Site icon صحيفة الوطن

عبد الفتاح سكر… أبو الأغنية الشعبية … قدم كروان ولحن لفيروز واكتشف فؤاد غازي وشكّل ثنائياً قوياً مع فهد بلان

«أبو الأغنية الشعبية» لقب استحقه الموسيقار الراحل عبد الفتاح سكر عن جدارة، خاصة أنه ابن حي الميدان الدمشقي العتيق، ومن خلاله عاش تفاصيل الحياة الشعبية اليومية في دمشق، واستطاع من خلال ألحانه تحقيق شهرة للعديد من المطربين السوريين الذين وصل نجاحهم إلى كل الدول العربية.
إنها الأغاني التي ننثني لها طرباً كلما أعجبتنا أنغامها العذبة الرقيقة كتلك التي أبدعها الفنان سكر وما أكثرها وما أحلاها وما أبقاها في خاطر ووجدان كل مستمعٍ ذي ذائقة سليمة.
هو من الفنانين الملحنين الذين أثروا الأغنية العربية بمئات الألحان لعشرات المطربين والمطربات، ولد في دمشق عام 1930 ونشأ وترعرع وعاش فيها ومنها انطلق إلى عدة عواصم في رحلات فنية.
كان منزل والده يشهد كل يوم خميس حفلاً موسيقياً وغنائياً للأدوار والموشحات ومن هنا جاء ولع عبد الفتاح بالفن والألحان، وبدأت بوادر الموهبة منذ الطفولة من خلال عشقه واستماعه الدائم لأغنيات سيد درويش.

انتسب إلى «نادي الاتحاد الفني» الذي كان مقره حي الصالحية وتتلمذ على أيدي فنانين كبار أمثال مجدي العقيلي وفايز الأسطواني ومحمد النحاس، وعندما افتتح «المعهد الشرقي للموسيقا» بدمشق انتسب إليه وتعلم العزف على الكونترباص وصار مديراً لفرقة الإذاعة السورية.
جمال صوته جعله يغني في المدرسة ثم في الحفلات ثم في الإذاعة.
قبل عشر سنوات، كان رحيله هادئاً بسيطاً يشبه حياة بكاملها تدور على البساطة، ألحان في غاية البساطة والعذوبة والرقة، هكذا كان ملحن الأغنية الشعبية الأول في سورية وربما في الوطن العربي.

بين القدس ودمشق
كان على عبد الفتاح أن يذهب إلى الأردن وفلسطين في رحلة تجارة، بعد أن أوكلت عائلته إليه تلك المهمة عله ينسى شغفه بالفن، حيث كان العمل في الفن في تلك الفترة عيباً لا تتسامح فيه العائلات الكبيرة أو المحافظة، لذلك وتحت إلحاح والده، رحل وهو ابن السادسة عشرة إلى الأردن وفلسطين.
في القدس، حيث حط الرحال بعد رحلة التجارة ليقابل المطرب مصطفى محتسب وهو أحد أشهر أعلام الغناء في الإذاعة الفلسطينية في تلك الفترة، مجرد دندنة أطلقها عبدالفتاح الشاب لتصدر الآهات من محتسب، ليعلنها صريحة أنت أيها الفتى خلقت للموسيقا والموسيقا خلقت لك، عليك أن تترك تلك التجارة وتغني، دعني أقدمك للقائمين على الموسيقا في إذاعة القدس، ونجح وقتها في اختبار لجنة تقييم الأصوات التي كانت مكونة من عازف الكمان فاضل الشوا والمطرب روحي الخماش والموسيقي يحيى السعودي.
بالفعل التحق سكر بإذاعة القدس وعمل بها مدة عامين قبل أن تبدأ نكبة عام 1948، ليضطر للعودة إلى دمشق التي رحل منها تاجراً وعاد إليها بعد عامين مطرباً، ترك لأهله التجارة وعمل مطرباً في إذاعة دمشق، وهنا كانت البداية، البداية لطريق أكثر اتساعاً من الغناء، البداية للتلحين.

الطريق الصحيح
بعدها أعاد عدداً من الأغاني التي قدمها في إذاعة القدس، وقدم أغنيات جديدة، وقدم المطربة السورية كروان ولحن لها أغنيتين هما «شدو البلابل عالغصون» و«غن يا بلبل وطاوعني»، ولحن للفنانين معن دندشي وفتاة الفيحاء وسعاد مكاوي وفايزة أحمد وياسين محمود ووردة الجزائرية عدداً من الألحان، ليقدم نفسه كملحن بجوار عمله كمطرب، وكانت نهاد حداد قد بدأت مشوارها الفني تلك المعجزة الموسيقية التي نعرفها باسم فيروز فشاركها سكر الغناء في عدد من الاسكتشات، لحن لها عام 1971 أغنية «سيد الهوى قمري»، وفي عام 1996 لحن لها أربع أغنيات أخرى هي «جاءت معذبتي» و«ولي فؤاد» و«أحب من الأسماء ما شابه اسمها» و«لو تعلمين».
«السندباد البحري» كان مسلسلاً إذاعياً في إذاعة دمشق، لحن سكر مقدمته ونهايته وأغنيته التي كان يقدمها المطرب حكمت محسن أحد أهم مطربي الأغنية الشعبية في سورية، وهنا بدأ سكر اكتشاف نفسه بالفعل، هو خلق ليكون ملحناً، وملحناً للأغنية الشعبية تحديداً، ليبدأ سكر في تحديد طريقه بالفعل، الطريق الذي سيجعله أحد أعلام الموسيقا في العالم العربي.
وسكر هو الذي اكتشف المطرب فؤاد غازي ولحن له أجمل أغنياته «لا زرعلك بستان ورود» و«يا معاملنا دوري دوري» و«ماودعوني» و«لا بالله يا أهل الدار»، ولحن لموفق بهجت «يا صبحة هاتي الصينية» وللمطرب محمد رشدي «يا ليلا بيضا».
ومن الذين غنوا ألحانه مها الجابري ومصطفى نصري وسحر ومروان حسام الدين وطروب ودلال الشمالي ونصري شمس الدين.

