Site icon صحيفة الوطن

متهم خارج القفص

د. اسكندر لوقا :

ليس اعتباطا القول أحياناً إن ثمة أبرياء قد يكونون داخل السجن وثمة جناة قد يكونون خارجه. هكذا هي الحياة في حالتي الرأفة والقسوة. ومن هنا ينصح غالبا بألا نصدر أحكاما بحق الغير من دون تدقيق أو رويّة وقبل التأكد من دواعي براءته أو إدانته. وحين نضيف إن العدالة موطنها الطبيعي الضمير أولا والعقل ثانيا، فإننا لا نكون مغالين في قولنا هذا لأن العدالة ما إن تفقد أحد ركائزها لا يمكنها أن تزن الأمور بميزان يحقق أغراضها وإن كان مصنوعا من ذهب. ذلك لأن أي خطأ في تقدير من البريء حقاً ومن المدان حقاً، لا بد أن تغدو العدالة حينئذ نقمة بديلا من نعمة. ومن هنا وجوب التزام الموضوعية في إصدار الأحكام لأن القارئ لا بد أن يسأل أين الموضوعية في هذه الأيام وهو يشاهد بأم العين مدانا خارج القفص على غرار المتلاعب بوزن الرغيف أو نوعه أو المتلاعب بحجم كيس المحارم وعددها، أو اختزال حجم الوعاء الذي يحتوي على كم من اللبن، كل ذلك مع الاحتفاظ بالسعر الذي كان معمولا به قبل عملية الاحتيال على المواطن صاحب الحاجة إلى هذا المنتج أو ذاك.
ترى، كيف يمكن لأحدنا أن يسامح من يسرقه علنا، وتنطبق عليه مقوله العدالة، وهو يراه يتمختر أمام عينيه داخل دكانه أو في الشارع متخذا شكل الصائم وهو مفطر حتى أذنيه؟ كيف؟
حين يصل الأمر برئيس مجلس الوزراء – على سبيل المثال – إلى زمن التوجيه بمحاسبة المفسدين أمثال هؤلاء ومن لف لفهم، والبلد على مشارف الوضع الأكثر صعوبة مما يعانيه منذ أكثر من أربع سنوات، من الطبيعي أن يخامر أحدنا كمّ من الحزن لضياع القيم المثلى بين الناس، وبحيث أصبح البديل منها اقتناص الفرص لتحقيق المزيد والمزيد من المكاسب على حساب من لا يملك إمكانية تخطي عتبة الحاجة الماسة إلى رغيف الخبز وعلبة الحليب وسوى ذلك من متطلبات العيش الكريم وإن يكن راضيا العيش على الحدّ الأدنى منه حرصا على استمرار البقاء.
إن سورية لم تكن يوماً إلا رديفاً لأكثر من دولة سواء في إفريقية أو في آسيا حين كانت تلم بهذه الدولة أو تلك كارثة إما بفعل الإنسان أو بسبب من عوامل الطبيعة، وهي لا تزال، حتى الساعة، رديفا لتيار المقاومة الوطنية حيث يشهد لها التاريخ بأنها، مهما عانت من الغير، فإنها لم ولن تتخلى عن التزام المقاومة، حتى على حساب معيشة أبنائها، وهذا ما لا يحتاج إلى برهان، لأن الواقع أصدق شاهد على ما تقوم به على الأرض بالفعل لا بالقول، ولا تخشى أحدا في غضون ذلك.
ولأن ثمة من يتجاهل هذه الحقيقة، أو يجهلها عمدا، ينصح بأن يقرأ جيداً وبموضوعية آراء سواه، فيما تعاني منه منطقتنا راهنا، وصولا إلى الحقيقة التي ينشدها وإلا بقي أمّيا وكمن يرتكب عملا يستحق عليه جزاء ولكنه لا يزال طليقا وبمنتهى الجرأة يتحدى الناس. في هذا المجال مفيد أن نقرأ قول عبد اللـه ابن المقفع (724 – 759): من استقبل وجوه الآراء عرف موقع الخطأ. فهل ثمة من يعي؟

Exit mobile version