Site icon صحيفة الوطن

التأويل في الثقافة العربية المعاصرة … آلية التعاطي مع الموروث والمنهج في بعض الاتجاهات التأويلية في الفكر العربي

تسعى الجماعات البشرية كل واحدة منها وبقوة لتفرض قراءاتها ورؤيتها، بناء على تنوع المشارب الفكرية وأدواتها في البحث، وعن هذه المشكلة التي ولّدت اتجاهات عديدة ورؤى مختلفة عن النص والتراث والوعي السائد، إضافة إلى بناء كل مفكر موقفه من التراث والنص بناء على المنهج الذي تبناه، محاولاً تأسيس رؤية جديدة مبنية على منهجيات معاصرة في قراءته للنص وفهمه للتراث.

انطلاقا من كل ما سبق جاء قياس د. عهد كمال شلغين في مؤلفه (التأويل في الثقافة العربية المعاصرة من الموروث إلى المنهج) واضعاً فيه كل اتجاه من خلال المنهج الذي اتبعه والنتائج التي توصل إليها، ومدى اتساقها مع المجال التداولي في الثقافة العربية. متابعاً الباحث بأن إشكالية البحث في التأويل في واقع يشوبه الغموض والنزاعات، إذ يظهر الآن واضحاً مدى تعقّد أزمات الثقافة العربية بكل تعقيداتها الدينية والفكرية والثقافية، ولا تزال إشكالية التأويل في التراث العربي الإسلامي موضع تساؤل وبحث في الفكر العربي المعاصر، كما وتقدم كثيراً من الإشكاليات المعيشة في الواقع العربي وفي الوعي السائد. وانطلاقاً من كل هذا إضافة إلى غيض من فيض يقدم لنا د. عهد كمال شلغين مؤلفه الجديد الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، بواقع 413 صفحة من القطع الكبير، ضمن خمسة فصول.
الاتجاه البنيوي في التأويل عند محمد عابد الجابري
خصص المؤلف في الفصل الأول من بحثه تحديد مشكلة التراث عند الجابري وتحليلها، وتوضيح أسس القراءة التأويلية وما اتخذه من موقف قطعي مع ما هو سائد من قراءات، ليصير إلى وضع خطواته المنهجية في التأويل التي فض بها مشكلة الفهم التراثي للتراث، ويوضح الجدل الذي يظهر بين القارئ من جهة وبين المقروء من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس تم البحث في بنية النص الإسلامي وما فيه من جدل بين المعقول واللامعقول، وما لذلك من تأثير في التفكير وتحديد لمشكلة الخطاب الفلسفي العربي المعاصر. وأخيراً تم تحديد مشروعه الذي طرحه في تجديد الإسلام وآلياته المنهجية عبر قراءة المشروع الفكري الإسلامي المنشود من قبله. فيلاحظ أن الاتجاه النقدي البنيوي عنده يتجلى من خلال دعوته إلى ضرورة القطيعة مع الفهم التراثي للتراث، وإرساء فصل مزدوج بين الذات والموضوع، ووجوب تحرير الذات من هيمنة النص والتراث، من أجل جعل المقروء معاصرا لنفسه ولنا.
الاتجاه الإسلامي التطبيقي
عند محمد أركون

في هذا الفصل بحث د. عهد كمال شلغين التعدّد المنهجي عند أركون، وتبيان بعض المناهج الإنسانية المعاصرة والظاهرة في فكره، كالمنهج الأركيولوجي والتاريخي والتفكيكي، وتم تحليل الاتجاه التحليلي الألسني الذي اعتمده في قراءته السيميائية، وصولاً إلى جلاء النزعة الإنسانية عنده وتحليلها والبحث في موقفه من أشكال القراءات المختلفة سواء أكانت استشراقية أم إيمانية أو فلسفية، ومن ثم تحديد معنى التأويل ودوائر تطبيقه في الخطاب الإسلامي من وجهة نظره، إذاً يُلاحظ أن أركون أراد بالاتجاه التحليلي الذي اعتمده أن ينقل الاهتمام التأويلي إلى النص بوصفه ظاهرة إنسية، وهو يعمل على التشكيك بمسلمات التراث الإسلامي الكلي ذات الوظيفة الإيديولوجية، من خلال مجموعة من المقاربات الفكرية.

