Site icon صحيفة الوطن

استعادة قطعتين أثريتين سوريتين منهوبتين … وزير الثقافة: شكراً أيها السوري النبيل فقد رممت جزءاً مما دمرته الحرب على سورية

لم يترك أعداء سورية وسيلة إلا واتبعوها لإسقاط هذا البلد الذي بقي وحيداً يجابه أعداء الإنسانية، فمن الحرب العسكرية الإرهابية إلى الحصار الاقتصادي ومنه إلى محاولة طمس التاريخ والحضارة.
منذ سنوات، كانت الآثار السورية هدفاً لكل الطامعين، خاصة أن سورية كانت وما زالت مهد كل الحضارات والأديان، فقام الإرهابيون بهدم وتخريب وسرقة كل ملمح حضاري، في جرائم لا تغتفر بحق الحضارة.
أمس الأول، وبرعاية وحضور وزير الثقافة محمد الأحمد، أقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف حفل إهداء قطعتين أثريتين سوريتين للمتحف الوطني بدمشق من المغترب السوري رضوان خواتمي، في المتحف الوطني بدمشق بحضور وزير السياحة المهندس محمد رامي مرتيني وسماحة مفتي سورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون، ومدير عام صندوق الآغا خان للثقافة لويس موريال، والمدير العام للآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود.

الدمار والتخريب
في كلمته قال وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد: طالت الكارثة بعض المتاحف فنهبت مقتنيات متحف إدلب الذي يضم أرشيف مملكة إيبلا العظيم، وكذلك مقتنيات متحف الرقة، ومتحف المعرة، وأفاميا، وبعض مقتنيات متاحف حمص، وبصرى الشام. لكن الأشد إيلاماً هو الدمار والتخريب الممنهج الذي طال المواقع الأثرية وأدى إلى اندثار كلي أو جزئي للكثير من الأبنية التاريخية والأثرية وهذا ما وقع في حلب القديمة وتدمر ودير الزور والرقة والمدن المنسية وغيرها. وكذلك أعمال التنقيب الهمجية التي تعرضت لها التلال الأثرية في كل مكان وطئتها أقدام الإرهاب النجس، والتي تظهر تدميراً ممنهجاً ومدروساً لهذه المواقع وطبقاتها الأثرية.
وأكد على أهمية ما قام به المغترب السوري رضوان خواتيمي بالقول: هناك نفوس أبية آلمها ما وقع على تراث بلادها من ظلم وحيف فانبرت تدافع عنه وتتدخل لإنقاذه ونجدته من التداول في أسواق النخاسة الثقافية، وتعيده إلى بيئته وتربته التي ولد فيها، وهذا بالضبط ما فعله المواطن السوري المغترب خواتمي الذي نجح في استرداد قطعتين أثريتين من الحجر البازلتي عليهما زخارف دينية مسيحية تعودان إلى العصر البيزنطي، وأهمية هذا الفعل لا تقتصر على القيم المادية للقطعتين فقط ولكن على ما يحمله من قيم أخلاقية ووطنية وتربوية وإنسانية أيضا، وهي رسالة أراد أن يعبر بها بطريقته عن عمق انتمائه لوطنه ومحبته لشعبه.
وتوجه إلى خواتيمي بالقول: لقد عبرت أيها الصديق في هذا الفعل النبيل، وهو ليس غريباً عليك، عن سمو مشاعرك وعمق جذورك لأهلك ووطنك، ومحبتك للأرض التي خرجت منها، فكنت نعم الوفي والمخلص لها، فاسمح لي وباسم كل السوريين أن أشكرك على نبلك وجليل عملك وجهودك المباركة والمخلصة التي أثمرت عودة هاتين القطعتين إلى ربوع المتحف الوطني بدمشق.
وختم الأحمد كلمته بالحديث عن إنجازات الجيش العربي السوري في سبيل استعادة القطع الأثرية السورية قائلاً: لقد استطاع جيشنا إعادة نحو عشرين ألف قطعة أثرية حتى الآن من المناطق التي تم تحريرها من العصابات الإرهابية، وهذا الجيش بمحبة شعبه وقيادة السيد الرئيس بشار الأسد سيبقى راعيا للتراث السوري وحامياً له وسيعيد الحرية لكل ذرة تراب مازالت سليبة من أرض سوريانا بإذن الله.

هدية قيمة
بدوره قال خواتمي: أسعدني جداً تمكني من إعادة قطعتين أثريتين لهما قيمتهما التاريخية إلى بلادي ومسقط رأسي سورية، وهما كانتا موجودتين في إيطاليا ويعود تاريخهما إلى القرن الرابع والخامس، وغادرتا سورية منذ زمن بعيد ورؤيتي لهما للمرة الأولى جعلتني أشعر بضرورة إعادتهما إلى حيث يجب أن تكونا، لتعود آثارنا من الغرب إلى الشرق، ومنذ عشر سنوات لم أزر سورية، وكنت أعيش ألمها وأبحث تواقاً عن هدية تبعث فيها الفرح حتى وجدت ما نحتفل به اليوم، هذه الأبواب حملت وراءها 16 قرناً قبل أن تحط رحالها عام 1960 في إيطاليا، لتعود اليوم بعد غربة نصف قرن، وأشكر جميع من ساهم في تسهيل عملية الاستعادة.

