Site icon صحيفة الوطن

قصة عميد الفنانيين السوريين الذي أقعده المرض والشيخوخة … محمد ناجي عبيد لـ«الوطن»: اتحاد الفنانين التشكيليين والنقابة لم يسألوا عني رغم أني مؤسس ورقم هويتي«4»

| سوسن صيداوي

لا يمكن الرهان على ظروف الحياة، ولا يمكن توّقع ما هو آتٍ في النصيب ومقدّر، وما هو مقسوم لنا، فلا شيء يدوم وكل شيء ماضٍ إلى الزوال، لهذا علينا توخي الحذر أكثر ومراعاة ما قدّر لنا، مع فتح أعيننا على حقيقة دائمة ولا يمكن لأي ظرف زعزعتها.. قف هنا… فكلنا إنسان. اليوم ونحن نخرج من هذه الحرب اللعينة، الباقي لكم من إنسانيتكم حافظوا عليه، واكتفوا بتقديم العون لأخيكم الإنسان الذي يعاني من ظروف كانت أقوى منه.. لا تكتفوا بالتباكي.. بل ابتعدوا عن غرور الظهور الزائل، وساعدوا، وخاصة أنكم أصحاب قرار وقادرون، ومن واجبكم، بحكم عملكم الوظيفي السعي لتقديم العون في هذا الوقت الذي يحتاج إلى لملمتنا جميعا. ربما حتى اللحظة الكثير منكم لم يدرك عما نتكلم -باستثناء نظره للصور والعنوان- نعم يا سادة… بعد أن انتشرت صور الفنان المعّمر محمد ناجي عبيد في الأوساط الفيسبوكية، وبين التباكي وتراشق الاتهامات والتعييب بعدم تحمّل المسؤولية، نحن«الـوطن» ذهبنا لنرى حال الفنان، ومن هناك إليكم حقيقة الصورة التي قيل معها إن الفنان يدور شوارع دمشق كي يشحد، بل تابعوا حقيقة الألم الموجع والمرارة الذي تخبئه الصورة خلفها.. إلى التفاصيل

