Site icon صحيفة الوطن

صراع في الحزب الجمهوري

على الرغم من أنه مر على وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض أربع سنوات فهو مازال يعاني من تعنت فكر المحافظين الجدد داخل حزبه، وبدا ذلك جلياً في الانتقادات المتواصلة التي يتلقاها ترامب وسياساته من داخل الحزب الجمهوري نفسه، ما يدل على أن الصراع بين الفكر الترامبي الانعزالي الجديد وفكر المحافظين الجدد مازال قائماً، ولعل ما صدر عن رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل مؤخراً خير دليل على ذلك.
في مقال له نشرته صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام، انتقد السيناتور ماكونيل سياسة الرئيس الأميركي في سورية ووصفها «بالكابوس الإستراتيجي»، وقال: إن «انسحاب القوات الأميركية من سورية خطأ إستراتيجي خطير يعرض أمن الشعب الأميركي وبلادنا للخطر ويشجع أعداءنا ويضعف تحالفاتنا الهامة». وشبه ماكونيل في مقاله قرار سحب القوات الأميركية من سورية بقرار سحب القوات الأميركية من العراق في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي وصفه بالمتهور وأن «الانسحاب من العراق ساعد بشكل كبير في إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية داعش».
كما أوضح زعيم الأغلبية الجمهورية أن «تزامن انسحاب القوات الأميركية مع تصاعد الأعمال العدائية التركية الكردية يخلق كابوساً استراتيجياً لبلدنا، حتى لو كان وقف إطلاق النار قائماً فإن الهجوم التركي والانسحاب الأميركي يحد من قدرة واشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية ويسمح بنمو النفوذ الروسي الإيراني في المنطقة».
في نهاية مقاله أوصى السيناتور ماكونيل بضرورة «استخدام سياسة العصا والجزرة لإعادة تركيا إلى حدودها مع احترام مخاوفها الأمنية المشروعة، والحفاظ على وجود عسكري أميركي محدود في سورية والعمل بشكل وثيق مع حلفائنا في الشرق الأوسط المهددين بهذه الفوضى».
من الواضح أن المحافظين في الحزب الجمهوري يريدون الاستمرار في لعب دور الشرطي العالمي، كما كانوا يفعلون بعد أحداث 11 أيلول 2001 أي عندما كان العالم أحادي القطب، وحرب العراق التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن خير دليل على ذلك.
لكن إستراتيجية المحافظين الجدد هذه لم تعد ممكنة لعوامل عدة منها:
– وصول رئيس أميركي ينتمي إلى المدرسة الانعزالية التي ترى الوجود العسكري الأميركي في مناطق مختلفة من العالم مكلفاً مادياً ومعنوياً وغير مجد عملياً، هذا لا يعني أنه ضد الهيمنة الأميركية ولكن بطريقة أخرى.
– ثانياً وهو الأهم ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تطغى فيه تحالفات المصالح على تحالفات الأيديولوجية.
عادة يتغير النظام العالمي بعد خوض حرب تشارك فيها القوى العالمية، فمثلاً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918 ظهر نظام القوميات وتحولت إمبراطوريات أوروبا إلى دول مبنية على أساس قومي، وبعد الحرب العالمية الثانية 1945 أصبح العالم ثنائي القطب منقسماً بين القوتين العظميين والمتحالفين معهم، حلف وارسو وحلف الشمال الأطلسي.
مع انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب اليوغوسلافية في أوروبا 1995 تغير العالم وانتهى حلف وارسو والمعسكر الشيوعي وأصبحت الولايات المتحدة هي سيدة العالم في نظام أحادي القطب.
ومع اقتراب انتهاء الحرب الكونية على سورية بدأت ملامح النظام العالمي الجديد بالظهور، انتهت سياسة القطب الواحد وأصبح لأميركا شركاء في اتخاذ قرارات تتعلق بالسلم العالمي وبدأت سياسة الأحلاف بالسقوط وما يحدث بين تركيا وأميركا وأوروبا في شمال سورية خير دليل على ذلك، ربما تكون هذه هي المرة الأولى منذ إنشاء حلف الشمال الاطلسي «الناتو» ألا يتفق أعضاؤه على سياسة إستراتيجية موحدة إلى هذا الحد!
ربما على تيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الأميركي القبول بحتمية التغيير في النظام العالمي الذي كان سائداً قبل الحرب على سورية، والقبول بتغيير الفكر الإستراتيجي الذي يعتمدون عليه.

Exit mobile version