ثنائي قوي
إن ظهور الفنان الراحل الكبير فهد بلان إلى الساحة جاء نتاج اثنين من أعلام الموسيقا في العالم العربي وسورية هما عبدالفتاح سكر ومحمد محسن، ولكن سكر هو الرجل الذي ارتبط بلان باسمه وشكلا ثنائياً من أقوى الثنائيات الفنية في الستينيات وما تلاها.
أول أغاني بلان للشهرة حملت توقيع سكر وهي أغنية «لاركب حدك يا موتور»، وتلاها العديد من الأغنيات الناجحة التي جعلت بلان أحد أشهر مطربي العالم العربي، مثل «جس الطبيب» و«يا سالمة» و«تحت التفاحة» و«اشرح لها»، وأغنية «صح يا رجال» التي لحنها سكر في خضم أحداث عام 1967 لكونها أغنية حماسية وغيرها من الأغاني، قبل أن يغني بلان للعديد من الملحنين على رأسهم بالطبع محمد محسن وفريد الأطرش وغيرهما.

شراكة ثلاثية
شراكة أخرى قام بها سكر ولكنها هذه المرة شراكة ثلاثية مع المخرج التلفزيوني خلدون المالح والنجم السوري الكبير دريد لحام حينما قدموا عدداً من المسلسلات، وكان أولها «صح النوم»، ثم «وادي المسك» وبرنامج «وين الغلط»، كذلك لحن له مسرحيته الشهيرة «ضيعة تشرين»، إضافة للعديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية الأخرى، قبل أن يشكل لحام ثنائياً فنياً مع محمد الماغوط.

شهرة عربية
لم يقف فن عبدالفتاح سكر عند سورية، بل تعاون مع عدد من المطربين العرب، منهم هدى سلطان ونجاح سلام وسعاد مكاوي ونور الهدى وسميرة توفيق ومحمد رشدي ومحمد عبدالمطلب وغيرهم، إضافة لاكتشافه المطرب السوري موفق بهجت ليعوض به غياب بلان الذي انفصل عنه ولم يعودا للتعاون المكثف كما كانا من قبل.
أزمة سكر مع الأغنية السورية لم تكن في الأصوات أو الألحان، كانت أزمته الكبيرة في الكلمات، لدرجة أنه كان يكتب كلمات الأغاني بنفسه مثل و«اشرح لها» وغيرها.

بتاخدني الأيام
«بتاخدني الأيام» واحدة من أجمل الأغنيات التي لحنها الفنان سكر، ففي أوائل السبعينيات، زار محمد عبد المطلب سورية وطلب من عبد الفتاح أن يلحن له أغنية تحمل هذا العنوان، وكانت من كلمات شاعر مصري، اعتذر سكر عن تلحينها لكونها باللهجة المصرية، واعتبر أن الموسيقيين المصريين أجدر منه بتلحينها، ومع إصرار عبد المطلب تمت إعادة صياغتها من الشاعر السوري عيسى أيوب وكتبها بطريقة أقرب للهجة الشامية، ولحنها عبد الفتاح فكانت أغنية مؤثرة جداً.
ويبدو أن هذه الأغنية أوحت بإنتاج مسلسل «على طول الأيام» وهذا العنوان من ضمن سياق كلمات الأغنية، التي كانت المقدمة الغنائية لهذا المسلسل.
وكل من طاف بأحلامه مع نسمات بردى ذات يوم، وكل من تعلم أبجدية العشق من ياسمين شامها، دائماً ما يستعيد ذكرياته مع هذا اللحن لعبد الفتاح سكر، وصوت «أبو النور» محمد عبد المطلب، تلك الأغنية التي ستبقى خالدة في الروح والوجدان، نرددها الآن وبنغم جريح «بتاخدني الأيام… وبتبعدني الأيام… لكن روحي بتبقى… بتغني للشام.. على طول الأيام يا عمي».

تكريم
خلال العام الجاري وفي مهرجان دمر الثقافي الأول تم تكريم الموسيقار الراحل عبد الفتاح سكر من خلال أمسية غنائية أحياها الفنان عصمت رشيد والفرقة الموسيقية بقيادة عبد الوهاب عتمة في مجمع دمر الثقافي.
وأشار المشرف على الملتقى الباحث أحمد بوبس إلى أن تكريم ذكرى الراحل سكر لكونه من كبار الملحنين السوريين والعرب حيث لحن لما يقارب مئة من كبار المطربين السوريين والعرب منهم فهد بلان ونصري شمس الدين وكروان ومحمد عبد المطلب وسميرة توفيق إضافة إلى تميزه بالتلحين للكورال.
ولفت بوبس إلى أن الهدف من هذه المهرجانات تذكير الناس بالفنانين الكبار وتعريف جيل الشباب بهم وبما أبدعوه من ألحان وموسيقا.

Exit mobile version