ثقافة وفن

مؤسسة «تاريخ دمشق» تعلن أسماء الفائزين بجائزة فخري البارودي لعام 2019 … جميل مراد لـ«الوطن»: الهدف الرئيسي تشجيع الشباب غير الدارسين للتاريخ على البحث

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

أعلنت مؤسسة تاريخ دمشق أسماء الفائزين بجائزة «فخري البارودي للمؤرخين الشباب» لعام 2019، وذلك في حفل أقامته بفندق الشرق، تلك الجائزة التي سميت تيمناً بتلك القامة الوطنية السورية الكبيرة تختص بفئة الشباب من عمر 20 سنة إلى 35 سنة.
وتفتح المجال لمن يحقق شروط الاشتراك بالمسابقة، التقدم ببحث واحد يعالج قضية تتعلق بتاريخ مدينة دمشق في مجال من المجالات التالية: (سياسة– اقتصاد– اجتماع– ثقافة وتراث– فن – عمارة) شريطة أن يغطي البحث مرحلة زمنية ضمن النطاق التاريخي الواقع بين عامي 1860 – 2000.
وتم منح الفائزين الثلاثة الأوائل جوائز مالية على الشكل التالي:
الجائزة الأولى: قيمتها 500 ألف ليرة سورية
الجائزة الثانية: قيمتها 300 ألف ليرة سورية
الجائزة الثالثة: قيمتها 200 ألف ليرة سورية
إضافة إلى تقديم درع الجائزة وشهادة للفائزين الثلاثة الأوائل، كل حسب درجته. كما تم منح بقية المتسابقين الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز شهادات مشاركة بالجائزة.

الفائزون
ونال المركز الأول نايف سعيد الجباعي عن بحث بعنوان «غرباء مدينة دمشق جوانب من دورهم في رفد اقتصاد المدينة بين عامي 1860 و1918 حيث قدم البحث لمحات موجزة عن دور السكان الذين وفدوا على مدينة دمشق في اقتصادها وما حفلت به هذه الفترة الزمنية بأحداث مهمة في المدينة.
وجاء المركز الثاني مناصفة بين بحثين الأول حمل «عنوان الإرادة السورية ضد فرنسا خلال الانتداب.. البواعث والروافد» لعبد الكريم مأمون القادري والثاني بعنوان الثامنة والنصف بتوقيت دمشق» توثيق رحلة الراديو والتلفزيون في تناقل وانتشار الأخبار خلال الفترة الممتدة من 1951 وحتى 1979 في دمشق لماهر إحسان المونس.
وحاز المركز الثالث محمد ملهم الخربوطلي عن بحث «مشاهد من مدارس دمشق في العهد العثماني والفرنسي 1878 و1948 حالة دراسية.. فن الطباعة في التعليم الابتدائي.

تشجيع الشبان على البحث
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد نائب رئيس مجلس الأمناء جميل مراد أن: «أهمية الجائزة تكمن في كونها موجهة لشريحة الشبان وهي غير احترافية تضم الهواة والمهتمين بالتاريخ والدارسين له، وكونها تقتصر على الفئة الشابة نحاول أن نستهدف العناصر غير المحترفة، وفي الجائزة الماضية شارك معنا أشخاص منهم أطباء ومنهم باحثون في الاقتصاد والذي نال الجائزة الأولى حرفي».
وأضاف مراد إن: «الهدف الرئيسي هو تشجيع الشبان على البحث وبالذات غير الدارسين للتاريخ لنشجعهم أكثر على الدخول إلى مثل هذه المسابقة، وهناك مشروع جديد قيد الدراسة حالياً وهو استهداف الفئة العمرية الأكبر وهذا يذهب للمحترفين ويكون موجهاً ولا يكون على شكل مسابقة بل على شكل منح بحثية وهذا الموضوع قيد الدراسة. والبحوث الفائزة تتم طباعتها بكتاب وتوزع».

أشبه بأكاديمية
بينما قال قاسم الشاغوري عضو في مجلس أمناء المؤسسة إن: «هذه الجائزة حققت نمواً عن العام الماضي من خلال عدد المشاركين ومن ناحية الأفكار التي تقدمت كأبحاث حتى بالتعاطي مع الفعالية كفعالية لتكون أشبه بأكاديمية، وتضمنت نقاشاً للباحثين بشكل موسع مع أحد أعضاء لجنة التحكيم، لنضيء على نوعية الأبحاث، والملاحظ هذا العام أن الأفكار المطروحة كانت جريئة وجديدة في نوعها، كما أن تجربتنا اختلفت عن السنة الماضية، حيث استطاعت المسابقة أن تصل إلى الناس بصورة أكبر وهناك برامج جديدة سنعلن عنها قريباً».

