Site icon صحيفة الوطن

«إس 300» والأهداف الروسية

| محمد نادر العمري

أحدث القرار الروسي تسليم سورية منظومة «إس 300» وما رافقها من دعم وتطوير للإمكانات العسكرية الجوية السورية تتعلق بتوحيد إدارة المراقبة المركزية والتشويش الكهرومغناطيسي، هزة عسكرية بمنظومة الشرق الأوسط، لما لذلك من دور في ترسيخ قواعد اشتباك جديدة وتوازن الردع الآخذة في التغيير لمصالحة محور المقاومة ومكافحة الإرهاب منذ تاريخ إسقاط الطائرة الإسرائيلية في العاشر من شباط الماضي وليلة الصواريخ منتصف أيار، وعدم قدرة واشنطن على تغيير الخرائط الميدانية وثبات التفوق الالكتروني في التصدي لعدواني الشعيرات والثلاثي، وهنا تكمن أهمية هذه الصفقة بمنح دمشق قدرات الكترونية من شأنها حماية أجوائها وردع أي عدوان واستهداف طائرات العدو من خارج الأجواء السورية وبوسائل عسكرية وتكنولوجية.
قرار موسكو تطوير القدرات الدفاعية للجيش السوري، تزامنت مع تطورات ميدانية وبتوقيت سياسي، من شأنه أن يزيد من حرج الدول المعتدية على سورية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي، فهذا القرار لم يكن مجرد ردة فعل على السلوك العدواني لتل أبيب عقب إسقاط الطائرة «إيل 20» الروسية فحسب، بل يمكن تصنيفه كإجراء استباقي ردعي بالدرجة الأولى تسعى من خلاله موسكو إلى الحد من تأثيرات القوى الخارجية في استهداف اتفاق إدلب ويضمن حصره فقط بالجانبين الروسي والتركي ويحبط آمال التنظيمات المسلحة ويغلق أمامها أي آفاق تتعلق بدعم خارجي، ما يهيأ الظروف لضمان تطبيق اتفاق سوتشي، وثانياً يقلل من احتمالية شن عدوان على سورية كان يحضر له في أروقة البيت الأبيض تحت ذريعة استخدام الكيميائي، إضافة إلى ذلك ضبط إيقاع السلوك التركي وعدم منحه فرصة باستخدام طائراته في المجال الجوي السوري تحت ذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، ورد الاعتبار على الخطيئة الإسرائيلية الأميركية الفرنسية، التي استهدفت خيرة ضباط القوة الفضائية الروسية وتثبت هيبة وحضور موسكو في المنطقة والعالم، ولاسيما أن هذا القرار لم يأت من باب المصادفة في ظل توتر العلاقات الروسية الأميركية التي وصفت من مسؤولي كلا البلدين أنها تمر في أسوأ مراحلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فروسيا التي عادت للساحة الدولية عبر البوابتين الأوكرانية والسورية، تريد حماية مصالحها الحيوية وأمنها القومي ومشاريعها الجيوسياسية، وهي بذلك تحتاج إلى تمكين وجودها وفرض نفسها مجدداً في النظام الدولي عبر استعراض قوتها العسكرية وتغيير موازين القوى في الخرائط السياسية وبخاصة في الشرق الأوسط، للحفاظ على تأثيرها وتحكمها بمصادر الطاقة إلى أوروبا ومعابره وتأمين مناخ من الأمن الذي يتطلبه نجاح المزاوجة بين مشروعي أوراسيا وخط الحرير، في المقابل فإن انكفاء التأثير الأميركي في العديد من الملفات المتأزمة كأوكرانية والعراق وسورية واليمن، قد يدفعها نحو الذهاب إلى حافة الهاوية بغرض إعادة زعامتها وهيبتها للنظام الدولي وهذا ما تدركه موسكو التي أشارت في أكثر من مناسبة وعبر الرئيس فلاديمير بوتين بأن روسيا ملتزمة بحماية أمنها ومصالحها القومية وحماية حلفائها.
