Site icon صحيفة الوطن

بين الكتاب الورقي والإلكتروني.. أين يقف القارئ؟ … لا يزال الكتاب الورقي يحمل نكهته

لجين اسماعيل :

حروف وكلمات.. عبارات وسطور صاغت أروع الكلام… أناملُ خطّت ولامست النقاء والصفاء.. صفحات وصفحات تقلب متشوّقين لمعرفة النتائج التي آل إليها الكاتب.. كل تفصيل له كينونته الخاصة ووجوده المستقل.. فيه الحضور الذهني والفكري والثقافي.. فيه التمعّن واستجماع الحواس.. إنا نتحدّث عن القراءة الورقية… تلك العلاقة الروحانية التي نستشعرها عند قراءة وتقليب صفحات من كتاب… ذاك الموروث الباقي عبر الأجيال رغم التجديد. وها نحن اليوم أمام ثورة تكنولوجية اجتاحت العالم الورقي، امتدت لتصبح المسيطر الأكبر.. فهل سيصبح الكتاب الورقي من الماضي.. أم إن العولمة التكنولوجية ستفرض وجودها على مجالات الحياة؟
بين الماضي والحاضر.. سيبقى الورقي متأصلاً في حياتنا.
مع الضجة التي أحدثتها التكنولوجيا يبقى الورقيُّ الروح والمتنفّس الوحيد فيقول السيد جابر مدرس جغرافية «كلّ تفصيل في الكتاب الورقي يشدّنا إليه من اقتناء الكتاب والبحث عنه إلى ملامسة أوراقه وصفحاته ونفض الغبار عنه.. وتفهّم سطوره وتدوين الملاحظات والاحتفاظ بعبارات أعجبتنا للعودة إليها.. فعلى الرغم من التقنية الالكترونية إلا أنّي لا أفضلها مع يقيني بأنها المسيطرة في المستقبل.

روعة وجمالية الكتاب الورقي
لا ننكر أن الالكتروني انتشر بشكل واسع إلا أن أجيال الآباء والأجداد ظلّت محافظة على اقتناء الورقي، فيتابع الأستاذ جاير الأسباب التي جعلته «مدمن القراءة الورقية» حسب ما أسماه.. انطلاقاً من كون القراءة الورقية أكثر متعة ومؤنساً للإنسان في وحدته مستشهداً بعيارة خير جليس في الأنام كتابُ حيث يستحضر حالات الكاتب وانفعالاته، مشيراً إلى الجودة التي يحققها الورقّي في معلوماته، كما ترسّخ الأفكار في ذهن القارئ إضافة إلى سهولة التنقل وحمل الكتاب في كل الأوقات ومتى أردنا.

التكنولوجي في طريقه لابتكار رجل آلي
في ظل التقنية العلمية المشهودة في المنطقة نبقى أمام هاجس انعدام دور الإنسان المتفاعل، فيؤكّد هنا الأستاذ جابر أهمية القراءة ودورها في صقل العقل البشري الذي بدأ بالانحدار تدريجياَ نتيجة اجتياح التكنولوجيا لعالمه الفكري لافتاً إلى أن جيل الشباب اليوم أبعد ما يكون عن الاهتمام بالموروث، فأشار إلى أن القراءة الرقمية تشتت الحواس والأفكار.. عدا ما تسببه من مشاكل صحية نتيجة التقيد بوضعية جلوس خاصة أمام الجهاز المستخدم، ما يجعل القراءة مرتبطة بتواجد جهاز يدعم نوع القراءة الالكترونية ما يشكّل عبئاً على القارئ ويجعله يتناسى المطالعة والقراءة، كما تشهد القراءة الالكترونية تراجعاً في شمولية الكتب المعروضة وعدم كفاية أعدادها.. فقد بات القارئ أمام هذا التطوّر مسلوباً ومشدوداً للشاشة الرقمية معطّلاً فكره وحواسه متحوّلاً بذلك إلى رجل آليّ تحرّكه أوامر جهازه التكنولوجي الأمر الذي يؤدي إلى توقف الزمن وفقدان الروح الفكرية والثقافية.

الالكتروني موضة وحاجة العصر
لاشك أن للقراءة الورقية أوقاتها… إلا أن للزمن حقّه.. وعصرنا اليوم أحوج ما يكون للقراءة الالكترونية وهذا ما يوضحه المهندس محمود في حديثه عن التوسع الالكتروني في المعلومات التي يطرحها حيث يمكننا الحصول على المعلومة بالتنقّل عبر مئات المواقع وبتكاليف أخفض، إضافة إلى تمكّن القارئ من نقل المعلومات ولو كان ذلك من أماكن بعيدة فضلاً عن طاقة الاختزان التي يمكن أن يحتويها وأضاف: «أنا في الحديث لا أتعصّب وأنحاز للالكتروني.. لكن أوضح وجهة نظر العصر».

