Site icon صحيفة الوطن

ما لم تقله الألسن!

كان لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب أردوغان، وقالت الألسن ما يمكن قوله بشأن إدلب، وظل طي الكتمان كل مهم عظيم، وما لم يتحمل لسان أردوغان البوح به لحجم الألم، ولم يفصح عنه بوتين بما يعكس لباقته وكرم الضيافة، فالرجل معروف بدماثة أخلاقه ودبلوماسيته، فكان الإعلان عن الخطوط العريضة التي تحفظ ما تبقى من ماء وجه رئيس النظام التركي، من جهة وقف إطلاق النار والممر الآمن، ومحاربة التنظيمات الإرهابية المدرجة على قائمة الأمم المتحدة، ولتبقى موضوعات ميدانية أخرى لم تدرج في الاتفاق أهم بكثير مما قيل، وربما ذلك بترجٍ تركي، أو لأنها من المسلّمات.
لكن ثمة الكثير من الكلام لم يقُل، فكان سهل القراءة في تفاصيل وجه أردوغان خلال اللقاء والمؤتمر الصحفي، ولا أدعي الفراسة في فن قراءة الوجوه، لكن وجه أردوغان خلال اللقاء ذكّرني بوجه ذاك الولد الذي أجبرته والدته على تناول طعام لا يرغب به، ولا يمكنه النهوض عن مائدة الطعام، ضغط المحادثات وانعكاسات نتائجها المؤلمة على أردوغان لم تظهر على وجهه فقط، فالرجل خرج من المفاوضات يعتوره الكثير من الإرباك، لدرجة أنه مدّ يده ليصافح وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، بدلاً من مصافحته وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
بعيداً عن لغة الصورة، فإن تداعيات اللقاء، وأولى ثمار التنفيذ سرعان ما ظهرت على أرض الواقع، فكانت البداية من الطائرة الرئاسية لأردوغان وهو في طريق العودة إلى أنقرة، حين قال: لقد تكبدنا خسائر كبيرة يصل عددها إلى المئات في إدلب، وإن كانت للوهلة الأولى تلك الكلمات اعترافاً بالهزيمة، فإن للأمر صورة ثانية، فمن الصعب أن يعترف محتل بهزيمته طواعيةً، والاعتراف بالخسائر لا يصدر إلا عن النبلاء، وأردوغان أبعد ما يكون عنهم، لكن كلام أردوغان ذاك كان من باب تهيئة الأرضية لإقناع مناصريه بأنه لم يعد خالي الوفاض من موسكو، فكان لابد من تضخيم المأزق الذي كان متورطاً فيه، وأنه كان مثخناً بالجراح، وأنه بإنجاز الحصول على وقف النار، هو بحد ذاته انتصار.
لم تنته تداعيات لقاء موسكو عند هذا الحد، فانفراط السُبحة التركية بدأ، والميدان يشي بالكثير حول ذلك، فأردوغان لعق جميع تصريحاته وتهديداته تجاه الحكومة السورية، وبأنه سوف يعيد الجيش السوري إلى ما قبل إدلب، وبأن طريق M5 لن يعود للعمل وإذ بالـM4 في الخدمة وخارج خريطة الضغط التركي، وأنه سوف وسوف، فالأخبار تقول إن النظام التركي بدأ بالبحث عن ورقة جديدة للمبازرة عليها سواء في منطقة الجزيرة السورية، أو ليبيا، وأنه أدرك أن ورقة إدلب قد حُرقت، وتحريرها من الإرهاب بات مسألة وقت ليس إلا، قد يستطيع تأخيرها من دون أن يمنع حصولها.
خفت صوت أردوغان، وغاب عن المنابر وشاشات التلفزة، فالحقيقة باتت واضحة، وبأن ما اتبعه من أسلوب سابق في الصراخ والتهديد والوعيد لم يكن سوى صرخات في واد، فالرجل حصل على السُلّم من موسكو التي أنزلته عن الشجرة العالية في إدلب، من دون أي شيء إضافي، فسلّته الكبيرة التي ذهب بها إلى هناك عادت خاوية من أي ثمار أخرى، من دون أن نستبعد أن وجه أردوغان المتجهم في موسكو، بات الآن ضاحكاً في سره على خروجه من ورطته في إدلب، وربما لسان حاله يقول: «يلي بيعرف بيعرف ويلي ما بيعرف بيقول كف عدس».

Exit mobile version