Site icon صحيفة الوطن

ظواهر إسرائيلية وعربية!

تصالح الفلسطينيون في غزة والقطاع، فيا غيرة الشياطين من بن غوريون حتى بنيامين!
صاح نتنياهو: «لا يمكن تحقيق السلام مع فلسطينيين متصالحين، لأن تصالحهم يضر بإسرائيل»، إن كان هذا قد صدق في أمر في حياته فهو، هذه المرة، في هذه الأخيرة.
بالأمس طلع علينا مجدداً بقوله: «لن يكون هناك اتفاق من دون إلغاء حق العودة والاعتراف بيهودية إسرائيل».
على أي حال، وأياً كانت آراؤنا في تلك المصالحة، ما كنهها، شروطها، مؤداها؟ فذلك موضوع آخر، أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فلم يشأ أن تفوته فرصة إبداء المزيد من عواطفه الفيّاضة نحوهم، إذ بادر إلى إعلان تضامنه قائلاً وهو عاقد الحاجبين: «نحن مستاؤون لهذا الصلح لأن من شأنه عرقلة عملية السلام»! لكأن الرجل لا يعرف أن حكاية السلام المهزلة هذه، لم تكن سوى لعبة يتسلون بها لكسب الوقت وتحقيق المكتسبات في حقل الاستيطان وغيره في جانبهم، وإيقاع المزيد من الخسائر في الجانب الفلسطيني والعربي.
يكفي أن ننظر، للتأكد من هذه الحقيقة، إلى ما حققه العدو وأنجزه منذ اتفاقية أوسلو، وإلى ما حاق بنا من خسائر، وما أضعناه من عمر القضية جراءها، في غضون عشرين سنة مضت على توقيعها، لقد كانت وبالاً على القضية وشعبها، وعلى الرغم من ذلك فإن موقعيها ما برحوا ملتزمين بها، مهرولين وراء سرابها، كيف ولماذا؟ علم ذلك عندهم والله أعلم!
لقد عوّدنا أولئك جميعاً إخفاء نياتهم ورغباتهم فيما مضى، غير أنهم الآن يجاهرون بها، دونما خجل أو وجل، وما ذلك إلا المحصلة الطبيعية لما بلغه حد استهتارهم بالعرب من جهة، وبالمنظمات الدولية والرأي العام العالمي من جهة ثانية. كيف لا يبلغ بهم الأمر مبلغه هذا وهم يرون:
* أن بعض العرب العاربة تحوَّل عن عدائه، الصادق أو المزعوم، للكيان الإسرائيلي إلى صديق حميم، بل إلى حليف يركن إليه في معاداته لبني جلدته ممن يصرون على النضال من أجل استعادة فلسطين كاملة والأراضي العربية المحتلة لكي يعود الحق إلى نصابه والشيء إلى أصله.
* أن قضية فلسطين ذاتها وشعبها برمته قد أمست عند ذلك البعض نسياً منسياً، إن لم تكن عبئاً ثقيلاً حبذا لو أمكن التخلص منه كيما يكفي اللـه المؤمنين، وغير المؤمنين، القتال والنضال.
* أن الأمور قد بلغت حدوداً لم يكن للعدو ليحلم بها من قبل، هل حلم الإسرائيلي يوماً بأن يقوم بينه وبين فئة من الفلسطينيين تعاون وتنسيق أمني مشترك وظيفته التعاون معاً لمنع قيام انتفاضة أو ثورة، وما إلى ذلك مما ينغص على العدو راحته وطمأنينته؟ ناهيك عن أن يهدد وجوده، ويفسد عليه تدابيره وخططه للتوسع والاستيطان، أكثر من هذا، يبيح ذلك التنسيق للعدو اعتقال، وحتى قتل، من يشاء ممن يفكر، مجرد تفكير، في التصدي لممارساته الإجرامية اليومية التي لا تتوقف أبداً.
لقد استساغ العدو العمل على إشاعة الفرقة بين العرب من فلسطينيين وغيرهم، وتأليب بعضهم على البعض الآخر، فهو يرى في أي بارقة تشير إلى إمكان الخروج على ما أنجزه أو خطط له خطراً حقيقياً يقتضي التصدي له والقضاء عليه في مهده قبل استفحاله.
أغرب ما في الأمر وأعجبه، هو أن أولئك العرب، موضع الاستهانة والإهانة، يصرون على ألا يفيقوا من غفلتهم ليدركوا ما يراد بهم، وما ينتظرهم هم أيضاً على يد العدو نفسه عندما تنتهي أدوارهم في خدمته، ينسون أنهم ليسوا في نظر العدو، إلا عرباً يحلُّ قتلهم وسرقتهم وإذلالهم، أم تراهم لم يقرؤوا بعد مقولته التليدة بأن «العربي الجيد هو العربي الميت»! وليس أقل منه غرابة أن يواصل مسؤولون فلسطينيون المسيرة العبثية المسماة مفاوضات من أجل السلام العادل الشامل!
بالتداعي يمكننا القول إن ما يجري على الساحة العربية اليوم هو أفضل ما يتمناه العدو، بل هو أكثر مما حلم به يوم فكر وقدر وتآمر للوصول بالعرب إلى ما هي عليه أحوالهم المزرية الرهيبة في تاريخهم المعاصر، من ثم ها نحن نراه لا يتوانى عن المبادرة إلى انتهاز الفرصة الفريدة السانحة لتحقيق أمور طالما سعى إليها ولم تمكنه الظروف التي كانت قائمة من تحقيقها منها:
1- المبادرة إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة ما يسميه هيكل سليمان مكانه، لكي يصبح موضوع التهويد حقيقة موضوعية قائمة على الأمر الواقع المفروض، الذي كان قوام سياسته منذ نشوء كيانه.
2- الوصول إلى تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد» لشيمعون بيريز وكونداليزا رايس وصفقة القرن العتيدة!
3- احتمال تحقيق حلمه الأصلي القديم المتمثل في خريطته المعلقة على واجهة الكنيست، وفي خطوط علمه «أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل».
3- ترسيخ وجوده آمناً مستقراً إلى يوم الدين، بعد القضاء على جبهة المقاومة، أو إضعافها على الأقل، التي تحمل عنواناً لها مبدأ التحرير الكامل الشامل لفلسطين من البحر إلى النهر وعودة سائر أهلها إليها.
4- الهيمنة اليهودية على المنطقة سياسياً واقتصادياً واستغلال إمكاناتها وثرواتها النفطية وغيرها.
5- إعلان كيانه منذ الآن رسمياً على العالم كله «دولة يهودية» صرفاً ونقية كما يحلو له تسميتها، شاء من شاء وأبى من أبى!
العدو هنا ضامن للوصول إلى هذه الأهداف من دون أن يخشى ردة فعل عربية شاملة تحول بينه وبين تحقيقها، فكل ما يجري الآن يصب في مصلحته، أولاً وأخيراً، ترى ألم يدرك بعد، بعض العرب، أن المحرك الرئيسي وراء هذا الذي يجري في المنطقة هو إسرائيل واليهودية العالمية بتنظيماتها الأخطبوطية في أميركا خاصة؟
وبعد، فهل لنا أن نأمل في يقظة عربية واعية تحول بين العدو ومن معه، وبين تحقيقه لأهدافه المعلن منها والخفي على حد سواء؟ وما خفي، لا ريب، أدهى وأمر وأعظم.

Exit mobile version