Site icon صحيفة الوطن

طيور مهاجرة

لم تكن الصور التي تزين جدران الغرفة التي استقبلني فيها مضيفي صوراً لمشاهد تقليدية تظهر حدائق مدينة أو جسوراً معلقة أو أبنية وسوى ذلك كما البعض يحرص منا على تزيين جدران غرف منزله بها تعكس وجه بلده أو وجه بلد آخر، هذا فضلاً عن تزيين هذه الغرف بلوحات لفنانين مشاهير معجب بأعمالهم.
الصور التي كانت تزين جدران أسرة الصديق الذي استضافني لبعض الوقت كانت لافتة للانتباه ودافعة لاستعمال سؤال محدد أمام كل صورة على نحو: من هذا أومن هذه؟
حين سؤالي عن صورة طفل في سن المراهقة قال مضيفي: إنه حفيدي من ابني يوسف الذي غادرنا وأفراد أسرته إلى استراليا قبل ثلاثة أعوام. وهذا الشاب؟ إنه حفيدي من ابني كمال الذي غادرنا مع أفراد أسرته إلى كندا قبل خمس سنوات. وهذه الصبية؟ إنها حفيدتي من ابنتي صفاء التي غادرت البلد إلى ألمانيا مع زوجها وأولادها منذ نحو السنتين. وهكذا إلى أن تمت معرفتي بكامل أعضاء أسرة مضيفي الذي بقي وحيدا في البلد مع زوجته تحيط بهما صور الأحفاد بمختلف أعمارهم من مختلف الجهات تذكر بأيام كانت تجمعهم في جلسة عائلية قبل تعرض البلد لحرب قاسية شنت عليه وشتتت أبناءه في العديد من بلدان العالم، بحثا عن دنيا أكثر أمنا وراحة كطيور مهاجرة تبحث عن الدفء في فصل الشتاء بعيداً عن أوطانها وأماكن ولادتها.
ولم يكن مضيفي فاقداً الأمل بعودة أحفاده إليه ذات يوم يعود الاستقرار إلى ربوع الوطن. كان يقول إن بوادر عودة الغائبين عن الوطن تحت ظروف مفهومة باتت واضحة وتحمل البشارة إلى من ينتظر عودتهم إليه. ولهذا الاعتبار كان يردد أمام صورة كل حفيد من أحفاده أو حفيداته: أنا بانتظارك لا تتأخر يا حبيبي.
وحين كانت تدمع عيناه بصمت كان يطمئنني قائلا: لا تحزن أنها دموع فرح اللقاء المرتقب.
ولم أكن أملك حينئذ جواباً. كنت أبصم مؤمنا معه بأن العودة حتمية، لأن بلدنا واجه مصيراً كهذا مرات ومرات من قبل، وفي كل مرة عاد واحتضن أبناءه وضمهم إلى صدره، كما العصافير المهاجرة يوم تعود إلى أعشاشها تلتمس الدفء والأمن والأمان.
غادرت منزل مضيفي ومازالت صور الأحفاد والحفيدات عالقة في ذاكرتي البصرية ودمع عينيه بفرح قرب عودتهم أمام عيني.

Exit mobile version