في الرواية

على الرغم من إرادة الفنان ناجي عبيد القوية وحبه للحياة إلا أن الطبيعة الجسدية تحكم المرء مع التقدم في سنينه، فإدراكه كامل ووعيه تام لكل ما يدور حوله، وسمعه جيد، إلا أن جسده خانه وهو يعاني اليوم من أمراض الكهولة وكان أصيب بنزيف حاد في الجهاز البولي، وعلى أثره يجب نقله المباشر إلى المستشفى كي يتلقى الإسعافات الضرورية، وبين الخوف ورهبة الموقف والسعي للاتصال بالجهات المختصة أو المعنية، كان القرار لمهاتفة الهلال الأحمر، وعندما طلبت زوجة الفنان (رغدا قاسم) سيارة إسعاف، جاء الجواب البارد واللامبالي وبحسب قول الزوجة «نحن لسنا عتّالين عندك، استأجري سيارة أجرة، ودعي الجيران يضعوه على كرسي وينزلوه». مع الانتباه إلى نقطة مهمة هي أن الزوجة شرحت تماما وضع الفنان لأنه رجل متقدم بالعمر وفي أثناء وعكته لا يستطيع الجلوس، إضافة إلى أن إنزاله على درج سلّم البناء ليس بالأمر السهل، وبعد ترّجي الزوجة العميق والإسهاب في الشرح كان جواب موظف الهلال الأحمر ببساطة، بتسكير سماعة الهاتف بوجهها. وحتى عند اتصالها بـ(110) لطلب سيارة إسعاف، قالت إنهم يطالبون بأجرة السيارة على الرغم من أن الإسعاف حكومي وتابع للدولة، هذا إن استجابوا للاتصال. بعد الانتهاء من مرحلة النقل للمشفى بدأت المعاناة بإمكانية إدخال الفنان ناجي عبيد إلى المشفى-مشفى الأسد الجامعي ومشفى ابن النفيس. الجهتان رفضتا استقبال المريض وتتابع الزوجة هنا «على الرغم من أنه كان يتلقى العلاج في مشفى الأسد الجامعي، عند دكتور الصدرية ودكتور القلبية، ولديه إضبارة، حتى إنه كان يبقى في المشفى ذاته ليالي للمعالجة أثناء وعكاته الصحية، فمن خلال إضبارته تتم متابعة حالته الصحية، لكن الطبيبة في الإسعاف رفضت استقباله، وطالبتني بورقة… فقلت لها إن لديه إضبارة، ويمكن الرجوع إليها عبر الكمبيوتر، وهذا الكلام كان بين الساعة العاشرة والحادية عشرة ليلاً، وعندما طلبت منها أن تبقيه بالإسعاف وتقدم له العلاج اللازم، قالت الدكتورة: «يمكنني ذلك وسأقدم له العلاج مقابل المال، ولكن عليك أن تذهبي به إلى مشفى آخر، لأنه لا يوجد في المشفى أسرّة متاحة ولا غرف فارغة»، لم ترض الدكتورة إبقاءه في الإسعاف حتى الصباح». وحول كيف تمت المساعدة وإدخال الفنان عبيد لأحد المشافي الخاصة في دمشق تتابع: «الأستاذ مايك فغالي تدّخل من لبنان، وتابعنا عبر الهاتف باتصالاته الملحة للسؤال عن أحوال الفنان ناجي، ابتداءً من تأمين سيارة الإسعاف- في هذا الوقت لم يرد علينا أحد من الجهات المعنية سواء في الوزارة أم في النقابة- هو كلف مشكوراً شخصاً اسمه «جورج»، واتصل فغالي مع وزير السياحة بشر اليازجي، الأخير الذي اتصل بي مباشرة، حيث طلب مني الاتصال بأشخاص في انتظاري في الهلال الأحمر وفي غضون عشر دقائق جاءت سيارة الإسعاف. الفضل اليوم في سلامة ناجي عبيد لوزير السياحة بشر يازجي وللصديق مايك فغالي، الذي لم يتركنا رغم أنه في لبنان ولو عشر دقائق بلا اتصال حتى اليوم، على حين في بلدنا هنا، لم يتصل بنا أحد سواء من وزارة الثقافة أو اتحاد الفنانين التشكيليين». وعما أصاب الفنان تتابع الزوجة «لقد تحمّل الفنان ناجي وجعا كبيراً حيث قمنا له بعملية تجريف في الجهاز البولي من دون أي تخدير، فالآلام التي تعرض لها لا يمكن تحمّلها، والصورة التي انتشرت عبر الإنترنت، كانت لنا ونحن نجلس في الشارع عند مشفى ابن النفيس لأنهم لم يسمحوا لنا بالدخول، بل طلبوا منا بكل قلب بارد بأن نذهب، وفي الصباح الباكر من اليوم التالي نعود ونقف على الدور كي ندخل. على الرغم من تعرضه للنزف الشديد لم يدخلوه إلى قسم الإسعاف، هذا ما حصل مع الفنان ناجي عبيد وهو في هذا المركز، وهنا أقول المواطن البسيط العادي الذي لا يتمتع بأي مركز أو منصب أو حتى بمكانة ماذا سيفعل بحاله، وكيف سيكون وضعه لو تعرض لهذا الموقف؟. وبصراحة ما يؤلمني هو أن الكثير من السوريين المغتربين راسلونا وطلبوا منا أن نُرسل لهم جواز السفر، كي يقوموا بعلاجه على حسابهم الخاص، وهنا أسأل أين هم أولاد البلد وهو ابن بلدهم؟».