ما حقيقة التوجّه الإلكتروني؟
لا ننكر دور الورقيّ في حياة الكثيرين من الأدباء والمفكرين والمثقفين إلا أن هذا لا يخفي حقيقة التطور الفكري والثقافي التي نشهدها.. فعصور مضت وأدوات تطوّرت، وفي هذا يتابع محمود: «بالنظر إلى ما نعيشه من تطوّر في مجالات التفكير والدراسات وابتكار سبل وطرائق سهلة للتواصل لم نعد بحاجة الورقي وخاصة أنه يتعرض للتمزّق والتلف، الأمر الذي يجعل الحصول على معلوماته في غاية الصعوبة، إضافة إلى كون الورقي يقدّم المادة جامدة على عكس الرقميّ والتكنولوجي الذي يُرفق المادة بصور تجذب القارئ.

ازداوجية الورقي والالكتروني
صحيح أننا في عصر بات كل شيء فيه الكترونياً إلا أن هذا لا يبعدنا عن موروثنا الذي خلق المفكرين والمبدعين.. فالكتب الورقية كانت منارة هؤلاء في أيام مضت وحققت لهم طموحاتهم ونجاحاتهم.. وهنا تتحدّث الطالبة رنيم بنوع من الازداوجية وعدم فصل الورقي عن الالكتروني.. فكلّ له حاجته ووقته وأسلوبه، فتقول: « بالنسبة لي لا أفضل هذا أو ذاك.. فكلّ له خصوصيته ومطلبه، وبوصفي طالبة جامعية أفضل اقتناء الالكتروني لكونه أكثر سرعة في الحصول على المعلومة، كما يوفّر جهداً ووقتاً، أمّا فيما يتعلّق بممارسة طقوس المطالعة أميل للكتاب الورقي حيث يوفّر جوّاً من الرومانسية والتآلف وحب الكلمة وعشق السطور.. وهنا أعتبر أن لكل نكهته الخاصة لكن يجب علينا معرفة قواعد استخدام كلّ منها.

وعن رأي المكتبات
نتساءل دوماً عن الأسباب التي كانت وراء تناقص نسب الشراء.. فهل للعامل الاقتصادي دورٌ؟! وهل بات القارئ العربي بمنأىً عن تكريس ثقافته وتعزيزها؟!.. أسئلة كثيرة تُطرح وما من مجيب، ربما تناقص الطبقة المتوسطة المعوّل عليها في اقتناء الكتب أدى إلى تناقص نسب الشراء وهذا احتمال إلا أنّنا إلى اليوم لم نجد تفسيراً منطقياً.. تقول صاحبة إحدى المكتبات في نفق الآداب إنها تعمل منذ ثلاثين عاماً في هذا المجال إلا أنها لم تلاحظ فرقاً في الإقبال _ أمن الممكن أن يرتبط هذا الإقبال بقربه من مركز تعليمي وتدريسي؟ – فتوضح السيدة: «على العكس أن ثقافة القارئ السوري وسعيه دوماً للتحرّي -إن صح التعبير- عن ثقافات أخرى جعله متفوقاً في جميع المجالات وأينما ذهب».
فالطلاب والمثقفون إلى اليوم مازالوا يتوافدون إلى مكتبتها لاقتناء الكتب الثقافية والأدبية والفكرية.. كلٌّ حسب الطلب.
ومن جانب آخر يقول صاحب مكتبة في منطقة المزة إن نسب الشراء واقتناء الكتب تتفاوت بين يوم وآخر.. إلا أنه بالمجمل يمكن القول بانخفاض هذه النسب إذا ما تمّت المقارنة بعصر الآباء والأجداد، إضافة إلى اختلاف التوجّهات والميول، فلم تعد الكتب الثقافية مركز اهتمامهم، فتوجّهوا إلى بعض الكتب المنوّعة. وإذا بحثنا في أسباب هذا التوجّه ربما كانت البيئة الثقافية التي نشؤوا بها تتّسم بالضعف… أو أن عصرهم عصر التكنولوجيا والهواتف الذكية.. فهل سيأتي اليوم الذي نفتقد فيه حسّ القارئ العربي؟!
وختاماً لا يمكننا إدراك أي منهما سيكون قدره الفوز، فلكلّ له دوره في حياتنا… فهل سنتلافى الورقي تدريجياً حتى نفقد الإحساس به؟!.. وهل ستكون القراءة الالكترونية ذاك النتاج الحضاري الذي سيفرض سيطرته على الكوكب الأرضي.. ربما اهتماماتنا وتوجهاتنا ستحدد ذلك!!!.

Exit mobile version