Site icon صحيفة الوطن

الدراما والثقافة – وجه سورية المشرق

ها هي تنسل من بين أيدينا، ومع ذلك لا نفعل شيئاً حيال انسحابها من حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنويرية! بل إننا نجد ألفاظاً رنانة لنعبر فيها عن فرحتنا بهروبها، فساعة تدعى بالعمل العربي المشترك، وتارة تدعى بالأعمال المشتركة، وتارة نستغني فيها عن يد، وتارة عن دماغ، وتارة عن جسد، وهكذا تم توزيعها بين الآخرين من دون أن نفعل شيئاً!
بالأمس القريب كانت قنواتنا تعرض، والقنوات اللبنانية تنافس في اقتناص العرض الأول من الأعمال السورية الخالصة، وكنا نتابع هناك بعض الأعمال التي طالها القص والرقابة! وفي مرحلة الحرب، وهذه الحرب استطعنا أن نحملها كل آثامنا وأوزارنا وأمراضنا، تسللت على مراحل، فمرة كاتب يخرج، ولن أدخل في الأسماء، ومرة مخرج استكثر عليه أبناء سورية فرصة، فوجد فرصته وصار من المخرجين المعدودين على الساحة العربية بتمامها، وتارة يخرج نجم فيصبح الذي يستقطب ويعرض، وباسمه يباع العمل في كل محطة من المحطات، وفي مرحلة لاحقة أدرك المتابعون أن هذه الطريقة انتهت، فحدثت ثورة الدراما اللبنانية على أنقاض ما استعانوا به، فأخذوا المهارات والتقانات، والتقطوا ما يمكن أن يساعد على بناء دراما لبنانية خاصة، وقد تابعت عدداً من هذه الأعمال اللبنانية الخالصة، التي بدأت تترك أثرها على الساحة العربية، بل صارت تستقطب المشاهد السوري نفسه، والقضية أثيرها هنا من باب الغيرة الثقافية والاقتصادية، وليس من باب التنافسية وحسب، فالتنافسية انتفت ولم يعد لها من وجود، خاصة أن هذه الشركات اللبنانية تجيد تصنيع النجوم الذين أبقيناهم في الصف الثاني لسنوات طويلة، وها نحن نراهم على الشاشات يتحدثون ويتغير كل شيء فيهم، إلا حبهم لسورية وللدراما السورية، ولكن تلك الشركات تعمل على تصنيعه، وتعطيه ما لم يحلم به من أجر، ومن حق الفنانين في سورية اليوم أن يتساءلوا عن أسباب تردي أجورهم بينما هم أنفسهم يتقاضون مبالغ طائلة في الشركات اللبنانية! وأصدقاؤهم يتقاضون الكثير مادياً مع الاحترام المعنوي! ما دامت الشركات تبيع وتسوّق، بل إن الشركات اللبنانية تسويقها أقل وأضعف وقد تكتفي بالقنوات اللبنانية لتسويق أعمالها في المرحلة الحالية بينما يتم تعميم اللهجة اللبنانية التي لم تعد لبنانية مغرقة، بل تحولت إلى البيضاء متأثرة بالأعمال السورية، بينما الأعمال السورية عادت إلى المحلية المغرقة التي تحرمها المشاهدة!
أيها الأصدقاء دفعنا ثمن المبادئ القومية والعروبية الكثير، ولم نكن نحن على دراية بالأسباب التي جعلتنا ندفع الأثمان، واليوم تتسلل درامانا ونزينها بعبارات وشعارات، والفنانون الذين يعملون لدى الشركات اللبنانية محقون لأنهم يريدون أن يعملوا وينتشروا ويحققوا حياة كريمة، وليس المطلوب منهم أن يقوموا بحركة ارتدادية إلى داخل الوطن للاكتفاء بشظف العيش، والمنتج ينتفخ على حسابهم، أجل ينتفخ ما دام الإنتاج طريقه واحد هنا وهناك! وقد لمس الفنانون السوريون ذلك بأعمالهم مع الأشقاء المصريين والأشقاء اللبنانيين، وهم أنفسهم استلموا عملاً محلياً، فإن المنتج الفاضل سيتعامل معهم بالقروش وبالتقسيط الممل الذي يدفع الفنان دفعاً للهرب.. واليوم نرى قنوات فضائية سورية بهويتها وانتمائها وغاياتها، لكنها تبث من الخارج، ونسمع عن الأجور الكبيرة التي يتم دفعها لعاملين من خارج سورية لا يمتلكون أي ميزة إضافية عن السوريين، فلم لا تكون هذه القنوات داخل سورية، ليجري تنافس من نوع ما بينها وبين القنوات الرسمية لرفع مستوى الأجور والأداء، ولرفع سقف الحريات والتناول؟ ولماذا لا تفتح الأبواب على مصاريعها لفتح قنوات ثقافية وفنية وإعلانية من داخل سورية، وهذه القنوات هي التي يمكن أن تعرض وتشتري الأعمال السورية الخالصة فتحقق للمنتج وللفنان الاكتفاء السوري؟ وهذا الأمر خطير للغاية لأنه يعود بنا إلى الأعمال السورية فكرياً وفنياً، الأعمال التي تحمل الرسالة الثقافية الخاصة بنا، والتي لا تخضع لشروط الترويج والتسويق، وقد رأينا سابقاً تلك الإنتاجات التي خضعت لشروط التسويق فقدمت حالات موجودة لكنها لا تستحق أن تكون السائد المعروف!
يمكن لهذه القنوات أن تشتري وتعرض، ويمكن في فترة لاحقة أن تعمل على الإنتاج، وأن تحقق الشروط الإنتاجية المثلى للفن السوري، وعندها يعود الفنان إلى صومعته التي خرج منها وأحبها ويحبها، وهذه القنوات قد لا تكتفي بالدراما، وحتماً لن تكتفي، بل ستعمل على إنجاز برامج موسيقية، وبرامج أصوات وبرامج مواهب، ما يمنع السوريين أن يكونوا متسكعين على أبواب القنوات المتفوقة في هذا الميدان، وربما تغامر هذه القنوات بخلق برامج ثقافية ذات مستوى عال يمكن إنتاجها وتوزيعها وبيعها، لتشكل رافداً للثقافة السورية والمثقف السوري.
إن المنابر الإعلامية – خاصة غير السياسية وغير الدينية- بحاجة إلى دفعة قوية، مع إيمان القيادة السياسية والرأي العام بأن الإعلام كل شيء في حياتنا، ولن يكون الإعلام عندنا مؤثراً إلا بوجود رديف وروافد من القطاع الخاص تحقق التنافسية وتحمل العبء عن الدولة والضريبة والمواطن!
فمتى نفتح النوافذ للشمس والتنافس وإظهار وجه سورية المشرق؟
هل تتحول درامانا إلى دراما داخلية وأخرى مهاجرة؟
هل يصدق قول الفنان عباس النوري بتشكل دراما موالية ودراما معارضة؟
هل يفقد الفنان السوري هويته ليصبح فناناً عربياً؟
هل تتحول الأجور العربية إلى جاذب يقترب من النجومية العالمية؟
هل وهل؟!
الخطورة أكبر مما نتخيل ولم تعد في هجرة نجم، بل في هجرة صناعة.
ومن اختار أن يبقى فإنه سيبقى بلا عمل!
وإن عمل فله فتات مما يستحق..
تتسلل من أيدينا فهل نشعر بها؟
تتسلل فهل تكمل رحلة التسلل لنصبح بلا صناعة؟!

Exit mobile version