الفنان ناجي عبيد في كلمته
في غمرة كلام مترابط وصوت يملؤه الأسى الكبير بما آلت إليه حاله من حاجة يقول الفنان التشكيلي محمد ناجي عبيد «أنا توّلد عام1918يعني عمري مئة عام، أنا عميد الفن التشكيلي في سورية والوطن العربي وحتى العالم، فأنا الوحيد من مرحلة الاستقلال حتى اليوم من أوجد لوحة عربية سورية، فمنذ أربعة آلاف سنة لا يوجد لدينا لوحة سورية بفن سوري أصيل، وأيضاً أنا الوحيد من سورية الذي لوحاته مقتناة في المكتبة الوطنية والمجمّع العربي في باريس، وكنت حصلت على وسام الاستحقاق الأعلى في سورية. لقد خدمت بلدي 85عاما في رسم لوحات دعائية لبلدي سورية، وأمجّد عبرها بطولاتها وخيراتها. وزير السياحة بشر يازجي هو الرجل الوحيد الذي طلب من معاونه إدخالي للمشفى، كي لا أبقى مرميا في الشارع منتظراً. أنا لا أطلب مساعدات كي أعيش، كل ما أريده كان فقط سيارة لتنقلني للمشفى وألقى الرعاية الطبية المناسبة. أنا مواطن طليعي وشهاداتي التي أحملها خير دليل على عطائي لبلدي. آلمتني جداً معاملتي بهذا الشكل، وكأنني نكرة أو جرثومة، أو إنسان معاد لبلدي. لقد جاء بعض التجار لشراء الأعمال واستغلال الظرف الصحي الذي أعاني منه وعرضوا علي مبالغ، ولكن بطريقة غير مباشرة علمت بأنهم يريدون أن يتاجروا بفني لبلدان معادية لنا، حاولوا استغلال الظرف والحصار الذي نعانيه. أنا أحب الرسم فهو روحي، بعد تخريجي من المشفى بساعتين وجدت نفسي مرتاحا طلبت الألوان فرسمت أربع لوحات».
وعن الحركة التشكيلية السورية ونقده لزملائه الفنانين يتابع الفنان ناجي «للأسف كل أعمال الفنانين التشكيليين السوريين هي اجترار لأعمال الفنانين الغربيين في العالم، وكل بحسب البلد الذي يعيش فيه أو يزوره أو يتابع فنانيه، وبرأيي لا يوجد في سورية إبداع، بل هو نسخ عن الغرب، وللأسف في سورية لا يعلمون في كلية الفنون الجميلة الفن التشكيلي السوري، فحتى أساتذة الجامعات لم يتعلموا الفن التشكيلي السوري، فهم غير عالمين بماهية الفن السوري واللوحة السورية».

إهمال متفش في اتحاد الفنانين التشكيليين
في سؤال عن الاهتمام من الجهات المختصة سواء وزارة الثقافة أو اتحاد الفنانين التشكيليين جاء الجواب على الشكل التالي «أنا لست بناكر للجميل، فلقد زارني الكثير من الشخصيات المعنية في البلد وكرّمتني، وقبل عام تقريباً وزير الثقافة كرّمني بزيارة بيتي إضافة إلى إقامة معارض تحمل اسمي. ولكن معاملتي بهذا الشكل وعدم توفير سيارة إسعاف تنقلني أمر آلمني كثيراً، وللأسف لو كنت في بلد آخر فلن أعامل بهذا الشكل. اتحاد الفنانين التشكيليين وحتى النقابة لم يسألوا عني حتى اللحظة، على الرغم من أن رقم هويتي بالنقابة(4) – أنا عضو مؤسس، هذا النكران من أبناء وطننا مؤلم وأنا بحاجة إلى نظرة من التعبير والتقدير، ربما لا يحبونني على صعيد شخصي، لو كنت أتقرب منهم بطريقة تتنافى مع مبادئي وقناعاتي لكانت أحوالي أحسن بكثير. عزائي ورجائي كبير بأعمالي الجيدة لبلدي».

لسورية العظيمة حلو الكلام
في نهاية حديثنا وعندما طلبت منه أن يقول كلمة لسورية، عيون الفنان عبيد مع تعابير وجهه كلّها ضحكت كما قلبه وقال «لطالما كانت وستبقى سورية متميزة عن كل البلدان العربية والأجنبية لعطاءاتها اللامحدودة، بل سورية هي جوهرة الوطن العربي. أنا ابن سورية، وللأسف قلّة من المواطنين السوريين يسّعون لاقتناء اللوحات التشكيلية ويسّعون لشرائها، الأمر الذي عكس سلباً على حياتي المعيشية، وخاصة أنني أغار على أعمالي، وأرفض أن تباع لمن هو معاد لبلدي بالدرجة الأولى وغير مهتم بالفن التشكيلي السوري -بالدرجة الثانية- مهما كان المبلغ باهظاً. للأسف الشديد المحبة لسورية دخلت فيها المصلحة والمكاسب، وأشياء أخرى كثيرة، نحن نحارب وسط معركة صعبة، وعلى قدر تكاتفنا بعضنا مع بعضٍ على قدر ما شكلّنا صموداً قوياً كي نستطيع إيقاف الاعتداءات.
في سورية طاقات هائلة في المجالات كافة، سورية متكاملة تقريباً، إنني آمل لسورية المجد الحقيقي والتخطيط الصحيح والعلمي الذي يفيد الشعب وقيادته، وعندي إيمان بأن تعود سورية علماً فاعلاً من أعلام الأمة العربية، وأدعو كل الشباب والمعنيين إلى ألا يستغلوا أخطاء غيرهم سواء أكانت مقصودة أم عفوية، وأن يحبوا سورية فهي جديرة وتستحق هذا الحب».

Exit mobile version