جذور تاريخنا
سماحة مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون أشار إلى أن هذه القطع ليست أحجاراً فحسب بل رسائل كتبها الأجداد ليوصلوها إلى الأحفاد لتأكيد أننا أصحاب هذه الأرض والحضارة والقيم.
وتساءل: نلتقي اليوم من أجل تثبيت جذور تاريخنا، فصفقة القرن القادمة هدفها مسح الجذور العربية من فلسطين، فلماذا يحاول الإرهابيون تدمير تدمر وكنائس سورية وأموي حلب؟

مزاد علني
الدكتور محمود حمود مدير مديرية الآثار والمتاحف بدوره قال: تعرض التراث السوري إلى تخريب ممنهج، ما أفضى إلى فقدان وتهدم العديد من الآثار، بمقابل ذلك نجد من يهتم بالحفاظ على هذا التراث وإعادته إلى جذوره وهذا ما حصل مع الدكتور خواتمي الذي رأى هاتين القطعتين الأثريتين في مزاد علني فاشتراهما وأعادهما إلى مكانهما وموطنهما الأصلي، وهذا العمل يدل على وفاء هذا الرجل السوري الذي لم تنسه غربته بلاده وتراثها.
وأضاف: إن القطع المرتجعة جزء من التراث السوري المنهوب، مشيراً إلى مئات الآلاف من القطع الأثرية سرقت من مواقعنا المختلفة، وتهدمت عشرات الأبنية الأثرية المهمة جداً».

تفاصيل القطعتين
يذكر بأن القطعتين الأثريتين هما مصراعا باب من الحجر البازلتي تم تهريبهما إلى إيطاليا ويعودان إلى العصر البيزنطي، يحملان زخارف نباتية وهندسية نفذت بطريقة النحت البارز، المصراع الأول للأبواب أبعاده طول 138 سم، وعرض 80 سم، و٦سم سماكة مفصلاته، من اليمين عليه زخارف على شكل عمود له قاعدة وتاج ويتضمن ثمانية مربعات تمثل حشوات الباب على أربعة مستويات في كل مستوى مربعان، المربع الأعلى من اليسار فيه مشهد لثلاثة أعمدة ملفوفة بتيجانها وقواعدها يقابله في المربع المجاور مشهد لمشكاة معلقة بقوس وأنصاف كرات في الزوايا، وفي المستوى الثاني من اليسار مربع مشهد الصليب المالطي تخرج من زواياه لفائف زخرفية يقابله في المربع المجاور المشهد نفسه، وفي المستوى الثالث من اليسار يحتوي على إطارين مربعي الشكل لهما المركز نفسه، يقابله ثلاثة إطارات معينة الشكل لها المركز نفسه وفي الزوايا أنصاف كرات، وفي المستوى الرابع يُشاهد من اليسار وردة مزدوجة وأنصاف كرات في الزوايا، يقابله مشهد أقحوانة منحوتة في داخل قرص وأنصاف كرات، وبين المستوى الأول والثاني في اليسار هناك ثقب بقطر ٤ سم لقبضة الإغلاق، وفي المستوى الثاني يساراً ثقب آخر ٥×٦ سم لمسكة الباب.
أما المصراع الثاني فأبعاده طول 113 سم، وعرض 78 سم ، و7سم سماكة، يتضمن أشكالا هندسية مربعة ومستطيلة الشكل ضمن عدة مستويات، في المستوى الأعلى من اليسار مشهد وحدة زخرفية هندسية، ويقابلها من اليمين المشهد نفسه، في المستوى الثاني من اليسار مربع يحتوي على نجمة ثمانية بينها دوائر صغيرة الحجم يقابله المشهد نفسه، في المستوى الثالث المستطيل في الجهة اليسرى يتضمن معينا ضمن مربع، مع وردة بأربع بتلات.
وفي المستطيل المقابل ثلاث دوائر، بداخل الدائرة الوسطى زهرة مؤلفة من أربع وريقات، وفي المستوى الرابع من اليسار مستطيل يتضمن بناء قائماً على أعمدة وسقفاً معقود، يقابلها هيكل رباعي الزوايا داخل قوس على عمود، وفي المستوى الخامس المستطيل من اليسار مشهد وحدة زخرفية هندسية يقابلها المشهد نفسه، وفي وسط المربع في المستوى الثاني اليساري يوجد ثقب مع قطعة معدنية لمقبض الباب وبين المربع في المستوى الثاني اليساري وأسفله يوجد ثقب مستطيل الشكل للقفل.

Exit mobile version