تفاوت بليغ بين البحوث
وبين غسان كلاس وهو عضو في لجنة التحكيم: «تُشكر المؤسسة على إطلاق هذه الجائزة التي سمتها بجائزة المؤرخين الشباب وهي من حيث البداية أعطت الحق للشبان أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم وأن يوظفوا ما قرؤوه سابقاً ويقارنوا بين دراساتهم الجامعية وغير الجامعية والتخصصية وغير المتخصصين في مجال التاريخ، فأتاحت لهم المؤسسة ذلك من خلال هذه الجائزة، والنقطة الثانية فإن حصر الجائزة بعمر محدد يعطي بعداً إضافياً لها ومساحة إضافية للمشاركين بها».
وأضاف كلاس إن: «الموضوعات التي قدمت تنسجم كلها مع تاريخ دمشق والرغبة بتسليط الضوء على بعض النقاط، وفي العام 2019 تقدم إلى هذه الجائزة 9 أبحاث وحكمت تحكيماً إفرادياً ومن ثم اجتمعت لجنة المحكمين وقرأت بعناية ضمن المعايير ليست الأكاديمية البحتة، وإنما التي تؤدي غرضاً معيناً وتجيب عن التساؤلات المطروحة في كل بحث، فالمعول هو أن يتولى الباحث بقناعة تامة وبأدوات موضوعية مهمة جداً وأن يصل ما بدأه بالبحث من خلال الأسئلة المطروحة والإجابات الضرورية عليها، بعضهم وفق في ذلك وأجاب عن هذه الأسئلة وبعضهم لم يوفق للأسف ولكن لجنة التحكيم فيما بعد في اجتماعها الذي نظر في كل الأبحاث المقدمة لمست أن هناك توافقاً في الآراء من حيث ضرورة تقديم بحث على بحث لأسباب ومعايير معروفة وموضوعة في متن الجائزة وفي متن البحث أيضاً حيث يعرف الباحث ما المؤشرات وما المعايير المعتمدة وتوزيع العلامات بصددها».
وأوضح كلاس أن: «هناك تفاوتاً بليغاً بين بحث وآخر من حيث طريقة تناوله ومن حيث الموضوع المطروح ومراعاة مسألة الجدة وليس أن يكون الموضوع جديداً فحسب إنما طريقة معالجته وتناول هذا الموضوع بطريقة جديدة لم يتطرق إليه في ما سبق أو في إطار التحليل أو المتناقضات أو المتقاربات أو سواء ذلك».
شجعتنا الأبحاث المشاركة

ومن جهته قال المدير التنفيذي لبنك الشام أحمد يوسف اللحام: «لم نتردد لحظة في رعاية المسابقة للمرة الثانية وشجعتنا الأبحاث المشاركة والمواضيع المتنوعة الاجتماعية منها والمصرفية والتاريخية والإعلامية والهندسية والثقافية والفنية والذي استوقفنا أن أغلب المشاركين من الأشخاص الفاعلين في المجتمع ومع ذلك لم يتوقفوا عند حدود أعمالهم بل وظفوا إجراءاتهم المهنية واختصاصاتهم الجامعية في مواضيع أبحاثهم وكان من المشجع أيضاً أن لجنة التحكيم اعتمدت مجموعة متطورة من المعايير التحكيمية لتصعيد الأبحاث واختيار الفائزين، وأيضاً كيف لا نكون شركاء ورعاة لجائزة تحمل اسم المفكر والكاتب ابن دمشق وابن سورية فخري البارودي؟».

الزمان الأفضل
وبين نايف سعيد الجباعي الحاصل على الجائزة الأولى أن: «المؤسسة شجعتني على القيام بهذا البحث لأنها اختارت المكان الأرحب والزمان الأفضل لإقامة أي بحث وليس فقط بحوثاً اقتصادية أو اجتماعية، إلا أنني توجهت إلى الجانب الحضاري وأخذت «دور الغرباء في رفد اقتصاد المدينة» ونستطيع أن نأخذ دورهم في ثقافة مجتمع المدينة فهو يفتح آفاق جيدة للباحثين. وراعيت في بحثي أن يكون غير مطروقاً سابقاً وأن يكون في اختيار البحث شيء جوهري، وبقيت شهراً أدرس هذا العنوان، واستشرت أكثر من دكتور وقالوا لي إن كلمة غرباء ثقيلة كبحث لكنني أصررت على أن آخذ الكلمة بمعانيها لأنهم لم يبقوا غرباء وهناك من أصبح أهلاً لها ومنهم من رحل عنها ومنهم من يأتون إليها الآن ويأخذون حاجاتهم الاقتصادية ويرفدون اقتصاد المدينة ويغادرونها خلال يوم».
وأضاف الجباعي إن: «شعوري اليوم لا يوصف وخاصة بأن نتميز بشيء أكاديمي وشيء أقرب لأي إنسان وكل إنسان يصبو في الحصول على المركز الأول بأي مجال ولاسيما إذا كان بمجاله وأنا مختص بالتاريخ وأعمل الآن دكتوراه بالتاريخ».

