سورية بعد أن ولّدت «القاعدة» عشرات المجموعات الإرهابية التكفيرية تحت إشراف المخابرات الأميركية المركزية الـ«سي آي إي» بأسماء كان أبرزها وأكبرها حجماً «داعش» و«جبهة النصرة».
إن عملية استنساخ الإرهاب الأميركي ضد كل شعوب المنطقة وإفريقيا وآسيا لم تتوقف، فالولايات المتحدة تجد فيه أفضل استثمار إمبريالي سياسي واقتصادي وعسكري في تاريخ الحروب المعاصرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وكتلته الدولية، والتمويل الموجه لعملية «الاستنساخ» تقدمه قاعدة الفكر الوهابي، العائلة المالكة السعودية، من أموال نفط الشعب السعودي إضافة إلى تقديمها لخطابه الوهابي وتوجيه عملياته ضد كل دولة تناهض سياسة الهيمنة الأميركية وتدعم المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ومشاريعه التوسعية.
من خلال هذه السياسة أوجدت الإدارات الأميركية جيوشاً من الإرهابيين للقيام بمهام جيوش القوى الاستعمارية وكانت المستفيد الأكبر من انتشار المجموعات الإرهابية في كل مجالات الاحتلال والاقتصاد وبيع السلاح وفرض النفوذ.
ولذلك لن تتخلى واشنطن عن هذه السياسة إلا حين تنعدم أرباحها وفوائدها ومصالحها منها وهذا ما يثبته تاريخ تدخلها ونشاطها الإرهابي السري في بلدان كثيرة منذ الستينيات والسبعينيات في أميركا اللاتينية وفي فيتنام، وهذا ما جعلها تنسحب مع ثلاث قوى أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في عام 1983 حين ثبت لها أن الثمن الذي ستدفعه في لبنان في ذلك العام بعد استهداف المقاومة اللبنانية لقوات المارينز سيكون باهظاً جداً في بيئة سياسية وديموغرافية شعبية لبنانية مناهضة ومعادية لدورها في لبنان، وهي حين سحبت قواتها من العراق في 18 كانون الأول 2011 كانت تدرك أن جيش الإرهابيين الذي سيحل محل جيشها لزعزعة استقرار العراق واحتلال مدنه سيكون قد تشكل من مجموعات «القاعدة» الجديدة باسم «داعش» التي احتلت عام 2014 مدناً وبلدات في العراق وكذلك في سورية.
نسخة «داعش» كانت معدة من واشنطن مثلما أصبحت نسخة «داعش» معدة من قلب «القاعدة» والمجموعات المماثلة لها في الفكر والإرهاب، ولذلك لا يستبعد الكثيرون أن تقوم وكالات المخابرات الأميركية بمساعدة المخابرات السعودية والإسرائيلية بمحاولة استنساخ مجموعات من كل المنظمات التكفيرية الإرهابية التي هزمها الجيش العربي السوري والجيش العراقي وحلفاؤهما في الميدان، تتولى اتباع شكل جديد من أشكال العمل على قاعدة الفكر الإرهابي نفسه ما دامت واشنطن لن تدفع دولاراً واحداً لهذه المجموعات المستنسخة لأن أموال النفط السعودي هي المخصصة لخدمة هذه الأعمال الإرهابية الأميركية.
وقد لاحظت كل وسائل الإعلام المرئية والصحفية كيف كانت وحدات عسكرية أميركية تقوم بتهريب قادة مجموعات «داعش» من المناطق التي بدأت تسقط بأيدي الجيش العربي السوري.
يرى باتريك كوكبيرن في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن عام 2018 سيشهد محاولات تقوم فيها «داعش» بإرسال قادة مجموعاتها إلى مناطق مثل أفغانستان واليمن وسيناء وليبيا بعد هزيمتها في سورية والعراق لإعادة بناء صفوفها في مناطق يسود فيها نوع من عدم الاستقرار.
وهذا يعني أن «داعش» و«القاعدة» ستلجآن إلى العمل بشكل مختلف في دول مثل سورية والعراق بعد هزيمتهما فيهما ما دام الدعم المالي لهما سراً لم يتوقف من دول مثل السعودية وقطر وتركيا بأسماء جديدة وليس بالأسماء نفسها، وهذا ما تثبته تجربة نشوء مجموعات «النصرة» ومجموعات أخرى أقل حجماً وستتوقف عملية زيادة حجمها على كمية الدعم المالي التي ستصل إليها من الدول الراعية لهذا الإرهاب.
المعركة ضد الإرهاب التكفيري ستتخذ بالضرورة أشكالاً جديدة ما دامت الدعوة لاستنساخ مجموعات إرهابية جديدة ستظل على جدول عمل الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة.

Exit mobile version