امتلاك دمشق لوسائل ردع تتعدى خطوط التصدي للقوى الإقليمية، هي إحدى الوسائل ذات الأهمية السياسية والاقتصادية والعسكرية ضمن إستراتيجية موسكو، فالمحافظة على ما تم إنجازه في الميدان السوري سياسياً وعسكرياً هو من أولويات السياسية الخارجية الروسية، ولكن إلى جانب ذلك يمكن ملاحظة النقاط لتالية:
أولاً: الثقة الروسية بالكيان الإسرائيلي انعدمت بشكل شبه تام، فبغض النظر الروسي عن عدم التزام تل أبيب بالبروتوكولات الموقعة بين الجانبين لتجنب الاحتكاك وعدم الالتزام بقنوات الاتصال المشتركة التي أصبحت من الماضي ولابد من تأديب تل أبيب وتقليم أظافرها في المنطقة لأنها رأس حربة لتنفيذ أجندات الولايات المتحدة والأطلسي في المنطقة وهذا ما برز بشكل واضح من أهداف العدوان الإسرائيلي على اللاذقية سواء أنه جاء بعد ساعات قليلة من اتفاق سوتشي الذي حد من الوجود الأميركي وفاعليته وأحبط عدوانه على سورية حتى الآن، أو من جهة السعي الإسرائيلي لدك إسفين الخلاف بين موسكو ودمشق عبر اتهام الأخيرة بأنها المسبب في سقوط الطائرة.
ثانياً: جزء من الصراع القائم اليوم بين القطبين الدوليين هو التنافس على التفوق العسكري وهذا له تأثيره في الميزانيات التجارية للقوة الكبرى في السعي للسيطرة على الأسواق العالمية للأسلحة، فالصناعات العسكرية الأميركية والإسرائيلية وتصديرها شهدت تراجعاً ملموساً منذ حرب عدوان تموز 2006، بعدما كانت هاتان الدولتان تسيطران على قرابة 42 بالمئة من سوق بيع الأسلحة خلال العقدين الماضيين.
ثالثاً: إغلاق أجواء الساحل السوري بمنظومة تشويش كهرومغناطيسي، من شأنه من جانب أن يحد من فاعلية القواعد الجوية للأطلسي في المنطقة وبخاصة في تركيا واليونان، ويوقف الزحف الأطلسي نحو الشرق الأوسط ويضع حداً لتوسعه، ويقلل من احتمالية مد أنابيب غاز مشتركة تركيا إسرائيلية باتجاه أوروبا من المتوسط دون موافقة روسيا وإشرافها، وحماية الشركات الروسية العاملة في المتوسط من أي اعتداء.
رابعاً: دفع العملية السياسية التي تقودها موسكو في سورية بعد تثبيت قواعد الاشتباك تردع أي عدوان لخلط الأوراق مجدداً، وهذا يقلل من الأعباء السياسية والعسكرية والاقتصادية لروسيا في مقابل بقاء القوات الأميركية عالقة ودون تأثير وفق وصف صحيفة «واشنطن بوست».
من المؤكد أن هناك أهدافاً إستراتيجية لموسكو والتي لا تتعارض مع مصالح دمشق من خلال تطوير القدرات الدفاعية السورية، فالإجراءات الأخيرة هي إجراءات ذات طابع وشكل عسكري بمضامين وأهداف جيوسياسية اقتصادية، وفائدته ليست مقتصرة على دمشق التي ألمحت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم بأن هناك مفاوضات جارية بين البلدين حول استلام دمشق «إس 400»، وفق ما يمكن فهمه من تصريح المعلم: «بأن دمشق تنتظر استلام هذه الصواريخ» عقب لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف ومن داخل أروقة الأمم المتحدة، فرب ضارة خير من ألف اتفاق.

Exit mobile version