جزءاً من تاريخ دمشق
وبدوره قال ماهر المونس الحاصل على المركز الثاني: «عادة الأرشيف التاريخي يذهب للزوايا السياسية والاقتصادية وقلما يكون هناك توثيق من الناحية الإعلامية أو الإخبارية، وأحببت أن آخذ جزءاً من تاريخ دمشق وأوثقه من الناحية الإعلامية في المرحلة التي ظهر فيها التلفزيون أو الراديو وأدرس كيفية تناقل وانتقال الأخبار قبل ظهورهما وبعده، وكيف أثر ذلك في ظهور التلفزيون والراديو وعلى عملية انتشار وانتقال الأخبار وتطور هذه العملية».
وأوضح المونس أنه: «في عصر مملوء بمصادر للمعلومات وفي ظل زخوره بها وعلى الرغم من ذلك إلا أننا في حيرة من أمرنا: ما المعلومة الصحيحة أو ما المصدر الصحيح، وكنت أتساءل دائماً أن في هذا الوقت تسكننا حيرة كبيرة، فكيف حالها من قبل عندما كانت مصادر المعلومات قليلة ووصولها بطيء، هذا الشيء هو الذي دعاني حتى أعرف أكثر كيف تطورت سرعة وانتشار المعلومات في زمننا هذا، والبحث العلمي دائماً متجدد ومستمر، وهذا البحث أرغب في تطويره ولا أفكر أن أقف عند حد لأذهب إلى نواحٍ توثيقية أكبر ويمكن أن يأخذ أشكالاً أخرى بشكل مرئي أو على شكل فيلم أو وثائق مصورة».
هذا التعب والجهد والبحث الذي بذله كان كفيلاً بجعله يتوقع أن يكون بحثه ضمن النصوص الفائزة حيث قال: «كنت أتوقع أن يكون النص من النصوص الفائزة وأحسست به، وتعبت عليه جداً وشعرت أنني أضيء على جانب لم يُضاء عليه سابقاً بالشكل الكافي وسعيد لأنني ربحت، ولو لم أربح فسأكون سعيداً جداً بمشاركتي لأن المتعة التي تمتلكنا أثناء جمع المعلومات تفوق أي متعة أخرى».

مشروع التوثيق
هو مشروع التنقيب والبحث في الدوائر الحكومية والبيوت الخاصة عن أرشيف مدينة دمشق منذ عام 1860 الذي يشمل صوراً، مخطوطات، مراسلات، صحفاً، كتباً، وأوراقاً غير منشورة. بعد الوصول إلى هذا الارشيف تسعى المؤسسة لحفظه وفهرسته وجمعه الكترونياً وورقياً تمهيداً لوضعه في متحف فعلي وافتراضي.
وتمتلك المؤسسة الخبرة اللازمة في تقييم وأرشفة وتوثيق جميع أنواع الوثائق في أماكن وجودها، كما تستطيع مؤسسة تاريخ دمشق تقديم مشاريع متكاملة لمساعدة المؤسسات العاملة بمجالات التوثيق على الاستمرار والارتقاء بعملية حفظ الأرشيف وتبويبه. وتستطيع المؤسسة عبر مؤرخيها ومختصيها وضع هذا الأرشيف في سياقه التاريخي والبحثي لتسهيل عمل الباحثين والمهتمين.

رسالة المؤسسة
في السنوات القليلة الماضية تعرضت مدينة دمشق، شأنها شأن كل المدن السورية، إلى تغيرات جسيمة فرضتها الحرب الدائرة في البلاد، أدت إلى تشويه هوية المدينة البصرية والثقافية، وإلى خراب بعض أحيائها القديمة مع انهيار عدد لا يستهان به من القصور والبيوت الأثرية، وإلى ضياع نسبة كبيرة من أرشيف دمشق المادي والورقي نتيجة القدم والإهمال والفساد.
في خريف عام 2016 قررت مؤسسة تاريخ دمشق الانطلاق في مشروعها التوثيقي وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية، هدفها الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة دمشق، عقدت أول اجتماعات المؤسسة في بيت دمشقي صغير في «حارة الورد» بحي سوق ساروجا، أصبح اليوم مركزاً لأعمال المؤسسة، يدار من مجموعة من المتطوعين، من فنيين وتنفيذيين وأعضاء مجلس أمناء ومؤسسين، لتمارس سعيها الدائم للبحث عن الصور القديمة والأفلام والصوتيات، إضافة للمطبوعات والأوراق الشخصية والمذكرات غير المنشورة والكتب القديمة والمخطوطات والمراسلات الخاصة والرسمية، جميع تلك الكنوز أو ما تبقى منها موجود إما في مستودعات الدوائر الحكومية وإما داخل دور دمشق القديمة في حوزة أهلها، يتناقلونها بالتوارث من جيل إلى آخر.
الكثير من تلك الأوراق والمستندات قد بدأت تتلاشى وتضيع بسبب الإهمال وسوء ظروف الحفظ، وظهر عدد كبير منها في مراكز أبحاث غربية، في باريس ولندن وواشنطن، بعد أن تم تهريبها من سورية خلال السنوات الماضية.
تسعى مؤسسة تاريخ دمشق إلى جمع تلك الأوراق المبعثرة في متحف الكتروني والاحتفاظ بالنسخة الأصلية منها عند الإمكان إلى حين انتهاء الحرب الدائرة في سورية، حيث سيتم عرضها في متحف فعلي يكون تحت تصرف المهتمين والباحثين في التاريخ الدمشقي المعاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن