Site icon صحيفة الوطن

العقوبات المالية لم تعد عائقاً لردع الشغب … الاعتداء على الحكم.. هل أضحى فلكلوراً في دورينا؟

سقطت الأخلاق الرياضية بالضربة القاضية مجدداً في الدوري السوري الممتاز المسمى بالاحترافي وهو أبعد ما يكون عن الاحتراف، والفصل الأخير المتمثل بتهجم أحد مشجعي نادي جبلة على حكم مباراة حرجلة وجبلة محمد العبد الله برسم المرحلة العاشرة من النسخة الخمسين للدوري السوري ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير ما دام أغلب كوادر رياضتنا يتقبل الفوز ويرفض الخسارة ويجدها شماعة لتمرير ما يحلو له.
لجنة الانضباط في اتحاد اللعبة اجتمعت أمس ومن المتوقع ألا تصدر القرارات التأديبية مباشرة بحكم العادة وكلنا أمل أن ترضي غرور الجميع هذه المرة وتعيد الهيبة لأصحاب الزي الأسود في ملاعبنا.

نظرات قاصرة

كرة القدم هي الأوبرا التي يعزفها البشر جميعاً حسب قول أحد الإنكليز، فهل يدرك أي مشجع في رياضتنا أهمية هذه العبارة؟

والظاهرة البرازيلي رونالدو دا ليما بطل العالم 2002 يقول: تلعب كرة القدم في إسبانيا من أجل الشهرة وفي إيطاليا من أجل الفريق وفي البرازيل من أجل المتعة، فهل تساءل أحدنا: لماذا تلعب كرة القدم في بلدنا ولماذا المنغصات شبه دائمة في دورينا؟

والحارس الإسباني كاسياس بطل العالم 2010 الذي حقق كل ما يحلو له من ألقاب يقول:
لا أريد أن أُذكر كحارس جيد بل كشخص جيد، فهل يفكر رياضيونا بهذه النظرية المغلفة بالأخلاق أولاً وأخيراً؟
عقب المشكلات التي رافقت مباراة جبلة وتشرين كتبت موضوعاً كاملاً فحواه أن تقبل الفوز والخسارة مرض عضال في رياضتنا، وعصا اتحاد الكرة غير كافية منذ الأزل لأن معظم الإجراءات التأديبية لم تجد نفعاً رغم أن بعضها وصل حد شطب أندية برمتها، فإذا كانت الحال هذه فلماذا نلعب كرة القدم؟

الغرامات مقدور عليها

لائحة العقوبات المادية بحق الخارجين عن النص والمخالفين والمتورطين والعصاة والمتمردين وقطاع الطرق أياً كانت التسمية باتت لا تشكل عائقاً أمام أندية ميزانيات معظمها تتراوح بين نصف مليار ليرة سورية وحتى المليار.
وإدارات الأندية تضع في حسبانها عند تعهيد أي مباراة بأن مبلغ مليون ليرة أو نصف المليون سيذهب لخزائن اتحاد اللعبة سلفاً تسديداً لمخالفات متوقعة.

واللاعب المخالف الذي فاقت قيمة مقدم عقده خمسين مليون ليرة سورية لن تردعه لائحة الغرامات المفروضة من لجان الانضباط لأنها باتت من طرف الجيبة كما يقال.
ولكن تحويل المشجع المعتدي إلى المحاكم الجنائية، وحرمان اللاعب المخالف من تمثيل المنتخبات الوطنية ومنعه من التعاقد مع أي ناد، وفصل عضو الإدارة المتورط من المنظمة قد تكون سبلاً لنبذ الشغب، وإذا لم يكن بد من حرمان الجمهور فليكن الحل، فملاعبنا خلال سنوات الأزمة خلت بنسبة كبيرة من الجماهير ولكن الروزنامة أنجزت والمنتخبات تشكلت والأخلاق سادت وبطولة غرب آسيا تحققت وأحلامنا الكروية على عتبة المونديال وصلت.

