Site icon صحيفة الوطن

بين حدث وحدث

حين يفيدك نبأ بأن حفل توقيع كتاب أقيم في فندق خمس نجوم أو صالة فخمة في مدينتك فليس ثمة ما يستدعي السؤال لماذا الحفل ولماذا في مكان كهذا؟ وحين تعلم أن الكتاب هو باكورة صاحبه، تتصور أبوين رزقا بمولدهما الأول بعد طول انتظار، وكما تغمر الفرحة الأبوين كذلك تغمر الفرحة أديباً أصدر كتابه الأول.
من حيث المبدأ من الطبيعي أن يقوم مؤلف الكتاب بتوزيع نسخ من كتابه على معارفه وأصدقائه من المعنيين بالحركة الأدبية في نطاق معارفه، وليس في هذا الموقف ما يضير المؤلف أو ينتقص من كتابه، أما أن ينفق مالاً يكفيه لإصدار كتاب آخر قبل أن يعرّف هو نفسه أو أحد النقاد بكتابه عبر وسائل الإعلام المتاحة في بلده، فإن ظاهرة كهذه تستدعي التوقف عندها بشكل أو بآخر.
ومعروف لدينا، كما لدى الجميع، أن إقناع الناس لا علاقة له، في مثل هذه المناسبة، بما يمكن أن يسمع في سياق حفل التوقيع، لأن الصلة مع الحدث تكون شكلية من حيث قيمته الحقيقية، في حين التعرف إلى الكلمة عن كثب، يوضح للقارئ مكانة الكتاب وصاحبه ويكون الأقرب إليهما، وكلما كانت الصلة أكثر قرباً من الكلمة المكتوبة في سياق قراءتها، تزداد أهمية الكلمة بحد ذاتها بوصفها وسيلة اتصال مع المتتبع لها، سواء وردت في كتاب أم في صحيفة، وتزول بذلك المسافات بين الكاتب والقارئ، إذ ليس شرطاً أن يكتسب المرء قيمته من خلال مظهره، فالمظهر هو الجانب المرئي وهو الجانب الذي يخدع كما الماكياج يؤدي دوراً في وقته لأن الحقيقة تعلن عن نفسها وليس ثمة أي علاقة بين المظهر والمحتوى، بين غلاف الكتاب ومحتواه على سبيل المثال.
شيء من هذا القبيل يمكن أن يقال ونحن أمام حدثين، الكتاب الأول، والمولود الأول. ثم أن الكتاب، أيّ كتاب مهما كان مؤلفه شهيراً لا يمكن أن يكون كتاب الموسم حتماً ربما بوجود كتاب آخر على الدرب، على حين المولود مهما كان ترتيبه من حيث تاريخ ولادته أو طرق تربيته، مؤهل كسواه من المواليد كي يكون مثلا لتفوق حتى إذا جاء من دون أن يدري به أحد، على غرار من ولدتهم أمهاتهم بمنتهى الصمت ولم يسمع بمجيئهم إلى الحياة أحد إلا بعد أن أكدوا وجودهم على الأرض بين الناس. كذلك هو الكتاب الذي يحمل عنواناً ولا يمكن أن يحتل مكانه إلا بعد معرفة محتواه بعيداً عن الضجيج إن صح التعبير.

Exit mobile version