Site icon صحيفة الوطن

باولو كويلو وروايته الجديدة «هيبي»

في روايته الصادرة حديثاً من شركة المطبوعات للتوزيع والنشر يصرح الروائي البرازيلي «باولو كويلو» بأن هذه الرواية: «نابعة من تجاربي الشخصية عدّلت أحياناً ترتيب الأحداث وأسماء الأشخاص وبعض تفاصيلهم وكان علي أن أوجز بعض المشاهد، لكن ما يلي حقيقي برمتّه. آثرت استعمال ضمير الغائب للشخصيات كلها، مانحاً إياها أصواتاً استثنائية تصف حياتها».

ينقلنا هذا الروائي الرائع في روايته إلى عالم «الهيبز» الذي بلغ ذروته في عام 1970م، حيث تركّز انتشارهم في ميدان البيكاديللي في لندن، وساحة السد «دام، في امستردام». في هذا العام سيطرت النساء على العالم، أو بالتحديد الشابات الهيبيات هن من سيطر على العالم، خضع الرجال لهن، وعرفوا تمام المعرفة أن آخر الصيحات لم تكن السبيل إلى إغوائهن، فقد تفوقن عليهم في ذلك، فركنوا نهائياً إلى التسليم بالواقع، بأنهم كانوا في حاجة إليهن. واتشحوا باللهفة وكأنهم يتوسلون: «احمني أرجوك، أنا وحيد، ولا يسعني التعرف إلى أحد، أظن أن العالم قد تخلّى عني وأن الحب هجرني إلى الأبد». اختارت النسوة ذكورهن من دون التفكير، ولو ثانية في الزواج، بل في مجرد الاستمتاع بالجنس المتعدد العارم. كانت الكلمة الفصل لهن دوماً، سواء بشأن موضوعات مهمة، أو أمور شخصية وكمالية.
اكتشفت طريق هيبية أخرى: طريق أمستردام في هولندا إلى كاتماندو في نيبال على متن باص كانت تكلفة تذكرته مئة دولار تقريباً، من خلال عبور دول مشوقة فعلاً مثل تركيا، لبنان، العراق، إيران، أفغانستان، باكستان وجزء من الهند، هذه الرحلة تستغرق ثلاثة أسابيع.
التقت كارلا الفاتنة الهولندية العشرينيية، التي كانت بانتظار رفيق مثالي تمضي معه على الطريق الهيبية الأسطورية، المفضية إلى نيبال، التقت بـ(باولو) الشاب البرازيلي النحيل ذي الشعر الطويل المنساب الذي يرغب في أن يصير كاتباً، وينطلق في رحلة بحث عن معنى أعمق لحياته، أقله في البدء قطار الموت، الشهير في بوليفيا، إلى البيرو، ليكمل طريقه متطفلاً إلى تشيلي فالأرجنتين.
ويصل «باولو» إلى ساحة السد «دام»، حيث يجتمع «الهيبيون» يدخنون الماريوانا، متمردين بعيدين عن أسرهم، حيث كانت أوربا مكاناً آمناً، وسرعان ما لاحظ الهيبية الفاتنة التي مرت من جانبه، واقترب منها، وتعارفا، وصدقت نبوءة العرّافة التي أخبرت «كارلا» بأنها ستلتقي برفيق دربها هذا المساء.
وقد أوضح الروائي «باولو كويلو» أصل كلمة هيبي، حيث قال: (لا أحد يعرف. غير أن فكرة الجنس، والامتناع عن أكل اللحم، والحب الحر، والعيش المشترك، لها جذور في بلاد فارس، في طائفة أسسها المدعو مزدك الذي لا نعرف عنه الكثير، مع ذلك، ولما كنا مضطرين إلى الكتابة أكثر فأكثر عن الحركة فقد اكتشف بعض الصحفيين لها منشأ مختلفاً لدى الفلاسفة الاغريق يعرف بمذهب الكلبييّن، حيث يجب علينا جميعاً أن نردّ عنا كل ما يفرضه علينا المجتمع، ذلك أننا ننشأ جميعاً على اقتناء أكثر مما يلزمنا، وأن نرجع إلى القيم البدائية، بعبارة أخرى: ينبغي لنا العيش وفق قوانين الطبيعة، من زهد في الحياة، وابتهاج بكل يوم جديد، وعزوف عن كل ما نشأنا عليه من سلطة وربح وطمع، وكل ما يدور في هذا الفلك، أما الكلبيون، فقد كان هدفهم الوحيد من الحياة هو التحرّر من الفائض، في إيجاد الفرح في كل لحظة، كل دقيقة، في كل نفس).
