جرت آخر انتخابات لـ«الكنيست» الإسرائيلي في آذار الماضي، وأصبحت ثالث انتخابات تعقد ما بين نهاية عام 2019 وبداية عام 2020 بعد أن سدت كل الطرق وعجزت ثلاث دورات انتخابية مبكرة عن ولادة حكومة إسرائيلية ائتلافية يرأسها أحد الحزبين الكبيرين: الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو أو حزب أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس.
في أيار الماضي تمكّن الحزبان من تشكيل حكومة مشتركة نالت الثقة بأغلبية تزيد على 70 مقعداً بعد أن تخلى نتنياهو عن بعض الأحزاب الحليفة الصغيرة وبعد أن انشق غانتس عن بقية أعضاء حزب «يش عاتيد – يوجد مستقبل» وعقد الاثنان نتنياهو وغانتس اتفاقية ائتلافية يرأس بموجبها كل واحد منهما الحكومة لمدة 18 شهراً والفترة الأولى لنتنياهو. ويبدو أن الأشهر السبعة التي ترأس فيها نتنياهو الحكومة من شهر أيار حتى الآن شهدت عدداً من الخلافات الحادة بين قادة الحزبين إلى حد جعل غانتس يخشى من أن يخرق نتنياهو الاتفاق ولا يسلم الحكم له في عام 2021 فاختار موضوع تقديم الميزانية السنوية للعام 2021 الآن للمصادقة عليها في الكنيست كامتحان إذا وافق عليها نتنياهو فسوف يعني ذلك أنه سيسلم غانتس الرئاسة بعد 11 شهراً بشكل طبيعي وإذا رفض التجاوب فهذا يعني أنه لن يطبق الاتفاقية الائتلافية ويسلم الحكم لغانتس وعند ذلك يصبح الأفضل لغانتس أن يحرم نتنياهو من الأغلبية ويحدد موعداً لعقد انتخابات رابعة بعد شهرين أو ثلاثة يعد نفسه فيها قادراً على هزيمة نتنياهو والليكود بعد كل الإخفاقات التي حملها لنتنياهو في إخفاقات الكورونا وتدهور الاقتصاد والتسبب بهجرة عكسية غير مسبوقة للإسرائيليين. لكن كل الاحتمالات تشير بموجب معظم التقارير الإسرائيلية إلى أن الحزبين سيتعرضان لخسارة عدد من مقاعد كل منهما إلى حد لن يكون في مقدورهما جمع أغلبية لوحدهما لتشكيل حكومة مشتركة. ويعزو معظم المحللين الإسرائيليين المختصين بشؤون الأحزاب هذا الإخفاق إلى استمرار وجود نفس العوامل والأسباب التي جعلت كل حزب عاجزاً عن تشكيل حكومة ائتلافية لوحده مع بقية الأحزاب الصغيرة حتى بعد ثلاث دورات انتخابية متتالية خلال عشرة أشهر. ولذلك سيجد كل حزب نفسه في ظروف أسوء من التي شهدها في آذار الماضي إذا ما جرت الانتخابات المبكرة لأن كل حزب منهما تخلى عن حلفائه داخل كتلته حين شكّل حكومة الرأسين بالتناوب في أيار الماضي. والحقيقة أن كل حكومة ائتلافية كانت تتشكل من أكبر حزبين تتمكن غالباً من المحافظة على وجودها لأربع سنوات في حين ها نحن نشهد أن قدرة هذه الحكومة ستتفتت إذا صوّت البرلمان بأغلبية في ثلاث قراءات على حل الكنيست بعد أن فاز مشروع قرار حل البرلمان أمس الأربعاء بتأييد 61 مقعداً مقابل 54 فأصبح أمام نتنياهو خياران إما أن يوافق على عرض الميزانية السنوية والتعهد بالتنازل عن رئاسة الحكومة بعد 11 شهراً وتسليمها لغانتس وإما سقوط حكومته وعقد انتخابات مبكرة سيخسر فيها حزبه مقاعد كثيرة هذا إذا لم يتعرض لانشقاق وكذلك حزب أزرق أبيض بموجب معظم الاحتمالات، لكن السؤال الذي يطرحه عدد من المختصين بشؤون الأحزاب في إسرائيل هو:
ما الذي يجعل الإسرائيليين يمتنعون عن إعطاء نتنياهو المزيد من أصواتهم طالما أنه حقق لهم تطبيعاً مع بعض الدول العربية قبل أسابيع قليلة؟
يبيّن هؤلاء المحللون أن الجمهور الإسرائيلي الاستيطاني لم يلمس من كل ما فعله نتنياهو أن هذا التطبيع سيحميه من جبهة الشمال على حدود الجولان وجنوب لبنان ومن جبهة قطاع غزة ومن بقية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لأن ما يزعم نتنياهو أنه حققه لن يمنع سقوط صواريخ بقية الجبهات على مستوطناتهم كما أن الإسرائيليين يدركون أن أحداً لا يستطيع فرض التطبيع معهم على كل عربي ومسلم في المنطقة والعالم ويستشهدون دوما بموقف الشعب المصري والشعب الأردني ويقولون إن بقية الشعوب العربية لن تختلف عنهما وهذا ما سوف تثبته الأيام سواء أجرت الانتخابات الإسرائيلية أم لم تجر.