الاعتراف بالخطأ فضيلة

لا نتوقع أن نشاهد دورياً خالياً من الشوائب والمنغصات ينتمي إلى مدينة كرة القدم الفاضلة، ولا ننتظر رؤية مشجع في رياضتنا يمتلك مقومات التحكم بنفسه وأهوائه مع المتغيرات المثيرة غير المتوقعة لأحداث المباريات، ولكن ذلك لا يعني وصول أحداث الشغب إلى هذه الدرجة من الانحطاط، ونهيب بالمعنيين كي يضربوا بيد من حديد كل من يعكر صفو مسيرة الدوري، والكرة ما زالت بملعبهم.

وليس عيباً على إدارات الأندية ومحبيها الاعتراف بخلل حدث من أحد مشجعيها خارج عن إرادتها فالاعتراف بالخطأ فضيلة، ولنا في الزميــل سعد غلاونجي عضو إدارة سابق في نادي جبلة مثال يحتذى به عندما شجب الموقــف معتذراً من الحكم على صفحته الشـخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، ولكن العيــب اعتصار عضـلات المــخ من بعــض المتطرفيــن لإيجاد مخرج غير مقنع لما حدث، كاتهــام الجاني بأنه مجنــون أو أنــه ليس من مشجعي جبلة وغير ذلك.

بين الماضي والحاضر

حادثة اعتداء جمهور الفتوة على جمال الشريف قبل سبعة وثلاثين عاماً ماثلة في الأذهان، واعتداء أحد كوادر نادي الفتوة على الحكم محمد شهاب في آخر مباريات دوري 2000/2001 بين الشرطة والفتوة حاضرة في الذاكرة، واعتداء رئيس نادي تشرين على الحكم زكريا علوش أثناء مباراة تشرين والنواعير خلال موسم 2017/2018 لم يجف مدادها بعد، واعتداء أحد كوادر نادي جبلة على الحكم المساعد عقبة حويج على هامش مباراة جبلة وتشرين حديثة العهد.
وها هو أحد مشجعي جبلة يعبر عن فرحه بهدف التعادل لفريقه بضرب الحكم محمد العبد الله، فهل بات ضرب الحكم فلكلوراً في دورينا، وهل بات مكتوباً علينا مشاهدة نشازات منفرة في كل مرحلة؟

حكمة العميد بوظو

عندما اعتدى أحد مشجعي الفتوة على الحكم الدولي جمال الشريف خلال دوري 1983/1984، وكان وقتها فاروق بوظو رئيس اتحاد الكرة مراقباً للمباراة فقال جملة مشهورة مخاطباً إدارة النادي الأزرق وقتها: لو أن أعضاء اتحاد الكرة متواجدون لعقدت اجتماعاً هنا في دير الزور لأخذ قرار بهبوط نادي الفتوة، وهذا ما كان عقب العودة إلى مقر الاتحاد في الشعلان حينها.
ونحن هنا لسنا في معرض كيل المديح لاتحاد العميد فاروق بوظو الذي كان متساهلاً في أمور أخرى كانت تحدد مسار اللقب على غير وجه حق، ولكن الانضباط كان سمة ظاهرة عند اللاعبين والمدربين وروابط المشجعين ذاك الوقت، خلافاً لما هو عليه الحال اليوم، فإذا صار الاعتداء على قاضي المباراة بهذه السذاجة والبساطة فعلى كرة القدم السورية السلام، وليلتزم لاعبونا البيوت مسلمين بأن لعبة كرة القدم لا تليق بنا.

شواهد مونديالية

ما الفائدة من متابعة مباريات كأس العالم أو القراءة عنها إذا لم نستفد من دروسها، فعلى مدار 55 عاماً نقرأ أن هدف إنكلترا الثالث بمرمى ألمانيا الغربية الذي مهّد لفوزها بالمونديال غير صحيح وخرج الحكم السويسري دينست ومساعده السوفييتي باخراموف وكأنهما لم يقترفا ذنباً!

