ثقافة وفن

«حفلة على الخازوق» مسرحيةٌ تعجب جمهورها

| أحمد محمد السحّ

يسجل المخرج زيناتي قدسية كلمته على بطاقة عرضه المسرحي «حفلة على الخازوق» فيكتب: (روّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة، نتمنى أن نروّح عن قلوبنا قليلاً) بهذا التكثيف يوضّح المسرحي الأصيل غرضه من هذا العرض المسرحي، فهو يريد فعلاً الترويح عن نفس المشاهد ضمن هذا الضغط المتوالي الذي يلاحق الإنسان في حياته اليومية، ليجده مكرّساً أمامه في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، ولسان حال المواطن يصرخ أنه تعب من التوجيه التربوي الذي يسعى الفنِّ إليه أكثر في هذه الأيام، وهذا مقتل الفن، ومنفِّرُ الجمهور منه.

يستعين المخرج بفرقة يائيل للمسرح الراقص، لا لتسدّ الفراغ أو تملأ زمن العرض إنما لتوظيفُ جهود شبابها وشاباتها بما يخدم المشهد المسرحي، وحركته وخاصةً الإحاطة بالشخصيات التي تحتاج إلى مرافقين لدخولها وخروجها، فمعظم شخوص المسرحية مسؤولون تغريهم مظاهر التفخيم والأبهة، أما عامة الشعب فهم ثلاث شخصياتٍ فقط هي (حسن – رائد مشرف، هند – صفاء رقماني، النجار – مصطفى المصطفى)، هذه الشخصيات التي تتحرك خارج قوالب الزمن من خلال اللباس الذي يبدأ مع إنسان الكهف ومن ثم الدولة الدينية وصولاً إلى الدولة الحديثة، على حين تربط الحكاية بين هذه الأزمنة لأن المظلمة التي تقع متوالية الوقوع؛ وسلوك السلطات تجاه المواطن لمّا يتغير منذ بدء تشكل السلطات حتى يومنا هذا، ويقفل العرض مبشراً بأن سلوك البطانة الفاسدة لـ (زعيم) مستمر مهما حاول هذا الزعيم أن ينظف من فساد بطانته ويبرز ذلك مع شخصية (المساعد – محمود خليلي) التي تتحرك عبر الأزمان ويتعرف إليها الجميع، على حين هي تنكرهم وتكيد لهم سلطات وجماهير، الزعيم الذي يبدو نقياً وعادلاً بشكلٍ تقريبي فالعرض لا يبيّنه منزهاً، فهذا مفترقٌ مهم يجب الوقوف عنده، فلو أنه نزهه بشكل واضح لكان العرض محاباةً لا أكثر.
تدخل المسرحية فوراً في صلب الحكاية، فتعرض المشكلة التي يقع بها مدير السجن – جمال العلي، الذي يسعى إلى حل مشكلته على حساب مواطن بسيط يريد الإيقاع به، ليكسب رضا الزعيم، هذا ما يدفع حبيبة المواطن إلى استخدام حيلتها وذكائها لتكشف خبث وقباحة من يتولى هذه المناصب ورخص أهدافهم سواءٌ كانت دينية (المحتسب – علي كريّم) أم عسكريةً (قصي قدسية – النائب) أم قضائية تنفيذية (مدير السجن – جمال العلي)، هذا البعد الاجتماعي -في اعتبار المرأة فريسة- يطال جميع الشرائح بما فيهم طبقة المواطنين العاديين ممثلةً بشخصية (النجار- مصطفى المصطفى) الذي يعمل على الأهداف والنيات نفسها لاستغلال حاجة المرأة لسند في مجتمع كل سلطاته ذكورية.
يستخدم الممثلون مصطلحات عامية موظفة توظيفاً كوميدياً جعلت ضحكات الجمهور عالية، ويستخدم مصطلحات إنجليزية أو كلمات صوتية لإنسان ما قبل استخدام اللغة، ليقصد بها أن الحالة لا تتغير مهما تغيرت الأزمان، وأن المكان والمجتمع مهما تغيرت لغته ومصلحاته بدعوى التطور، فلا يكون التطور فيه تطوراً إلا إذا كان سلوكياً ومحيطاً بالحقوق والواجبات التي تجعل العدل أساسها، وقد يجد البعض أن هذه الاستخدامات اللفظية ذات الطابع الكوميدي جعلت العرض تهريجياً والمسرح تجارياً، والحق يقال إن المسرح التجاري ليس عيباً، وهو نوع من المسرح كان قمعه سابقاً أسوأ من تركه لجمهوره، ومسرحية (حفلة على الخازوق) لا تقع ضمن تصنيف المسرح التجاري، فهي مسرحية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية تحاكي هامش الحريات المتاح لتقديم حكاية تحقق شرط المتعة للجمهور، هذا الشرط الذي بات مفقوداً في أغلب العروض المسرحية التي اشتغلت على الجانب التوجيهي، حتى نفر منها الجمهور؛ لأنه ما من حق أن يتم تحويل صالات السينما وخشبات المسارح إلى مبانٍ مدرسية تهدف إلى تربية الجمهور فحسب.
يبقى لمن يرى أن المسرح يجب أن يكون متمترساً وراء الكتب النظرية والنظريات الأكاديمية أن يقدم تجربته الخاصة، فالمسرح متنوع وهو يحمل الكثير، وهذا العرض يمكن توصيفه بأنه عرض جماهيري للناس أمتعهم ونال اهتمامهم، وقد حشد عدداً من الأسماء الفنية التي لا يشك بقدرتها ولا باهتمامها وفهمها المسرحي العميق، وهو خطوة تحسب للفنان زيناتي قدسية ولربما تبشر بأن عدداً من العروض التي قدمت لهذا العام تحديداً كان هدفها الجمهور لا إرضاء ذائقة النقاد وأصحاب الكار كما كان سابقاً، ومن المؤكد أن استمرارية التوجه بهذا التفكير سيؤدي إلى إعادة ربط الجسور بين الخشبة والجمهور، فلا شك أن الجمهور السوري يحب المسرح ولا شك أنه يصفق لكل من يقدّم له جهداً ويدير ظهره لمن يريد التعامل معه بفوقيةٍ أو باستسهال، هذه المسرحية التي كتبها (محفوظ عبد الرحمن – مصر) وأعدها وأخرجها زيناتي قدسية (روّحت) عن قلوب السوريين المتعبة، فلذلك يمكننا القول إن المقولة التي أُريد بها هذا العرض قد وصلت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن