Site icon صحيفة الوطن

عدوان أردوغان ونتنياهو يؤكد تحالفهما في الحرب على سورية

وردني بتاريخ 27 شباط 2020 ليلاً اتصال هاتفي من أصدقاء زملاء أكاديميين من المغرب العربي تجمعني معهم أفكار وأمنيات مشتركة حول النهوض العربي في هذا الزمن العربي الرديء الذي تُستهدف فيه قضايا العرب الرئيسية من الغرب وقادته وحلفائهم الإقليميين الداعمين للإرهاب، وأكد الأصدقاء العرب المتصلون تضامنهم مع سورية شعباً وجيشاً ضد العدوان الثنائي على مواقع الجيش العربي السوري في التوقيت نفسه؛ عدوان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومرتزقته في الشمال السوري، وعدوان رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الصهيوني في الجنوب.
بداية أؤكد للأصدقاء العرب المتصلين شكري وتقديري لتضامنهم ومحبتهم لوطنهم الثاني سورية. إنني أرى أن تزامن العدوان التركي ومرتزقته مع العدوان الصهيوني على سورية يؤكد تحالفهما وأنهما شركاء في الحرب الإرهابية الكونية على سورية، بالمقابل ادعاءات أردوغان بأنه يؤيد قضية فلسطين ليس سوى نفاقٍ وهو يشارك إسرائيل نياتها وأطماعها العدوانية التوسعية ضد العالم العربي.
الواقع أن أردوغان يلعب على الحبال الإسرائيلية والفلسطينية. السجال والملاسنة اللذان يطلقهما من حين لآخر، لا يمكن تفسيرهما بمعزل عن الشأن الداخلي التركي وتحالفات أردوغان مع تيار «الإخوان» وعلاقته الوطيدة بإسرائيل.
أردوغان المتعاون مع إسرائيل عسكرياً واقتصادياً، و«المتضامن والمدافع» عن الفلسطينيين إعلامياً، هو ثنائية فصامية، فهو في علاقته الكاذبة مع الفلسطينيين كمن «يقتل شخصاً ويمشي بجنازته».
أردوغان الذي تعده جماعة «الإخوان» خليفة للمسلمين، وهو صاحب العلاقة المثيرة مع إسرائيل، وهو «الصديق العدو» كما وصفه الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لصحيفة «معاريف»، مُقتنع بتاريخ طويل من العلاقات التركية الإسرائيلية، التي تعود لعام 1949. فتركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وطناً قومياً لليهود، تركيا التي تحتضن اليوم أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، بينما المبادلات التجارية بين البلدين مزدهرة، في ظل اتفاقية التجارة الحرة الإسرائيلية التركية السارية المفعول منذ عام 2000؛ وحجم التجارة تجاوز 4 مليارات دولار.
التعاون التركي الإسرائيلي لم يقف عند التجارة والسوق الحرة، بل وصل إلى التعاون العسكري والسماح للطيران العسكري الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء التركية، حيث ينص الاتفاق على تبادل الطيارين 8 مرات في السنة؛ ويسمح للطيارين الإسرائيليين بالتحليق فوق الأراضي التركية.
أردوغان صافح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق الإرهابي آرييل شارون في القدس عام 2005، على حين الأخير رحب به بالقول: «مرحباً بأردوغان في عاصمة إسرائيل الأبدية»، من دون أن نسمع أي اعتراض من أردوغان، الذي ملأ أجهزة الإعلام بعنتريات لفظية مخادعة «دفاعاً» عن الحقوق الفلسطينية، ولعل المسرحية الكوميدية التي افتعلها في حوار مؤتمر دافوس مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق شمعون بيريز كانت مثالاً على ذلك.
أردوغان الذي قبل بالقدس «عاصمة أبدية» من لسان شارون، هو صاحب علاقات مع إسرائيل، وحالة شراكة تجارية وعسكرية، رغم مهرجان الشتائم، فهو القائل: «إسرائيل بحاجة إلى بلد مثل تركيا في المنطقة، وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل» والواقع يؤكد أن إسرائيل الحليف الحميم لأردوغان.
وما الحرب الكلامية وعنتريات أردوغان على الإسرائيليين، وبكائياته على الفلسطينيين، إلا لكسب الشعبية، وللإرضاء العاطفي للداخل التركي، وخصوصاً بعد مجاهرة أردوغان بدعم جماعة «الإخوان» في بلدان كثيرة؛ منها ليبيا ومصر وسورية، فالدور التركي المشبوه، والتدخل السافر في الشأن العربي، امتداد لأطماع استعادة العثمانية مجدداً مع تنامي دور المعارضة السياسية في الداخل التركي، وخسارة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم انتخابات بلدية إسطنبول، وضغط أردوغان ورفضه نتائج الصندوق، كعادة «الإخوان» في رفض نتائج الديمقراطية إذا كانت النتائج عكس هواهم، وخسارتهم الثانية المكررة بعد الإعادة في كبرى بلديات الجمهورية التركية، والتي تعدّ بوصلة اتجاه المسار السياسي للبلاد، كلها تؤكد أن مشروع أردوغان في طريق الأفول.
منذ أربع سنوات صرح أردوغان للصحافة الإسرائيلية أن «القدس هي مكان مقدس للأديان الثلاثة والمسجد الأقصى مكان عبادة مقدس للأديان الثلاثة» وكان ذلك بعد أيام من تبادل السفراء بين أنقرة وتل أبيب تطبيقاً لاتفاق إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، الأمر الذي قوبل بموجة من الغضب بين الفلسطينيين وأوساط العرب بشكل عام.
ولم تمض أيام كثيرة حتى تراجع أردوغان عن تصريحاته، حفاظاً على شعبيته وأمام المسلمين، على الأخص، ليؤكد في خطاب له أمام المؤتمر السنوي الأول لرابطة «برلمانيون لأجل القدس»، المنعقد في مدينة إسطنبول، قائلاً: «الحرم القدسي الشريف يضم المسجد الأقصى وما تحته وقبة الصخرة هو مكان عبادة حصري للمسلمين».
إن «هذا التراجع يعكس حالة الارتباك السياسي التي تستبد بأردوغان منذ تصاعد الأزمة السورية التي كان له فيها دور كبير في دعم الإرهابيين، مع توتر علاقات نظام أردوغان بأغلبية دول الجوار العربي، حاول أردوغان في المرة الأولى أن يداعب ويغازل الجانب الإسرائيلي والأميركي، في محاولة لاستمالة كل منهما إلى صفه بعدما توترت علاقاته بالعالم العربي، ما أدى لمزيد من النزيف في شعبيته، داخل العالم الإسلامي، فتراجع عن هذه التصريحات نفاقاً لأنه يحاول أن يقدم نفسه زعيم التطرف للعالم الإسلامي، كان التراجع انعكاساً لحالة الارتباك والتوتر لأردوغان تحت وطأة الأزمات السياسية الداخلية، وخاصة بعد خوضه حرباً مع المعارضة التركية، حيث أصبح محاصراً في الداخل والخارج بتحديات عسكرية وسياسية وأمنية كبيرة، انعكست على أدائه السياسي في مختلف الاتجاهات.
عملياً أردوغان، يستخدم القضية الفلسطينية سواء في حديثه عن القدس أم عن مسألة التسوية أو عن العلاقة عن حركة حماس، لأكثر من هدف، أول هذه الأهداف هي شرعيته داخل الشارع التركي، فإن القضية الفلسطينية هي قضية رئيسية بالنسبة للمجتمع التركي.
من المؤكد أن أردوغان لديه حرص على إقامة علاقة قوية وطبيعية مع إسرائيل، وخاصة في ظل حالة الحماس والانحياز المطلق لإسرائيل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وعمل أردوغان على المصالحة وتطبيع العلاقات ودفع تعويضات للضحايا، مقابل تنازل تركيا عن القضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية ضد إسرائيل، ما يؤكد حرص أردوغان في الأساس على إقامة علاقة قوية مع إسرائيل بل إن تصريحات أردوغان كانت محاولة للحفاظ على ماء وجهه، ومن ثم هذا الموقف يأتي في سياق ضمني لإثبات موقف معنوي فقط أكثر منه أنه موقف على أرض الواقع، وظهر هذا الأمر عندما أرسلت تركيا طائرات إطفاء عشية اندلاع حرائق في الغابات الإسرائيلية.
أخيراً أقول لأصدقائي الذي اتصلوا من المغرب العربي متضامنين مع شعب وجيش سورية لكم ولكل العرب على امتداد الوطن العربي ولكل الأحرار في العالم المتضامنين مع سورية في حربها ضد الإرهاب، كل التقدير والاحترام.
وأقول هنا إن تزامن العدوان الأردوغاني التركي على شمال سورية، والعدوان الإسرائيلي على الجنوب السوري يؤكد أن لأردوغان التركي ونتنياهو الإسرائيلي وحلفائهم الدوليين والإقليميين أدواراً منسقة ومتعاونة في الحرب الإرهابية الكونية على سورية، في وقت يتابع الجيش العربي السوري والقوى الحليفة انتصاراته واستعادة الأراضي السورية المحتلة في إدلب من الإرهابيين وداعمهم أردوغان.

Exit mobile version