Site icon صحيفة الوطن

السعودية تحاول «إغلاء» ثمنها وتركيا تشاغب … قطار «دبلوماسية التسويات» ينطلق من نسق إقليمي أول «يمهد» الطريق لانضمام الرياض وأنقرة وباكورته لقاء بوغدانوف بالسفيرين المصري والأردني

كنان محمد صقر :

يبدو أن قطار الجهود الإقليمية لإيجاد صيغة تترجم المزاج العالمي الميال نحو تسوية سياسية للأزمة في سورية ما زال على سكته الصحيحة ولو لم يتحرك فعلياً بعد، فعلى الرغم من عامل الممانعة السعودي- التركي، خصوصاً بعد تصريحات وزير خارجية آل سعود عادل الجبير من العاصمة الروسية والتي بينت أن الفجوة ورغم أنها لا تزال كبيرة مع السعوديين، إلا أن ذلك قد يكون أحد أوجه سياسات إعلاء السقف و«رفع الثمن» من قبلهم، خصوصاً أن ذلك يتزامن مع اتباع تركيا نفس السياسة بحديثها المتواصل وإصرارها على إقامة «منطقة آمنة» شمال سورية حتى وصل بها الأمر الادعاء بموافقة واشنطن على ذلك، لتسارع الأخيرة وتنفي وجود اتفاق كهذا، ما يشير باستمرار رغبة واشنطن انتظار الجهود الروسية عساها تثمر إنجازاً يكون استكمالاً لمزاج التسويات المتولد بعد الاتفاق النووي الإيراني. من هنا يبدو أن الحديث عن فتح قنوات مع نسق دول إقليمية -غير تركيا والسعودية- قد تكون مرحلة أولى جيدة وخطوة في الطريق الصحيح عملت على تسويقها الجهود العمانية الأخيرة، لتكون مرحلة أولى وعاملاً مساعداً في فتح ثغرات بالموقف السعودي المتعنت -حتى الآن-، وهنا يدور الحديث عن مجموعة دول تعمل على فتح قنوات اتصال مع دمشق للوصول إلى إعادة فتح سفاراتها فيها وعلى رأسها الإمارات ومصر والأردن والكويت وعمان والجزائر والعراق. ترجمة هذا الكلام ظهر جلياً أمس بلقاء جمع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع السفيرين المصري لدى موسكو محمد البدري والأردني زياد المجالي لبحث تطورات الأوضاع في سورية، فاللقاء كان بطلب من الجانب المصري، لتستكمل موسكو بذلك دائرة اتصالاتها التي لم تغير مجراها تصريحات الجبير، فموسكو ما تزال محجة وفود المعارضات السورية حالياً، وهي كذلك المحطة الأخيرة لجولة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإقليمية، التي شملت «محور المقاومة» أكثر من كونها زيارة دبلوماسية بروتوكولية، في رسالة واضحة أن الدعم لم ولن يتوقف لا بعد الاتفاق النووي ولا قبله، فكان لقاء ظريف بوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في بيروت شقها الدبلوماسي، أما لقاؤه بأمين عام حزب اللـه السيد حسن نصر اللـه فكانت رسالتها المضمنة وعنوانها الحقيقي، ليصل ظريف بعدها مباشرة إلى دمشق ويكمل منها خط رسالته لتكون أبلغ رد على «مراهقات» السعودية وتركيا بأن المحور ما يزال قوياً، ولن يتمكن إرهابي كزهران علوش اعترف قبل أيام بضعف تنظيمه الإرهابي «جيش الإسلام» أمام الجيش العربي السوري من تغيير معادلتها وإغلاء ثمن السعودية حتى ولو استهدف العاصمة دمشق بعشرات القذائف والصواريخ ليترجم لنا -رغم معرفتنا وثقتنا- أن أميره السعودي خرج غاضباً ولم يسمع كلاماً يرضيه في العاصمة الروسية بل يبدو أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -وهو الخبير بذلك- أفهمه بشكل واضح حقيقة حجمه و«سعره».
إذاً على المتابع اليوم التركيز على «النسق الإقليمي الأول» -إذا صح التعبير- أكثر من التركيز على السعودية وبدرجة أقل تركيا التي يبدو أن مشاغباتها تواصل تخفيض سعرها لدى حليفها الأميركي. ومن أولى تحركات هذا النسق كان طلب سفير مصر في موسكو لقاء بوغدانوف، ليأتي هذا اللقاء قبل سلسلة من اللقاءات المقررة اليوم وغداً في موسكو مع جهات معارضة سورية تشمل «لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة – 2» ووفداً من «الائتلاف» المعارض يضم رئيسه خالد خوجة.
وجاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية تعليقاً على لقاء بوغدانوف والسفير المصري أمس أنه: «جرى خلال اللقاء تبادل للآراء حول القضايا الملحة في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على التطورات في سورية وحولها»، وفق وكالة «تاس» الروسية للأنباء.
وفي وقت لاحق اجتمع بوغدانوف مع السفير الأردني لدى موسكو زياد المجالي، وذكرت الخارجية الروسية أن الجانبين تبادلا الآراء حول الملفات الملحة في منطقة الشرق الأوسط بما فيها تطورات الأوضاع في سورية والعراق وكذلك القضية الفلسطينية. وأردفت الوزارة أن بوغدانوف والمجالي تطرقا إلى «بعض المسائل المتعلقة باستمرار تطوير الحوار السياسي الروسي الأردني».
وفي الإطار ذاته يبدو أن إيران اختارت أمس توجيه رسالة للسعودية ولتصريحات وزير خارجيتها «الهاربة من القرون الوسطى» كما وصفتها دمشق، بأن الحل في سورية لا يجب أن يعتمد على الإرهاب أسلوباً لتحقيق أهداف سياسية. الرسالة أتت على لسان المدير العام لدائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقية بوزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري الذي جدد تأكيده أن الحل في سورية لا يمكن أن يكون عسكرياً، مبيناً أن الجهود الإيرانية لإيجاد حل للأزمة فيها تقوم على إجراء حوار سوري سوري ويقتصر دور الدول الأخرى على دعم الحلول الداخلية. وأوضح أنصاري في تصريح لوكالة أنباء «فارس» الإيرانية شبه الرسمية، نقلته وكالة «سانا»، أن إيران تعتمد على ثلاثة أسس فيما يخص حل الأزمة في سورية، أولها أن الشعب السوري هو من يحدد مصيره بنفسه، وثانيها رفض أي تدخلات أجنبية ترمي للانتقام من سورية بسبب سياساتها الإقليمية المستقلة ودعمها للمقاومة، وثالثها ألا يعتمد الحل على الإرهاب أسلوباً لتحقيق أهداف سياسية.
وأشار أنصاري إلى أن بلاده تأمل أن يكون لساسة وزعماء دول المنطقة رؤية مختلفة حيال الأوضاع المتأزمة في المنطقة ولاسيما في سورية والعدول عن سياساتهم السابقة وإصلاحها، موضحاً أنه لا ينبغي لأي بلد أن يضع شروطاً مسبقة لإيجاد حلول سياسية للأزمات.
وعن دور «النسق الأول» وتحديداً الدور العماني، قال أنصاري: «إن سلطنة عمان بذلت جهوداً خلال الأعوام الماضية واعتمدت سياسات مستقلة للقيام بدور الوسيط وأداء دور مساند للاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية».
وبشأن موقف إيران من التعاون مع النظام السعودي لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، قال المسؤول الإيراني: إن «سياسات طهران واضحة بهذا الشأن حيث أننا أكدنا جاهزيتنا للتعاون في هذا السياق ودعونا السعوديين إلى الحوار منذ عامين إلا أنهم يتهربون من هذا الموضوع». وفي النهاية يمكن القول: «إن العمل على تقسيم الجهد الإقليمي على نسقين والانطلاق بالعمل على الأول، ربما لن يجعل هروب الرياض يطول ويبتعد كثيراً».

Exit mobile version