Site icon صحيفة الوطن

التحدي الأول والأخطر

| حسن م. يوسف 

أعتقد أن التعليم في بلادنا هو التحدي الأول والأخطر، فكل نقاط الضعف في بنياننا الوطني كانت ناجمة عن خلل في التربية والتعليم، وقد سبق لي أن قلت إننا لو أنفقنا نصف تكاليف هذه الحرب على الارتقاء بالتعليم لما تمكن أعداء وطننا من تضليل الجهلة وتحويلهم إلى خناجر غدر في ظهر وطنهم.
وانطلاقاً من قناعتي بأهمية التعليم وكيفية النهوض به أود أن أكرس هذا المقال للحديث عن تجربة فنلندا التي حققت نهضة تعليمية مدهشة جعلتها الأولى في التعليم عالمياً عام 2015 وفقاً لتقرير التنافسية العالمية في جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
يقول الفنلنديون: إن نهضتهم التعليمية لها سبعة أسباب هي: احترام التعليم كجزء من الهوية، اختيار المدرسين بعناية شديدة بحيث لا يصل إلى هذه الوظيفة إلا الموهوبون والأكثر حماسة، التركيز على عمق المضمون المدروس لا على كميته. عدم الفصل بين الطلاب على أساس مستواهم التعليمي. بناء علاقة متينة بين المعلم والطالب. المساواة بين الطلاب. ارتفاع نسبة المقبلين على الجامعة.
أثار احتلال فنلندا للمرتبة الأولى في جودة التعليم عام 2015 اهتمام المخرج السينمائي الأميركي مايكل مور، فسافر إلى فنلندا بحثاً عن السر، وخاصة أن المدارس الفنلندية كانت قبل سنوات، على حد قوله «سيئة بقدر المدارس الأميركية». ظهر مور في فيلمه «أين الغزوة التالية؟» الذي أنتجه وأخرجه عام 2015 وهو يطرح سؤاله على وزيرة التعليم الفنلندية كريستين كيورو، فتجيبه ببساطة: إن الطلاب الفنلنديين ليست لديهم واجبات منزلية، لأن التلاميذ يجب أن يتوافر لهم وقت أطول كي يكونوا أطفالاً وشباناً يستمتعون بالحياة. في إحدى المدارس الثانوية يقول له المدير: «إن مصطلح (الواجب المنزلي) كله قد أصبح شيئاً من الماضي، فالطلاب لديهم أشياء كثيرة للقيام بها بعد المدرسة، كأن يكونوا معاً أو مع العائلة، وأن يلعبوا الرياضة أو أن ينصرفوا للقراءة أو الموسيقا».
يكتشف مور من خلال اللقاءات التي يجريها أن مجموع الحصص في المدرسة الفنلندية، لا يزيد على عشرين حصة في الأسبوع، من بينها الساعة التي تخصص لتناول الغداء داخل المدرسة مع المعلمين. وهذا يعني أن طلاب فنلندا لديهم أقصر يوم دراسي وأقصر فصل دراسي في العالم الغربي، رغم ذلك فهم يحققون نتائج أفضل بالذهاب إلى المدرسة لمدة أقل!
تقول إحدى المعلمات: إن الغاية من المدرسة هي أن تساعدك في العثور على طريقة تتعلم من خلالها كيف تكون سعيداً.
يكتشف مور أنه ليس في فنلندا مدارس للمتميزين، فكل المدارس هناك متساوية ومن غير المشروع افتتاح مدارس خاصة تتقاضى رسوماً دراسية. لهذا يحرص الأغنياء على أن تكون المدارس العامة التي يدرس فيها أبناؤهم، رائعة. تقول إحدى المعلمات: نحاول أن نعلمهم التفكير المستقل، وأن يكون لهم موقف نقدي مما يتعلمونه.
المفاجئ أن أستاذ مادة الرياضيات يقول: «نحاول أن نعلمهم كيف يكونوا أشخاصاً سعداء، أن يحترموا الآخرين وأن يحترموا أنفسهم».
وينهي مور الفصل الذي خصصه لموضوع التعليم في فنلندا، بلقاء مع مديرة إحدى المدارس تقول فيه مبررة قلة الحصص الدراسية: «متى سيكون لديهم وقت للعب والتواصل مع أصدقائهم وأن يكبروا ككائنات بشرية، لأنه في هذه الحياة أشياء أكثر بكثير من مجرد المجيء إلى المدرسة».
أيها السادة في وزارة التربية والتعليم أرجوكم حاولوا الاستفادة من التجربة الفنلندية.

Exit mobile version