Site icon صحيفة الوطن

فلسطين وأنفاق التصفية وتبديد الحقوق!

مأمون الحسيني : 

لم تحجب الحركة الاحتجاجية التي تشهدها العاصمة اللبنانية بيروت، ومناطق لبنانية أخرى عديدة، تلك التطورات الخطيرة التي جرت في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا، الذي يعتبر الأكبر بين مخيمات لبنان، بعد قيام عدد من التنظيمات الإرهابية التكفيرية المتآخية مع نظيرتها في سورية، بتفجير الوضع الأمني هناك، وتهجير أعداد كبيرة من أبنائه اللاجئين الفلسطينيين نحو المجهول. ومرد الخطورة هنا، وفق المرئي والملموس، لا يتعلق فقط بمؤشرات وتداعيات هذه الأحداث الأمنية التي خطط، منذ البداية، أن تكون المخيمات الفلسطينية إحدى أهم منصّاتها الرئيسية، على المشهد اللبناني الهش القابل للانفجار في المدى المنظور، وإنما أيضاً اندراج هذا التفجير المبرمج في مسلسل تدمير مخيمات اللجوء والشتات، وتهجير وترحيل اللاجئين الفلسطينيين إلى أصقاع بعيدة عن فلسطين، على غرار ما حدث، مؤخرا، لعدد من أبناء مخيمات سورية، وبالأخص أبناء مخيم اليرموك.
ومع أن أحدا لا يجادل في حقيقة سعي العدو الإسرائيلي وعملائه، ومنذ خمسينيات القرن الماضي، إلى تفتيت وتدمير وإبادة مخيمات اللاجئين في الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة التي ساهمت في تكثيف الصيرورة الفلسطينية والشخصية والهوية الوطنية، ومنها انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، بهدف وأد ودفن حجر الرحى في القضية الفلسطينية (حق العودة)، وكل ما يحدث منذ بضع سنوات، وعلى خلفية فوضى المنطقة وهجوم أدوات الإرهاب والتكفير الأميركية- الإسرائيلية على منطقة المشرق العربي، وفي القلب منها سورية، بدأ معه مخطط تدمير المخيمات وتهجير الفلسطينيين يأخذ أبعاداً خطيرة ومصيرية، ولاسيما بعد غزو الإرهابيين مخيمات اللاذقية ودرعا وحلب، وتمددهم نحو مخيم اليرموك الذي تحتله اليوم عصابات «داعش» و«النصرة»، ومخيم خان الشيح الذي يستخدم كمحطة أساسية لوصل إرهابيي محافظة القنيطرة المرتبطين مباشرة بالعدو الإسرائيلي في الجولان المحتل، بإرهابيي الغوطة الغربية لمدينة دمشق.
وما يزيد من خطورة هذا المشهد الذي يلخص عملية التصفية الموصوفة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية على رؤوس الأشهاد، هو تزامنه وتكاتفه مع تكثيف عمليات الاستيطان في القدس ومجمل الضفة الغربية، وتراكم الجرائم بحق الفلسطينيين من قوى الإرهاب والتطرف الاستيطانية، والتي سقط فيها كوكبة من الشهداء الأطفال والفتية والآباء والأمهات، وارتفاع منسوب الاعتداءات على المسجد الأقصى توطئة لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، تحت ظلال انسداد كل الآفاق الواقعية والافتراضية: لا مفاوضات ولا عمل مسلح ولا انتفاضة شعبية، بينما تواصل الأطراف الإقليمية والعربية الداعمة للإرهاب في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا، وبالأخص تركيا والسعودية والأردن وقطر، بذل كل ما باستطاعتها لمساعدة إسرائيل في هذه المهمة، وتجد دول العالم ما يبرئ ذمتها تجاه الأرض والحقوق الفلسطينية التي يرسم فصل تصفيتها الأخير بالدم والنار والدمار.
أما بخصوص القيادة الفلسطينية التي تتخبط في بحر من الفوضى لإثارة غبار كثيف في وجه الإدارة الأميركية التي تركتها وحيدة في الميدان بعد انسحابها من الملف الفلسطيني، فلم تجد أمامها، لمواجهة هذا الوضع المستجد الذي يزداد تعقيدا وتأزما على خلفية التفاهم الإسرائيلي مع حركة «حماس» الذي يدمّر ما تبقّى من المشروع الوطني الفلسطيني والحقوق الوطنية، سوى التلويح بقرارات ذات طبيعة إستراتيجية، من نمط بلورة تحالف جديد مع إيران، والهرولة نحو فك وتركيب هياكل منظمة التحرير الفلسطينية المهلهلة والخاوية أصلاً.

Exit mobile version