وفي نهائي مونديال 1990 احتسب الحكم المكسيكي كوديسال ركلة جزاء وهمية لألمانيا الغربية أمام الأرجنتين في الوقت القاتل وخرج الحكم دون حماية من أحد!
والحكم الإنكليزي لينغ صادر هدف التعادل للمجر أمام المانشافت في الدقيقة الأخيرة لنهائي مونديال 1954 بحجة التسلل غير الموجود وبقي الألمان فائزين دون أن يعتدي أحد على الحكم.
هذه شواهد ثلاثة على صافرات حددت هوية بطل كأس العالم، فهل مباريات دورينا خلال رحلة الذهاب تستدعي هذا التشنج والخروج عن النص وكأنها أهم من نهائي المونديال؟

بين الجنون والعقل

تصنف كرة القدم بأنها مجنونة لأنها علم غير صحيح وليس بالضرورة أن يفوز الطرف الأفضل، ولكن المشجع الحقيقي للعبة يذهب إلى الملعب لمشاهدة جملة متناقضات دفعة واحدة ويؤمن بها مقتنعاً بأن اللا متوقع أمر وارد الحدوث في اللعبة، والغريب في هذا الجنون أن الممارسين للعبة عقلاء أو هكذا يجب أن يكونون.
والكاتب الإنكليزي مايك ليونز يقول:
لو لم يكن هناك شيء اسمه كرة القدم لكنا نشعر الآن بالإحباط ونصاب بالملل.
وهذا القول مرده أن اللعبة وسيلة ترفيه وتسلية وليست سبيلاً لإظهار سوء التربية ورداءة الأخلاق وضياع القيم كما يحدث عندنا.
ورئيس ليبيريا الحالي جورج ويا الفائز بالكرة الذهبية عام 1995 يقول:
كرة القدم لم تعد مجرد لعبة، إنها أسلوب حياة.
فهل هذا القول ينطبق على واقع الكرة في بلدنا، وهل ما نشاهده انعكاس لأسلوب حياتنا؟.

خير الكلام

الدوري سيستمر ولكن استعادة الحكام هيبتهم ضرورة ملحة وهذا يتجلى بقرارات حازمة تفوق المتوقع من قبة الفيحاء، وتصريح رئيس لجنة الحكام زكريا قناة بأنه سيقدم استقالته إذا لم تكن هناك ضمانات كافية لحماية الحكام يخفي في ثناياه الكثير، ولكن رئيس لجنة الحكام يتحدث عن نصف الكأس الممتلئ، ولم يدل للإعلام بأي تصريح حيال الحكم الذي يتورط بصافرات مؤثرة على نتائج المباريات، ومن حقنا التساؤل:
إذا كانت عقوبة اللاعبين علنية فلماذا لا تكون عقوبات قضاة اللعبة الذين لا يحكمون بالعدل علنية أيضاً كي يكونوا عبرة لغيرهم؟

وغاب عن بال الكابتن زكريا أنه المسؤول المباشر عن اختيار الحكام وهذه الخيارات ليست صائبة على الدوام، فنحن نؤمن بأن الحكم بشر يخطئ ويصيب، ولكن الخطأ عندما يتعدى حدود الأخطاء الإنسانية يكون عاملاً سلبياً في سير أجندة الدوري، ولنا في حكم مباراة الجيش وتشرين صفوان عثمان مثال حي على سلب الفوز من البحارة جهاراً نهاراً بتجاهل أربع ركلات جزاء أثبتها المحللون المختصون في الوقت الذي بحث فيه رئيس اللجنة عن وجود مبالغات وتهويل وأن الحكم تغاضى عن ركلة جزاء واحدة.

وأختم بقول مأثور لمدرب ليفربول التاريخي بوب بيزلي:
حتى لو خسرنا اليوم فالعالم سيستمر والشمس ستشرق غداً.
هذه جملة قالها بعد إحدى الخسارات غير المتوقعة لفريقه، وكأنه فيلسوف يؤمن بالخسارة قبل الفوز لأنها أحد أوجه اللعبة الثلاثة، فما أحوجنا لعقل راجح كهذا من جميع عناصر اللعبة!

Exit mobile version