ويقول بعض الناس: إن الهيبية بدأت مع حفلات الروك الموسيقية الكبرى مثل «وودستوك» ويقول آخرون: إنها تعزى إلى موسيقيين معينين مثل جيري غارسيا، غرايتفلديد، فرانك زابا، ماذرز أوف إنفنش، الذين شرعوا يقيمون حفلات مجانية في سان فراسيسكو.
عندما وصل الشاب «باولو» إلى إستنبول خلال رحلته برفقة كارلا، كان جُلّ اهتمامه لقاؤه بالدروايش، ومشاهدة رقصة «المولوية» و«أسرار التصوف»، وبعد عناء طويل عثر على رجل، رافقه إلى مبنى شبه مهدم، دخله باولو ليلتقي برجل مسن يجلس على كرسي بلاستيكي، يحدث نفسه، والذي شرح له طريق المعرفة والتواصل مع الله. (العقل هو ظل معرفة الله. وأي قوة للظل أمام وجه الشمس؟ لا قوة إطلاقاً. اخرج من الظل، اذهب إلى الشمس، ودع شعاعاتها تلهمك بدلاً من كلام الحكمة. رحب بها. دعها تترع روحك. المعرفة وهم، النشوة الروحية هي الحقيقة الحقة. تملؤنا المعرفة بالذنب، وتوحدنا النشوة مع العلي، الذي هو الكون، قبل وجوده وبعد فنائه. البحث عن المعرفة هو كمحاولة الاغتسال بالرمل، وبئر الماء العذب إلى جانبنا).
أوقد باولو عود البخور الذي وجده إلى جانب الكرسي وغادر. أغلق الباب خلفه، لكنه عرف أن الأبواب دوماً مفتوحة لمن يحاول اجتياز عتبتها. حسبنا أن ندير المقبض.
كانت «كارلا» الهولندية، ذات ثلاثة وعشرين عاماً، تبحث أيضاً، عن المعرفة الخالصة، وكان لديها أسئلة روحانية كثيرة، درست في ثانوية لوثرية، حفظت الكتاب المقدس عن ظهر قلب، سافرت لبعض الوقت عبر أوروبا، تحّولت إلى الكاثوليكية لمجرد الوقوف في وجه أسرتها، قرّرت ترك منزل والديها لتسكن وحدها. صاحبت لفيفاً من الشبان الذين دخلوا حياتها، وخرجوا منها ومن جسدها بوتيرة راوحت بين يومين وشهرين.
قبل عامين، توصلت إلى عدم جدوى الاستمرار في عيش هذه الحرية المطلقة، أخذت تفكّر في الموت. لقد كانت في حاجة إلى اتخاذ خطوة جذرية، إلى اكتشاف بلاد بكر في ذاتها أو خارجها، أن تجد مخرجاً من هذا الضجر القاتل الذي أحست أنه يستنفد طاقتها يوماً إثر يوم.
ووجدت مخرجها بلقائها «باولو»، حيث خفق قلبها له، واكتشفت أن حياة بلا حب لا تستحق أن تعاش، فما الحياة بلا حب؟ هي شجرة لا تثمر، هي النوم بلا أحلام، وهي أحياناً سهاد. والحب برقيّه يهزم الغاشم، ويروي ظمأ من يبحث عن ماء الوجدان الحي. وصّرحت له بحبها وغرامها، وأن بمقدورها أن تقضي بقية حياتها معه، على الطريق، في نيبال، في ريو، أو على جزيرة مهجورة. وفي أثناء رحلتهم يصحبهم مسافرون رائعون، لدى كل منهم قصة طريقة يرويها، مسافرون سرعان ما يخضعون على طول الطريق، لتحولات في شخصياتهم، حيث تتغير أولوياتهم، وقيمهم، وقناعاتهم.
الرواية هي رحلة للبحث عن الذات، عن الحب، عن المعرفة الحقّة، حيث يبدأ «باولو» روايته بقول مأثور للشاعر الهندي العظيم «طاغور»:
«خلت أن رحلتي انتهت، وقد استنزفت كل طاقتي،
أن الدرب أمامي مسدودة،
أن مؤني نفدت،
وآن الأوان آن لألتجئ إلى صمت الظلام،
وإذ بي أكتشف أن إرادتي لا تعرف حدوداً،
وأن كلماتي العتيقة متى تعطلت على لساني،
انبعثت ألحان جديدة من قلبي،
وأن السبل القديمة متى فقدت،
تجّلت بلاد جديدة بكل عجائبها.

Exit mobile version