Site icon صحيفة الوطن

لصوص الكلام.. والأحلام!

علمتني الحياة أن اللصوص ليسوا أولئك الأشخاص الذين يقتحمون بيوت الناس بالعنف والإكراه بوساطة «الكسر والخلع» ويسطون على كل شيء(خف وزنه وغلا ثمنه) وحسب، بل قد يكون اللصوص من أصحاب الياقات البيضاء وبذات السموكن التي صممتها أشهر بيوتات الأزياء العالمية من بيير كاردان وأرماني وفيرزاتشي وسواها.
لصوص النهار -كما يقولون دائماً- أخطر بكثير من لصوص الليل، ولصوص النهار أنواع وأشكال و«ألوان» فمنهم من يسرق الكلام، ومنهم من يسرق الأحلام!
أما عن سرقة الكلام فقد عرفت على مدى سنوات طويلة أشخاصاً دخلوا عالم الإعلام من الأبواب الضيقة ومن خلال وساطات ومحسوبيات! فصاروا يسطون على مقالات منشورة أو قصص لأدباء محليين وحتى عالميين وينشرونها بأسمائهم من دون أدنى خجل!
أحدهم سرق قصة قصيرة للكاتب الكبير مكسيم غوركي ونشرها على أنها قصة من تأليفه! وآخر سافر إلى مصر بمهمة اشترى خلالها عدداً من الكتب ومنها ديوان شعر لشاعر مغمور حيث لم يطبع من الديوان سوى ثلاثة آلاف نسخة في دولة عدد سكانها يزيد آنذاك على خمسين مليوناً، وعندما عاد إلى دمشق «نسخ» الديوان بالحرف ودفع به إلى المطبعة، فكانت الفضيحة عندما اكتشفت السرقة!
وهناك صحفي «لطش» مقابلة مع شخروب الجبل ميخائيل نعيمة نشرتها صحفية لبنانية في مجلة لبنانية، فنسخ المقابلة وأرسلها إلى صحيفة أردنية نشرتها له من دون أن تدقق بمصداقية المقابلة وما إذا كان هذا (الصحفي!) فعلاً هو من أجرى مقابلة مع هذا الشاعر والقاص والمفكر اللبناني الكبير.
حتى كاتب هذه المقالة تعرض للسرقة وهو يحبو في بدايته الإعلامية، فالقصة تعود إلى أواسط السبعينيات من القرن الماضي، عندما ماتت وجيهة عبد الحق الفنانة الموسيقية والعالمة السورية في مجال الموسيقا، والسيدة وجيهة كانت جارتنا في دمر، وكانت تأتي كل صيف من القاهرة أو روما وغيرها إلى دمشق مسقط رأسها، وقد أحزنني موتها، فقررت أن أكتب تحقيقاً عنها باعتبارها جارتنا أولاً وصديقة والدتي ثانياً، بل إنها ألحت على والدتي حتى علمتها العزف على العود، وفعلاً تواصلت مع شقيقها منير وطلبت منه صوراً لها وبعض المعلومات عنها.
والحقيقة أن أسرة عبد الحق جميعها متخصصة بالموسيقا: منير وهيام ونجاح التي كانت أول سيدة تعزف على آلة القانون، وبعد استكمال الموضوع نشرته في صحيفة تشرين التي كنت محرراً فيها.
بعد أيام وأنا أهمّ في دخول مبنى الصحيفة استوقفني الزميل وليد اسعيد الذي يعمل وقتها محرراً في القسم الثقافي وسألني ضاحكاً: كم أعطاك الصحفي الفلاني كي سمحت له بنشر مقالتك في صحيفة الشرق الأوسط؟
باختصار فتحنا تلك الصحيفة فوجدت أن المقالة ملطوشة بالحرف الواحد باستثناء أنه استبدل كلمة (لقد علمت أمي العزف على العود) بجملة (كانت تعلم نسوة الحي على العزف على العود) أما المضحك في الأمر أن الموضوع أرفق بالصور نفسها التي نشرت مع موضوعي في تشرين ومنها صورة وجيهة عبد الحق، تسلم الأمين العام للأمم المتحدة حينها كورت فالدهايم في مقر اليونيسكو في باريس اختراعها المعروف (قيثارة دمشق) تلك الصورة التي أعطاني إياها منير عبد الحق.
هكذا يعمل لصوص الكلام، ولا ننسى لصوص الأحلام، واحترامي للحرامي، هل تتذكرون هذه الأغنية التي غناها المطرب التونسي لطفي بوشناق.. احترامي للحرامي الذي صار في الصف الأمامي! واحترامي للحرامي.

Exit mobile version