Site icon صحيفة الوطن

الحل السياسي.. اقتصادياً

يرتكز الحل السياسي في سورية منذ بداية الأزمة على قدرة المجتمع الدولي على جمع عدد من الأطراف، ورغم اختلاف المواضيع التي يستند إليها حوار هذه الأطراف لكنها في النهاية مبنية على تغيير التمثيل، وإيجاد صيغة خاصة لممثلي الشعب السوري، واللافت أن أول مؤتمر لجنيف كان الممثلون دوليين من دون حضور أي طرف سوري، وفي هذا الاجتماع تحديداً ظهرت أطراف الصراع بوضوح، وتم وضع أجندة التماس المستمر للعواصم العالمية داخل سورية.
عملياً فإن إخفاق الاجتماع الأخير للجنة الدستورية، وحديث المسؤول الأممي غير بيدرسون عن الأولويات الخاصة بالتفاوض؛ يدعو للنظر إلى مؤشرات مختلفة اجتاحت الأزمة السورية، وربما وضعت مؤشرات مختلفة لطبيعة الحل السياسي، فالاشتباك الدولي لم يعد كما في السابق، على حين أصبح الاستقرار الداخلي معتمداً على التوازن الاقتصادي إضافة للتوازن السياسي, بالتأكيد فإن العامل الاقتصادي كان أساسياً منذ بداية الأزمة، فالضغوط الدولية اقتصادية قبل أن تصبح عسكرية، ولكن السنوات الثماني الماضية خلقت واقعاً اقتصادياً مختلفاً وأصبح أي حل سياسي ولو رضيت به الأطراف كافة؛ مهدداً بالانهيار إذا لم يضمن حالة من الإنتاج الداخلي، فالمعادلة اليوم ربما لا تختلف سياسياً لكن تفاصيلها أصبحت أكثر أهمية في مسألة التمثيل السياسي، فالأطراف التي تضع الدستور في جنيف لن تكون قادرة على خلق واقع تنموي إذا لم تظهر قوى إنتاجية مختلفة داخل المجتمع عموماً.
الجانب العميق لهذا الموضوع ظهر على الهامش الجغرافي لسورية، ففي لبنان ودون حرب فعلية واجهت النخب السياسية استحقاق الانهيار الاقتصادي، وارتد هذا الأمر على سورية بشكل متزامن مع أزمة المصارف اللبنانية، وبغض النظر عن التفاصيل فإن الشكل الكارثي الذي أوجدته الأزمة السورية إقليمياً هو ما يستحق النظر والبحث، لأن الحل السياسي في الشكل المعتمد دولياً استنفد عملياً كل الأساليب، وإمكانية التوصل إلى توافق حول طبيعة الحل أصبحت خارج حالة المألوف الاقتصادي.
يقدم الجانب الروسي منذ عام 2018 جزءاً من هذه الأزمة وخصوصاً عندما يحمل ملف إعادة الإعمار باتجاه أوروبا، فهو يسعى لإيجاد صياغة دولية تجعل الحلين الاقتصادي والسياسي متوازيين، وبالتأكيد فإن موسكو تدرك أن الضغوط الاقتصادية لا يمكن حلها قبل التوافق السياسي، لكنها تحاول فتح مسار لا يحوي احتمالات تفجير عسكري، وهذا المشهد كما قدمه الروس يحمل أمرين:
– الأول: جعل تصفية الكثير من الملفات تسبق الحل السياسي، فالروس ربطوا إعادة الإعمار بعودة اللاجئين، قبل أن تقوم أنقرة بعمل عسكري في الشمال السوري بحجة إعادة اللاجئين لديها.
المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الأمن القومي جون بولتون، اعتبر أن الخطة الروسية تعبر عن أزمة موسكو في سورية، وهذا الجانب من التفكير الأميركي يعكس صورة حقيقية لأن أبعاد الأزمة تبدلت، ولكن الأزمة غدت مع الانهيار الاقتصادي في لبنان لا تخص موسكو بل معظم العواصم العالمية، فالصراعات جرفت معها الواقع الاقتصادي وخلقت أزمة على مستوى أي نخبة سياسية في شرقي المتوسط.
– الثاني: عدم القدرة على تأمين برنامج لطرف واحد لانتشال الوضع إقليمياً وليس على المستوى السوري فقط، و«قانون قيصر» ربما يُصعب المهام الروسية بخصوص الواقع الاقتصادي، لكنه أيضاً يحرك أطرافاً أخرى للتعامل مع هذا الملف.
يخنق «قانون قيصر» العلاقات الاقتصادية البينية على مستوى المحيط الجغرافي لسورية، وهذا الأمر سيؤدي لمزيد من الإخفاقات الاقتصادية للدول التي تستند اقتصادياً إلى سورية مثل لبنان، وسيجعل دولاً أخرى مثل الأردن تبحث عن مساعدات جديدة، وكل هذه الأزمات ستجعل المدخل الاقتصادي بوابة لإعادة النظر بأركان الحل السياسي المعتمد حالياً للأزمة السورية.

Exit mobile version