Site icon صحيفة الوطن

تريدُ أن تُغيّرنا الحياة…

رانيا كرباج : 

تريدُ أن تُغيّرنا الحياة، تحمل مطرقتها والمعوَل تدقُّ فينا وتحفر، إمّا أن نستجيب لضرباتها ونُظهر لها أجمل ما لدينا، فنقترب مع كلّ ضربة من تلكَ التحفة الإنسانية الموجودة في داخلنا، وإما أن نرفض التغيير فلا نجد في محاولاتها سوى المزيد المزيد من الألم.
ضرباتُ الحياة ما هي إلا التجربة، يقولونَ لا تُدخلنا في التجارب وأقول أدخِلنا إلهي في التجربة ولكن في النهاية نجِّنا، أن ننجو من التجربة يعني أن نتعلّم منها وهو ما يزيدنا وعياً وبالتالي محبة، ما يزيدنا قوّة ويُعينُنا على الدخولِ في غيرها، ، هذا ما يسمّونه نمواً، وهو الغاية القصوى لوجودنا هنا على هذه الأرض، أن ننمو ونتعلّم.
مع الأسف مهما كنّا مادةً مرنة قادرة على الفهم والتأقلم فإننا سنعيشُ الألم، الألم هو من طبيعةِ الحياة، لكن هناك ألمٌ يدفعنا كي نتغيّر ونعبر إلى فضاءاتنا الأرحب، يشدّنا من يدنا إلى واحاتٍ أكثر فرحاً، وألمٌ آخر يجرّنا باستمرار نحو الأسفل لنعيش في مستنقعاتنا المملوءة بالأحزانِ والأحقادِ والشرور، ألمٌ يأخذنا إلى ولادة وآخر يكتفي بالموت، ما علينا سوى أن نختار، وهذا سرٌّ من أسرار حرّيتنا أو بالأحرى جوهر حريتنا، فالإنسانُ مخلوقٌ كي يختار وموجود كي يدفع ثمن خياراته.
لنتأمّل قليلاً قصّة النجوم، أولا تعيش تفجّراتها الداخلية بمعنى أنها تعيشُ ألمها لتحّوله في النهاية إلى نور يواسي ليلنا.
ولننظر إلى تلكَ الشجرة وهي تزهو بثمارها الشهيّة، من دون أن ننسى كل فصول الألم التي عبرتها إلى أن وصلت إلى غايتها الجميلة.
تبدأ المشكلة، مشكلة الإنسان مع الألم عندما يرفضه، بمعنى آخر يرفض أن يحاوره، أن يفهمه، ويتعلّم منه، يعتقد أنه جيدٌ هكذا، أنه كاملٌ ولا يحتاجُ إلى أيّ إضافة، فبدل أن يخرج في كلّ مرّة منتصراً من آلامه مُكلّلاً بمزيدٍ من الوعي، يغرق فيها لتتحوّل إلى إحساسٍ مزمنٍ يرافقه، أو في أفضل الأحوال يتمكن من الهرب منها عبر الطريق الأسهل فيُعلّقها على شمّاعةِ الخارج، طبعاً الخارج الظالم المُظلم غير الجدير بالثقة.
هكذا ينأى بنفسه عن تجربة الحياة، يختبئ منها خلف الكثير الكثير من المعتقداتِ والأقنعة، وأحياناً كي لا تطوله، يبني برجاً عالياً من الأفكار والمبادئ المثالية، يجلسُ فيه متعالياً عن الواقع، يعيش الموت كي يتفادى معركةَ الحياة.
هذا الإنسان لا ينمو إنّما يزداد تصلّباً فقط، وقد يزدادُ شرّاً ويتطرّف في مواقفه وآرائه، يذهبُ بعيداً في الدفاعِ عنها، بعيداً حتى التضحية بحياته أو بحياة الآخرين، فقط كي لا يضطر إلى المواجهة، مواجهة ضعفه ورفضه العميق للحياة وعملها فيه.
نعم هناك ما هو إيجابي في الألم ويستحقُّ أن نبحث عنه، فالحياة لا تتجدّد وتستمرّ دونه، هو مخاض لا بدّ أن نعبره أحياناً، ولكنّنا كما قلت في البداية أحرار، أحرار في أن نختار الطريقة التي نواجه بها آلامنا، هذه الطريقة هي هوّيتنا وهي التي ستحدّد من نحن أو من سنكون، أعتقد أن هذا أهم خياراتنا والباقي تفاصيل، أهم خياراتنا لأننا من خلاله إما سنقول نعم لنحّات الحياة ونمشي معه نحو مزيدٍ من الجمال وإما نقول لا لنبقى عالقين نتخبّط في دوّامة آلامنا وتشوّهاتنا.

Exit mobile version