الاتجاه التجديدي عند حسن حنفي
تمحور الفصل الثالث حول البحث في مسألة جدل التراث والتجديد عند حنفي، ودراسة أزمة التغيير ومشكلة المنهج في التعاطي مع التراث كما يراها، وتحليل النزعة الفينومينولوجية التي تبناها في قراءاته ومنهجه. وتم توضيح معنى التأويل وعلاقته بمفهوم اليسار الإسلامي عنده، وما يحمله اليسار من دوائر في التجديد داخل الثقافة العربية الإسلامية من علم كلام وعلوم والحكمة وأصول الفقه والتصوف، وأخيراً دراسة نظريته في التفسير. فقد انطلق حنفي في اتجاهه التجديدي من مسلمات مفادها أن التراث يكتسب معناه فقط في اللحظة الراهنة لكونه يعاد تزمينه في أفق الحياة المعاصر، وعمل على إحياء الجوانب الثورية في الدين وتأويل كل حدث على أنه ثورة، منطلقا من منهجية طبقت على النصوص بشكل عام ومنها النصوص اليهودية والمسيحية.

المنهج التأويلي عند نصر حامد أبو زيد
انطوى هذا الفصل على دراسة مقاربة المعنى بين مفهومي التفسير والتأويل عند أبو زيد، وتبيان الأثر الغربي في تأويليته وطرح إشكاليات النص والقراءة عنده من مسألة المجاز في النص، وجدل النص واللغة، ومشكلة الظاهر والباطن داخل النص وفي فهم المعنى، ثم تحليل مشكلة الخطاب الديني كما يراها، والبحث في علاقة التراث بالنص، وأخيراً أهمية التأويل في مشروعه التجديدي. ويتابع د. شلغين بأن أبو زيد يعد من المفكرين الذين أحاطوا بالتراث الإسلامي والفكر الغربي، وتأثر بـغادامير على وجه التحديد، وطرح سؤاله الأساس المستفاد من غادامير:هل من الممكن الوصول إلى قصدية موضوعية تاريخية للنص؟ أم إن عملية فهم النص جزء لا يستقل عن موقع المفسّر؟لقد أراد أبو زيد أن يقرأ النص قراءة تاريخية ناسوتية لا قراءة لاهوتية أسطورية من خلال تسليط ضوء العقل عليه، واستخدام الفكر النقدي لتحرير العقل من سلطة النصوص بوصفها شرطاً أساسياً عنده لتحقيق النهضة، ونقطة الانطلاق عنده من هذا تاريخية النص القرآني واعتباره نتاجاً ثقافياً لابد من وضعه في سياقه التاريخي وإخضاعه لتحليل مزدوج تاريخي ولغوي.

الاتجاه التأصيلي عند طه عبد الرحمن
في الفصل الخامس والأخير انطوت دراسة د. عهد كمال شلغين على تأصيل المنهج الدلالي والبحث في روح الحداثة بين التجديد والتقليد، وما لها من علاقات جدلية بين التراث والتجديد، وعن دور الترجمة العربية بين التقليد والتأويل وفعلها وأشكالها في المجال التداولي العربي، حيث إن عبد الرحمن سعى فيه إلى بناء مشروع فكري قوامه الإبداع من داخل الثقافة العربية الإسلامية نفسها، معتمداً على رؤية شمولية تكاملية مبنية على مفهوم المجال التداولي العربي لديه، من أجل بناء حداثة عربية أصيلة فحاول الكشف عن العوائق المنهجية التي تجعل من الحداثة مشكلة واقعية على صعيد الفكر العربي. والأولوية عند عبد الرحمن-بحسب المؤلف-كانت للتراث والبحث في مضامينه وجاء موقفه من التراث على أسس فكرية وقراءة معمّقة في الموروث الديني الإسلامي على وجه التحديد وقراءة التراث بآليات معاصرة يمكن من خلالها العمل على تجديد التراث، كل ذلك من خلال العودة للمصادر الرئيسة للتراث معتبراً أن المصدر المؤسس الذي ولده التراث الذي بين أيدينا هو(القرآن الكريم) فيعتقد أننا نحتاج للدخول إلى الحداثة إلى قراءة حداثية للقرآن بالمعنى الإنساني.

Exit mobile version