قضايا وآراء

توتر متصاعد

| مازن جبور

ينبئ التوتر في إدلب، بعد أن أظهر النظام التركي المزيد من نواياه العدوانية تجاه سورية، بالمزيد من التصعيد، ومن ثم فإن ذهاب دمشق وموسكو لتنفيذ اتفاق سوتشي بالنار، لم يعد الهدف، بل أصبح الهدف إخراج قوات الاحتلال التركية من إدلب كمرحلة أولى.
وبعد تنصل أنقرة من الالتزامات المترتبة عليها بموجب اتفاق سوتشي بخصوص إدلب وبعد استمرار الإرهابيين والميليشيات المسلحة بخروقاتهم له، نفد صبر دمشق وموسكو على النظام التركي، فبدؤوا عملية عسكرية واسعة ومكثفة، استعاد خلالها الجيش العربي السوري عشرات المدن والبلدات والقرى والتلال ومنها معرة النعمان وسراقب وسيطر على كامل الطريق الدولي بين دمشق وحلب بعد استعادة السيطرة على أجزاء منه في ريفي حلب وإدلب كانت تحت سطوة الإرهابيين.
ورغم أن هذه العملية أعطت في بدايتها مؤشرات على أن ما يحدث هو تنفيذ لاتفاق سوتشي بالنار، إلا أن حادثة مقتل ثمانية جنود للاحتلال التركي في الخامس من الشهر الجاري باستهداف من قبل الجيش السوري لمواقع الإرهابيين، جاءت على خلفية خرق أردوغان لاتفاق أضنة وإدخاله العديد من الأرتال العسكرية إلى إدلب وإقامته العديد من المقرات تحت ذريعة نقاط المراقبة، إذ إن هذه التحركات أظهرت نوايا الاحتلال الحقيقية بالتخطيط للمزيد من العدوان على الأراضي السورية، وهو ما لن تسمح به دمشق وموسكو، ما يشير إلى أن التوتر سيتصاعد في المرحلة القادمة.
تصاعد التوتر مستقبلاً، دلّت عليه مجموعة من المؤشرات الأخرى منها إخفاق الاجتماع الروسي التركي الأول الذي جرى في أنقرة قبل عدة أيام بخصوص إدلب، إضافة إلى مقتل خمسة جنود أتراك جدد وإصابة آخرين في العاشر من الشهر الجاري باستهداف الجيش مجدداً إحدى النقاط التركية التي يحتمي بها الإرهابيون، الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة إعلان بطاقة حمراء في وجه النظام التركي في سورية وأن موعد خروج قواته الاحتلالية حان.
وفي وقت لا يستطيع فيه النظام التركي أن يوقف التغييرات الكبرى الحاصلة الآن في الخريطة الميدانية شمال البلاد، لجأ إلى الضجيج والفوضى عبر سلسلة من التصريحات عالية النبرة، ولعل أبرزها مهلة نهاية شهر شباط الحالي حتى يعود الجيش إلى خطوط سيطرته السابقة خلف نقاط المراقبة التركية.
إنَّ المهلة الزمنية السابقة لجيش يتقدم بسرعة كبرى، تؤكد عدم قدرة النظام التركي على إجراء تغييرات إستراتيجية في المرحلة الحالية، وأن تصعيد تهديداته يبدو مرتبطاً بحالة التوتر التي باتت تسود علاقته بالتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في المنطقة. لذلك قد يلجأ النظام التركي إلى إستراتيجية جديدة تقوم على مبدأ تعظيم المكاسب الصغيرة التي يمكن أن يجنيها في أي حوار قادم مع الروس، وتصغير الخسائر الكبيرة، التي قد تترتّب على التطورات الميدانية الحالية.
وعليه، يبدو النظام التركي أضعف من أن يفرض تغييراً كبيراً في مسار التطورات الميدانية الحالية، ولعل أقصى ما يمكن للروس أن يمنّوا عليه به، وهو يستجديهم لوقف العملية العسكرية شمالاً، هو خطوط تماسٍّ جديدة يستطيع من خلالها ضمان عدم تهديد المناطق التي احتلها ومرتزقته شمال حلب، خصوصاً أنه بحاجة هؤلاء اليوم في تدخلاته في الملف الليبي.
إنَّ رسائل قتل الجنود الأتراك كانت واضحة ومباشرة، ومُفادها أن وجود قوات الاحتلال التركية في سورية لم يعد مقبولاً، وأن الدور السياسي الذي تسعى أنقرة إلى لعبه من خلال ملف اللجنة الدستورية بات في دائرة الاستهداف أيضاً إذا ما أبدى النظام التركي مقاومة غير متوقعة لعملية إخراجه بالكامل من ملف إدلب في المدى المنظور على أقل تقدير، خصوصاً أنه مع التقدمات الأخيرة للجيش وإذا ما تمكّن من إطباق قبضته على الطريق الدولي دمشق حلب بالنار، بعد تراجع أردوغان عن تنفيذ التعهدات التي نصّ عليها اتفاق سوتشي بهذا الخصوص، فهذا يعني أن اتفاقيات خفض التصعيد ومسار أستانا قد قلَّ شأنها في مسار حل الأزمة السورية، بعد أن أُفرغت عسكرياً من مضمونها.
في خضم هذا التوتر المتصاعد، فإن التحرك الأميركي على خط ما يجري في إدلب ودفع النظام التركي إلى المزيد من المواجهة مع روسيا وسورية، هو محط قلق كبير بسبب النتائج التي يمكن أن تترتب عليه، والتي قد يكون منها دفع أردوغان إلى المزيد من التهور خلال الأيام القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن