Site icon صحيفة الوطن

محاولات وتواطؤات لتمرير الصفقة

ابتلي الشعب الفلسطيني، على مدى حقبة من الزمن من تاريخه الحديث بمتزعمين يتنطعون، عن غير جدارة، أو عن جدارة وقدرات، ولكن عن غير إخلاص لقضية وطنهم وشعبهم، ذلك أن الإخلاص كله ينصرف إلى ذواتهم المتمثلة في تحقيق مكتسبات خاصة، أهمها «السلطة» الموهومة حيث يطمحون إلى البقاء جلوساً على أرائكها وجهاء معظمين!
صحيح، من جانب آخر، أن هنالك قادة كثراً مخلصين لأرضهم ووطنهم مروا في تاريخها، غير أن هؤلاء لم يكن لهم من الأثر ما يمكنهم من الوصول بهم إلى غاياتهم المنشودة، لأسباب كثيرة معظمها خارج عن إرادتهم!
كانوا من «المغضوب عليهم» لدى الخصوم الأعداء، من يهود وغربيين استعماريين، فقد دأب الخصوم هؤلاء على إشغالهم بقضايا جانبية حيناً، وبإثارة الخلافات والانقسامات فيما بينهم حيناً آخر، وكان من شأن ذلك الحيلولة بينهم وبين بلوغهم غاياتهم المرتجاة، نذكر بعضاً منهم، على سبيل المثال مع حفظ ألقابهم وكريم ذكراهم:
الحاج أمين الحسيني، القائد عبد القادر الحسيني، شهيد القسطل، عبد الرحيم محمد، حسن سلامة، أحمد الشقيري، عبد الرحيم محمود الذي كان شاعراً أيضاً يحمل بندقيته في طريقه إلى المعركة يردد:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
وفي زمننا الراهن، بوجهاء مثل خليل الوزير، صلاح خلف، جورج حبش، أحمد جبريل، أبو علي مصطفى، المطران عطالله حنا وغيرهم.
مناسبة هذا الحديث هو ما نراه اليوم، على رغم كل ما مر بنا من عذابات وما قدمنا من تضحيات ودماء وأرواح، من ابتذال وتهاون في حق القضية، وأنانية متأصلة في أوساط القيادات المتزعمة التي تملأ الساحة في الداخل الفلسطيني، فإذا ما تناولنا ما يجري في الضفة ورام الله حيث تقيم السلطة، سلطة على من وماذا لا نعرف! حيث يخدع الإسرائيليون أقطابها بمنحهم ألقاباً تميزهم عمداً عن عامة الشعب اصطلح على تسميتها VIP والتي معناها شخصية متميزة جداً كيما تشبع غرورها مع أنها لا تملك من صفات السلطة وأدواتها شيئاً غير الوهم وخداع الذات.
من الواضح الجليّ أن هؤلاء، منذ أوسلو، وربما قبلها، كانوا متفاهمين مع العدو على أساسيات أهمها منع قيام مقاومة مسلحة إزاءه، فهم يؤمنون بأن التوافق معه أسلم من التصدي والمواجهة، أي إن هذا أجدى وأسلم لمصالحهم الخاصة الأنانية، وليس للشعب ومصالحه المقدسة في تحرير أرضه وسيادته عليها، وسعيه عملياً نضالياً إلى إنهاء وجوده فيها.
أوسلو هي التي مهدت السبيل لكل ما جرى حتى الآن، وما يجري اليوم، وهو في صميمه لم يكن غير التوطئة للوصول إلى تنفيذ المخطط التآمري الذي أسموه صفقة القرن، التي هي صفقة بمعنى الكلمة فعلاً لصالح العدو، فهي التصفية النهائية للقضية الفلسطينية وإسدال الستار على كل ما جرى منذ قرن ونيف حتى الآن وكأنه لم يكن للقضاء مسبقاً على احتمالات الانتفاضة والمقاومة، وفرض النسيان تماماً على فلسطين وأهلها في داخلها وخارجها، ومن ثم البقاء والديمومة لإسرائيلهم اليهودية، إلى الأبد، على حد مقولات سمعت كثيراً من رئيس السلطة نفسه في معرض حديثه عن «الجيران الطيبين»! وإصراره على «عدم السماح» بمقاومة مسلحة أيّاً كانت! وفوق ذلك إعلان قناعته باستحالة العودة إلى فلسطين هم جيران إلى الأبد ولننسَ تحرير فلسطين واستعادتها ممن اغتصبها وشرّد أهلها.
رجال السلطة هؤلاء وبرغم ذلك كله، إنما يتجاهلون الماضي والحاضر والمستقبل، والتجارب التي مرت والتاريخ والجغرافيا، والشرائع السماوية والقوانين الأرضية، هؤلاء ما زالوا يصرون على المضي فيما هم فيه من أوهام ذاتية ممعنين في خداع شعبهم تحت عناوين ومسميات فارغة من أي مضمون مثل «السلام» و«المفاوضات»!
عن أي سلام يا ترى يتحدثون؟ وعلى ماذا يفاوضون بعد حكاية «الصفقة» التي هي من وجهة نظر أصحابها «المسمار الأخير» في نعش القضية؟
ولا ننسى أن رئيس السلطة صرح بأنه «لن يبيع فلسطين»، وكأن أحداً عرض عليه شراءها، فهم يأخذونها بلا ثمن عملياً، وهل هو صاحبها حتى يبيعها أو يمتنع عن بيعها؟ أو كأن العدو ينتظر موافقته من عدمها، غير أنه لم ينسَ أن يطمئنهم على أن في وسعهم المضي في تنفيذ «صفقتهم» عندما أعلن أنه سوف يقاوم «بيع فلسطين» ولكن وفق الشرعية الدولية، وكأن هذه الشرعية ليست هي التي قسمت فلسطين ومنحتها لليهودية العالمية، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه. وأضاف وبحماسة شديدة بأنه لن يسمح بمقاومة مسلحة، «بواريد وسكاكين»، حسب تعبيره، وهذا بالذات هو ما يريده العدو، فهم إذاً ضمنوا عدم قيام مواجهة مسلحة وسيمضون في طريقهم وخطتهم حتى النهاية يا سيادة الرئيس الذي منَّ الله على شعبنا بوجودكم حيث أنتم مع رفاقكم كبار المفاوضين والمحللين والمبررين الواقعيين!
المسالمون هؤلاء المستسلمون لإرادة العدو الإسرائيلي الأميركي شاؤوا أم أبوا، عن قصد أو غير قصد، ينبغي تنحيتهم وإيقافهم عند حدهم، فهم لا يمثلون الشعب الفلسطيني المقاتل من أجل استعادة أرض وطنه بالتحرير الكامل الشامل في قادم الزمن، طال الزمن أم قصر فهو لا بد آت وكل آت قريب.
خلاصة القول: إذا كانت النوايا مخلصة، وإذا كنا وأمثالنا من أبناء هذا الشعب المنكوب مخطئين فيما نذهب إليه فلتعلن السلطة وغزة معاً:
1 ـ سحب الاعتراف بإسرائيل.
2 ـ وقف كل أشكال التفاوض ومشاريع السلام الكاذبة.
3 ـ إعلان المقاومة المسلحة في وجه أي محاولة لتمرير صفقة كوشنير صهر الرئيس ترامب.
4 ـ إلغاء اتفاقية أوسلو بكل أشكالها ومضامينها، وعلى رأسها مهزلة التنسيق الأمني.
إما هذا وإما إعلان النفير التام والانتفاض على كل هذا العبث، فإما عودة فلسطين إلينا وعودتنا إليها وإما الشهادة وعلى الدنيا بأسرها السلام.

Exit mobile version